المنشور

سيّدة المدن الساحرة

ها أنا أعيد إكتشاف القاهرة المدينة التي سحرتني وسحرت كثيرين قبلي منذ فجر التاريخ، من مكتشفين ومؤرخين وعلماء أنثربولوجيا، ومغامرين ورومانسيين وحالمين غذوا المخيلة العالمية بكتاباتهم على أنواعها. جوستاف فلوبير، بيير لوتي، جيرار دي نيرفال، وآخرين. أو حتى بمرورهم مثل جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار اللذين اعتُبِرت زيارتهما للقاهرة حدثا تاريخيا في ستينات القرن الماضي.
سنة 1956 ولد أنتوني ساتين في لندن، مارس الصحافة في أهم عناوين بريطانيا، الديلي تليغراف، الجارديان، والبي بي سي، و قد قاده افتتانه بالعالم العربي وإفريقيا إلى القاهرة، وهناك أصيب بلمسة السحر التي تصيب أغلب زوارها. لكنّه سيسلك طريقا مختلفة، ستصبح معبّدة لعشاق الأدب وسحر الشرق معا. سيروي لنا حكاية شابة إنجليزية صعدت على متن باخرة متوجهة إلى الإسكندرية، بحثا عن شيء تفتقده في ذاتها، وعلى تلك الباخرة من الإسكندرية إلى القاهرة العام 1849 تلتقي بشاب فرنسي يقاربها في العمر وبالكاد يبلغ الثلاثين، يبحث هو الآخر عن شيء يحرّك بحيرة إلهامه الرّاكدة.
بعد سنوات سيدهش كلاهما العالم بعد تلك الرحلة التي وثّقها التاريخ، ولكن أنتوني ساتين سيعيدها للأذهان بالشكل الرومانسي الأدبي الذي يليق بها لفتح باب القاهرة الساحر على مصراعيه بطريقته، وليسجل هو الآخر أكبر نجاحاته في مسيرته المهنية والإبداعية بكتابه “شتاء على النيل” منشورات هاتشينسن 2010، والذي أعتبر أفضل منشورات ذلك العام من طرف عدد من الصحف، وقد وصف ب “انتصار الخيال التاريخي”، وقد كتب جايلز فودين في مجلة “كوندي ناست ترافيلر” واصفاً أنتوني ساتين بأنه أحد المؤثرين العشرة الرئيسيين في كتابة السفر الحديثة.
هاذان الشابان هما فلورنس نايتنجيل الملقّبة بالسيدة حاملة المصباح، والكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير، اللذان جمعتهما تلك الباخرة شتاء 1849 ووضعتهما على موعد مع قدر استثنائي، فالأولى ستصبح أول من وضع قواعد التمريض الحديث وأسس التطهير والنظافة والإغاثة في المستشفيات، والثاني سيصبح كاتب “مدام بوفاري ” الشهير.
من الإسكندرية إلى “أبوسمبل” يعيد ساتين تركيب حكاية هاتين الشخصيتين الإستثنائيتين بوتيرة بطيئة لكن مدهشة، واصفا بدقة لا متناهية المكان الذي منحهما الكثير من المعرفة والشغف ووهب كليهما النّبضة التي لم يتوقف وهجها أبدا حتى وفاتهما فيما بعد.
هل تتخيلون قصة حب من نوع آخر؟ قصة رجل وامرأة لم تجمعهما علاقة مباشرة قط، ربما التقيا على متن الباخرة، وتبادلا التحيات، والإبتسامات، وبعض الكلمات، شاب فرنسي أنهى دراسة الحقوق ينتمي لعائلة بورجوازية كاثوليكية، وشابة إنجليزية من النبلاء كسرت قالب التقاليد التي ترفض تعليم البنات آنذاك وتحتقر مهنة التمريض، وقبل أن تطأ أقدامهما أرض مصر، كانا متعبين، تملأهما الشكوك والمخاوف من الحياة، فلوبير بمعاناته الخاصة من مرض عصبي، وفلورنس من قلقها تجاه أسباب وجودها كأنثى في عالم يرفض كيانها الحر. التقى الإثنان فعلا وعاشا قصة حب خرافية من نوع آخر حين تعلّق قلباهما بشمس مصر، وهوائها، وبالتأكيد بالسحر الذي لم يكن له أي تفسير، فقط هو شيء ثمين ولد فيهما وقادهما نحو عوالم يملأها النّور.
إفتتان فلوبير بالشرق سيسكن أدبه إلى الابد، سنجد آثاره في كل ما كتب، لقد كتب في مذكراته المجنونة: “حلمت دائما برحلات بعيدة نحو الجنوب، رأيت الشرق بقصوره ورماله اللامعة الشاسعة تدوس عليها جمال بأجراسها النحاسية، رأيت خيولا تقفز في أفق تلونه شمس حمراء، رأيت أمواجا شديدة الزرقة، وسماء زرقاء نقية، ورمالا فضية، ونساء سمراوات بعيون جريئة يعانقنني ويتحدثن معي بلغة الحوريات”.
لنقل إن هذا الحالم تأثر بأكاذيب شهرزاد، ولنعتبر كل ما كتبه عن النيل والأهرامات وسماء مصر وحورياتها كان وهمه الخاص، فقد نفته سيمون دي بوفوار في مذكراتها حين وصفت النيل بالنهر العادي، مستغربة من أين استمدّ شهرته، فهل نصدّق هذه السيدة المفتونة فقط بوجه سارتر ومحتويات رأسه؟ سارتر الذي أدهش العرب بمواقفه ورفضه لجائزة نوبل؟ أم نصدّق من يتأففون من واقع مصر بعد مئة وسبعين سنة من أيام فلوبير فيها، أم نصدق ساتين الذي اقتفى آثار شخصيتين عاشتا في مصر وتشبعتا بسحرها؟ وكل ما كتبه انطلاقا مما لمسه هو من جمال البلد وطيبة أهله، قبل العثور على مراسلاتهما وإعادة حبك قصته حسب رؤيته الخاصة لماضي مصر وحاضرها؟
حسنا لقد كتبت فلورنس نايتنجل في أواخر فبراير 1850 في إحدى رسائلها: “وداعا يا نبيلتي الجميلة، يا فقيدتي مصر، ا بلدا شهد ولادة جنسٍ من العمالقة، عمالقة في الحرب، والعلوم والفلسفة، وداعاً، لا ندم ولا ألم، باستثناء الألم الشخصي، فلا شيء حزين على بقايا هذا البلد مثل نهره الجليل المنسكب على شواطئه وأخصب العالم”.
صحيح أن “نيويورك تايمز” كتبت أن “رسائل فلورنس أهمّ وأجمل وأكثر إثارة للإهتمام من رسائل فلوبير ومذكراته الفوضوية، فقد كتب بشكل جيد عن المواخير، فيما كتبت هي عن المعابد بشكل أفضل”، لكن كلاهما توقف مدهوشاً أمام قباب النور الذهبية والمآذن الخزفية، والجبال الجرداء التي تخفي بساتين في جنباتها، وأغاني الحب الكثيرة جدا، أكثر من أكواخ الخيزران، والمقابر القديمة والأديرة.
نجد كل هذا في أدب فلوبير، وفي رسال فلورنس، يلتقيان على مساحة شاسعة من الكلمات، على طريق عبّداها باللغة نفسها، لغة الإمتنان للأرض الملهمة لهما. “إستمع أيها المفكّر، سوف يروى عطشك، وستكون حياتك كلها كالحلم لأنك ستشعر بأن روحك تذهب إلى النور وتطير في اللامتناهي” وردت هذه الفقرة في كتاب فلوبير “التربية العاطفية” وهي تشبه كثيرا ما كتبته مرارا فلورنس في رسائلها…
هذا الإكتشاف المتأخر لي وليد زيارتي لقرية “تونس المصرية” التي أصبحت مقصدا لمبدعين أجانب، وجدتهم مقيمين فيها للإمتلاء بالضوء وخامات الطبيعة التي لم يفسدها زحام وضجيج مدنهم، هم القادمين من بلدان الغيم والضباب والشمس الخجولة والبرد والثلج والصقيع.
وجدوا في مصر في هذه القرية البهية دفئا لا وجود له في أوطانهم، في رحلة تقلب مفاهيمنا رأسا على عقب، نحن الذين يتدافع أبناؤنا في ربيع العمر عبر قوارب الموت إلى الأوطان التي تركوها.
تحدٍّ كبير رفعه المهندس المعماري حسن فتحي ونجح فيه، بيوت بقباب من طين، جذبت السواح والفنانين والمبدعين، واتسعت حتى أصبحت مدينة صغيرة بشهرة عالمية، لها مهرجانها السنوي الذي اتسعت دائرة المشاركين فيه وزواره، وهي فوق كل ميزاتها السياحية والتاريخية والثقافية فهي قائمة على مبدأ إنساني جميل، فقد أطلق عليها مؤسسها إسم “تونس” تخليدا للصداقة التي جمعته بصديق تونسي.
علامات استفهام كبيرة اصطدمت بها أنا المفتونة أيضا بسحر القاهرة وأجواء مصر، كيف تترك أرض الأعاجيب هذه من أجل حياة خالية تماما من الدفء؟
قد تكون أسئلتي استفزازية، لكني أحيا في القاهرة، أعشق ضجيجها، صخبها، يقظتها المستمرة دون انقطاع، ليلها المضيء، ونهارها المفعم بالحياة، أجواءها الرمضانية التي لا مثيل لها في الدنيا، وطرافة أهلها وخفّة دمهم الفريدة.
شوق قديم إلى أيامي الجامعية عشته مجدداً مع فريق تصوير برنامجي الجديد “الملهم”، أعادني إلى أجمل فترة عمرية في حياتي، عمر الفرح الشبابي والمشاكسات اللذيذة والضحك الحقيقي النابع من القلب. طاقة لا يمكنني وصفها رافقتني طيلة إقامتي هذه، ورحلاتي الإستكشافية الجديدة بعد غياب طويل تخللته زيارات قصيرة لم تمنحني الفرصة لليقام بكل ما قمت به مؤخرا.
ثمة زخم في داخلي لكتابة المزيد، إذ يبدو أن ما تخبئه القاهرة أكثر بكثير مما كتب عنها ولا يزال يكتب، إنها ملهمة، وسيدة المدن الساحرة بامتياز.

اقرأ المزيد

صحيحٌ ما ينبيء القلب

حقّا، إنّ هذا الثراء يغري كلّ ذهن للتساؤل عن الحياة الأفضل للإنسان. لقد أمضى أبوك عمره شريفا متعفّفا عن المال الحرام، لكنّه عاش فقيرا ومريضا أيضا، بالكاد أمّن لقمة عيشك وشقّيقاتِك، وتمكّن بمشقَّة من الإنفاق على تعليمك، بينما خالك الثري، سيء السمعة، يبعثر المال بلا حساب، غير عابيء بشيء.
وهذا المنتجع الجميل، والساحل الذي لا يختلف عن ذلك الذي يحلم به المتديّنون في جنَّات النعيم، شاهد على مبلغ ما ينعم فيه من جاه ورفاهيَّة يحسده عليها الكثيرون. إنّه يرده على الدوام، مُنفقا في ساعة ما يكفيك وشقّيقاتك لعدَّة أيَّام.
خطوات خالك تقترب، يقبل كعادته على هيئة الشباب، يلبس ما يلبسون ويأكل ما يأكلون، ويحلم كما يحلمون أيضا.
يتحايل هذا الكهل على الكبر، ولا بدّ أن دعوته لك لقضاء يوم معه، سببها رغبته في أن يشعرك بشبابه وليس بشعره الأبيض، بقوِّته وليس بجسده المُترهّل…
– أسرَّك المنتجع؟
– ومن لا يسعد بالمنظر الجميل والهواء العليل؟
– إن شئت جعلتك تعيش على الدوام بين المنظر الجميل والهواء العليل.
أنت تعرف بالطبع، مغزى هذا الكلام؟ إنّه يدعوك مُجدَّدا للاقتران بإحدى بناته، والعمل في الوظيفة التي تروق لك في مؤسسته.
هو بحاجة إليك لا شك، فعلى الرغم من أنَّ بنات اليوم مثقّفات متعلّمات، يمكن الاعتماد عليهنَّ، لن يجد رجلا يمكنه الوثوق بكفاءته وأمانته مثلك، خصوصا والولد الذي تمنّاه، وأنفق الكثير لأجله، لم تأذن السماء بخروجه للدنيا…
– هَاي، إلى أين مضيت؟
– معذرة خالي، شردت قليلا.
– كيف حال أبوك؟ أما زال يشكو ألم ظهره؟
– ما زال للأسف.
– نصحته فلم يستمع لي، كان عليه أن يطالب بتعويض مُجز، يساعدة على نفقة العلاج.
– لكنّ الرجل صديقه يا خال.
– صديقه ماذا يا أخي؟! لقد تسبب له بعاهة مستدامة.
– كانا صديقين منذ الطفولة، وما حدث كان قضاءً وقدرا، لم يسع الرجل يوما لأذيّة أبي.
– كما تشاء يا أخي، تعبت وأنا أنصح فيكم.
ويضيف وهم يهمُّ بالوقوف:
– أبوك معجون بطين الفقر، ويبدو أنّك على شاكلته.
ويمضي مبتعدا، فيما عيناك ترقبانه، وتقول مُشفقا:
– ألم تجد غير أبي تسأله أن يشتكيً على صديقه؟!
وتبتسم ابتسامة إكبار وإجلال لطيف أبيك، الرجل الصلب، الذي قضى عمره وما زال، أمينا على مبادئه، لم يضعف ولم تنل الشدائد منه.
وتسأل قلبك سؤال العارف، المُدرك لطريقه جيدا:
– أحقّا أودّ أن أكون مثل خالي؟
ويرنّ هاتفك، وتقرأ رقم أبيك، فتردّ عليه بسرور، وتمضي لخالك، معتذرا لاضطرارك إلى مفارقة المكان، فلا يمنعك.
تمت

اقرأ المزيد

حشرجة مزمنة

لم يعلمني أحد كيف أجرد حزني من ابتسامته المستعارة
أو كيف تقف روحي كأشجار المقبرة..
من السهل أن تكتب: “لقد نجتْ من الموت” ويضمر صوتك “ولم تعد حية”..

***

‏أبتسم بمرارة كلما عصفت ذكرى ماكرة في قلبي
وبحجة الشعر أكمش موضعه لئلا تطير…

***

لم أتغير كثيراً
ربما..
زاد وزني
بضع كيلوات صغيرة
شعري الطويل
استراح على الكتفين
في خدي الأيمن
اختباء الماضي
وفي الآخر انتباه الحاضر..
في أحداقي ابتسامة مبتذلة
وعلى جوانب شفتي
تجاعيد طفيفة..
تضاعفت ربما استدارتي للخلف بفعل القلق
أجهضت تجاربي دهشة الجزاف
لكنها هنا
هنا في الجانب الأيسر
الكدمة الزرقاء تخفق بالألم
كبحرٍ عاجز عن استرجاع شهيق الغرقى
كلهم.. دفعة واحدة

***

وكزتُ القلب أتحسس مكانه وفي شفتي بسملة..
رتقت الروح وفي زهرتها يقترف الأمل الغياب..
كيف أنسل من بين جروح الوطن
أين أدس وجهي والجنائز مدائن؟

***

لا تؤرقك هالاتك السوداء تحت عينك..
الأرق كله لحظة بكائك
كأغنية متورمة في مأتمٍ للعزاء..

***

كنا نركض نحوهم
نشدّ بضلوعنا على دمنا وقلوبنا
خوف أن يأفل نور عتمتنا الوحيد..
لم يكن ذنبنا
أن لهاثنا أبكَمَ اللهفة
وبدد دفء الأمس
لم يكن ذنبنا ولا ذنبهم
هو ذنب الطريق..

***
‏أنا حزينة
ولا أعرف كيف عليّ أن أقرّ بهذا
من دون أن يبدو مثيراً
من دون أن يتكشف مبللاً ومضرجاً..

كل حزنٍ نبتلع دمعه..
يتحوّل إلى حشرجة مزمنة
يعذبها الصمت ولا تقوى الكلام

***
كيف يا الله
تخلق القلب بهذه الرقة
والذاكرة بكل هذه القوة؟

اقرأ المزيد

ليسدد الأثرياء الضريبة!

ملاحظة:
[أنبه القارئ لمسألة نظرية جد مهمة: إن في النظرية الاقتصادية العلمية دائماً ما تكون العلاقات الإنتاجية هي منطلق التحليل، وأساس فهم أي بنية اجتماعية ممكنة؛ هذا لا خلاف عليه. أما في التحليل الملموس اليومي لا بد أن تكون المطالب الاقتصادية قائمة على السبل الملموسة في ضرب رأس المال، مما يعني بأن علينا نشمل علاقات التبادل وعلاقات التوزيع (مثلاً، هذه العلاقة التي نتناولها هنا في ضريبة القيمة المضافة)، بالإضافة إلى الوجود الملموس لرساميل غير إنتاجية؛ مثل رأس المال التجاري، والخدماتي، والبيروقراطي، إلخ. هذا غير تحليل علاقات وتناقضات الطبقات التي لا تنتمي لا إلى البروليتاريا ولا إلى البورجوازية، مثل البورجوازية الصغيرة التقليدية والمتجددة.

إنني على وعي، إذن، بأن كلمة “غني” أو “الأغنياء” لا تنتمي إلى حقل الإنتاج بل التوزيع، ايّ المداخيل، وبالتالي لم استعمل عبارة “أغنياء” بفعل الإهمال أو الإنتقائية، بل من أجل التحليل الملموس لضريبة القيمة المضافة إذ إنها بطبيعتها تتمحور حول المداخيل لا الإنتاج (رغم أنها متحددة به). سيكون في مقدور القارئ، إذن، أن يفترض بأنني آخذ كل هذا كتحصيل حاصل دون أن أُفصل بشكل نظري بموقع كل مفهوم في كل مستوى نظري؛ وفي مقدوره ايضاً – كنتيجة لذلك – أن يعذر التمفصل ما- قبلي لهذه المفاهيم، كأمر واقع، دون أن أقدم له مقدمات نظرية، وبإمكانه أن يعود إلى مقالاتي السابقة ليفهم منظوري العام حول طبيعة العلاقات الإنتاجية في البحرين (1).

أضيف إلى ذلك نقطة أخرى ذكرتها في أحد الهوامش: الأرقام المستعملة تعبر عن محاولة استعراضية وتقريبية لعلاقات التوزيع، إنها ليست إمبريقية بالمعنى الفعلي للكلمة. وسبب ذلك هو أنه في البحرين لا تتوفر هذه المعلومات الإمبريقية الفعلية التي تعبر عن الأوضاع الفعلية للشعب العامل؛ اللهم دراسات فردية يشكر عليها الباحثين والجمعيات السياسية المعارضة. إن استعمال المعلومات لأغراض استعراضية، بدلاً من امبريقية، ليس جديداً على التحليل المادي التاريخي؛ والقارئ الجاد سيفهم ما ينبغي عرضه: لا الأرقام البورجوازية، بل حقيقة الصراع الطبقي.]

بلا شك، القارئ قد مرّ بتحليلات أو آراء تقول شيئاً من هذا القبيل: “صحيح تمّ تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT)، ولكن كان ذلك من أجل مصلحة الوطن ككل. نحن في وضع اقتصادي عام يجعل الحكومة تنزع نحو معالجة العجز عبر الاقتراض وتطبيق ضريبة القيمة المضافة”. قد يبدو بأن هذا النوع من المنطق، في الوهلة الأولى، تأسس على تفكير عقلاني سليم. فبين ليلة وضحاها، وجدت البورجوازية البحرينية نفسها، وهي لم تكن قط حاملة للتفكير الفلسفي ولا التنوير الفكري (على العكس عما تصوره لنا الجوقة الانتهازية اليوم)، أمام (نقد العقل العملي) لكانط، وبالأخص عند فصله الأول (الفقرة 70): “تصرف بطريقة يكون فيها نهج إرادتك الخاصة في ذات الوقت متوافقاً مع المبدأ التشريعي الكوني.”. ولم يتبقَ لا إنساناً، ولا حيواناً، ولا طيراً، ولا حتى حجارة، في البحرين لم تلوح البورجوازية هذا المبدأ في وجهه.

باختصار كان نداؤهم: “اقبلوا برفع الدعم، وضريبة القيمة المضافة، وبانحسار الوضع المعيشي، إذ إن ذلك واجبكم الأخلاقي!”. ثانياً، حالما ابدى أي شخص في البحرين انزعاجه من الأمر، وفي لحظة تفكير قال لنفسه بإن الضريبة المفروضة علي لا يمكن أن تكون هي هي تلك المفروضة على البورجوازية، قالوا له: “كيف يعقل ذلك؟ هذه 5% تنطبق علينا قبل أن تنطبق عليكم! نحن من يعاني بشكل مباشر من استيراد السلع من الخارج هذا بالإضافة إلى استهلاكنا اليومي!“.

لكن الأمور ليست كما يصورها لنا البورجوازيون، ولا سيما محللوهم وصحافيوهم التوابع. يقولون لنا بإن ضريبة القيمة المضافة هي موحدة، وبأنها تنطبق أساساً على أي سلعة أو خدمة خاضعة لهذه الضريبة، وبالتالي الكل بلا أي استثناء خاضع لها (هذا بجانب من الضريبة الانتقائية). ولا طائل من تلويح كتاب (ما هي الملكية؟) لبرودون أمامهم بإجابة صريحة “إنها سرقة!”، إذ أن برودون نفسه قدّم إجابة خاطئة مهما كانت راديكالية؛ بل أسمحوا لي أن أقول بأنها إجابة مبسطة لا تفسر لنا شيئاً مهما أجبرتنا عواطفنا أن نتفوه بها. لذا من الأفضل أن نلحق بهم حتى أعتاب منازلهم.

بأرقام تقديرية بسيطة سيكون بإمكاننا أن نحل هذه المشكلة.

تقول الأرقام بأن المعدل العام للأجير البحريني هو 530 ديناراً في الشهر، بينما المعدل العام للأجير غير البحريني هو 240 ديناراً في الشهر. كما تقول التقارير العالمية (وأهمها تلك المنشورة من قِبل مجموعة بوستن الاستشارية) (2) بأن البحرين تعتبر البلد ذا أعلى كثافة للمليونيرات من بعد سويسرا، حيث من أصل كل 1000 عائلة في البحرين تكون 123 منها ذات دخل يزيد أو يساوي لمليون دولار أمريكي (ايّ 370 ألف دينار وما فوق). هذا يعني بأن 12% من الأسر البحرينية فقط كلها تتحكم بـ 70% من الثروة الخاصة في البحرين؛ وهذه المجموعة بحد ذاتها تتخالف من مجموعة تمتلك مليون دولاراً إلى آخرى تتأرجح ما بين 20 مليون دولار إلى 100 مليون (ايّ، ما بين 7 مليون ونصف دينار إلى ما يقارب 38 مليون دينار بحريني).

أما باقي هذه الأسر، إذا استثنينا منهم صغار الأثرياء (أولئك الذين يمتلكون دخلاً أقل من 370 ألف دينار)، فإنهم على الأرجح لا يتحكمون إلا بما هو أقل من 15% (رغم أنه ليس لدينا أي سبيل للتحقق من ذلك أكيداً). هذه الأرقام هي مهذبة رغم هولها، فهي في تفسيرها الأعمق لا تعني سوى شيئاً واحداً: الأثرياء (الكبار، والمتوسطين، والصغار) يتحكمون بـ 85% من الثروات، بينما الشعب العامل (العمال، والموظفين الصغار، وأصحاب المحلات الصغيرة، والأسر المنتجة، والعاطلون، وأصحاب الحرف بشتى أشكالها، والمزارعون) يتحكم بما هو أقل من 15% (3). هذه هي الحقيقة.

نحن نعلم بأن الحكومة تقدّر الإيراد السنوي لضريبة القيمة المضافة بما يقارب 483 مليون دينار، ولما كان كل الناس سواسية حسب البورجوازية حيث إنها جميعها تساهم في تشكيل هذه الإيرادات السنوية فأننا سنجد بأن نصيب الفرد في المساهمة يقارب 322 دينار في السنة لمجموع إيرادات ضريبة القيمة المضافة.

الآن دعنا نضع أنفسنا في مشهد خيالي: “أنا وأنت نتنزه في الشارع؛ لنقل في سوقٍ ما. هذا المسرح جامع لكل الشخصيات، والطبقات، والإثنيات، إلخ؛ هذه السوق التي كتب عنها مثقفونا الكثير من الهراء التاريخي. وقد تستذكر ما كتبه العظيم هولدرلِن يوماً تأليهاً لليل:

“الأرباح والخسائر تعدها العقولُ المشغولة
ثم تهدأ تنام السوق المكتظة
بلا ورود، بلا عنب، بلا حرف.. “

لكننا لسنا أمام جمالية فلسفية – شعرية مثل هذه، حاشا الله! في بحريننا بلغ السقم كل الأرجاء فلا شعر، ولا جمال، ولا فلسفة بقت. إننا أمام سوق عادية غير ملهمة مكتظة بكل أنواع البشر. وبدلاً من الموت، انتشلنا أربعة منها: أحدهما عامل أو موظف بحريني يعيل نفسه وأسرته بمجموع 6360 دينار سنوياً. ثانيهما عامل أو موظف غير بحريني، وقد يكون عاملاً آسيوياً، يعيل نفسه وأسرته الصغيرة (التي قد تكون خارج أو داخل البحرين) بمقدار 2880 دينار سنوياً. وإن سألناهما بكل ساذجة: أيكفيكم هذا المرتب؟ لأجابنا البحريني (وأنتم تعلمون جيداً معنى هذه الإجابة، إذ للشعب ”شفرات“ لا يفهمها إلا الشعب): “خلها على الله. الحمد لله على كل حال”، ولعل الأجنبي سيقول: “على الأقل في البحرين لا نموت جوعاً”. هل أيهما حر من الدّين، والاقتراض، والقلق الدائم، والخيبة؟

بعد ذلك نصادف الثالث. لعله تاجراً أم صناعياً أم مصرفياً، لا أدري، يزاول السوق إما ليبيع وإما ليشتري. يقول أانه يستطيع أن يتحكم (أقول يتحكم لئلا نخلط ما بين ما يسميه ماركس مداخيل الرأسمالي ورأسماله)، بما يقارب 7 مليون ونصف دينار بشكل سنوي ليصرفها على نفسه وأسرته وعلى الوسائل الاستهلاكية المترفة والضرورية. لكنه سرعان ما سيشعر بهول الفرق بينه وبين الاثنين اللذين سبقاه وقد يقول: “لكن لي مصاريفي الخاصة ايضاً! فعلاً إنها 7 مليون ونصف؛ لكن ألم يعلمنا كانط بأن 100 دولار في اليد ليست هي هي 100 دولار كمفهوم؟ أنتم تجردون هذه ال 7 ملايين ونصف عن مضامينها الحقيقية! أنظروا إلى الرابع من بعدي أنه يحصل على أضعاف ما أحصل عليه!”.

هنا نصادف الرابع الذي يتحكم بدوره بما يقارب 38 مليون ديناراً. إنه أكثر هدوءاً، علينا أن نقرّ، أكثر عقلانية متجاوزاً كانطية صديقه فيقول: “7 ملايين أو 38 مليون، إنها أرقامٌ تجريدية! ألم يعلمنا هيغل بأن التجريد النظري هو ألا ترى في المجرم سوى أنه مجرم؟ أليست ثمة تحديدات أكثر عمقاً وراء ملكيتي لهكذا ثروة؟ ألم أعمل واشقى واسعى ليلاً نهاراً من أجل هكذا ثروة؟”.

نقدّر التدخل الفلسفي لصديقنا الرأسمالي! لكن الجماهير نبضها الحياة لا الأفكار الجامدة هذه. أنتم تعلمون سلفاً بأن نصيب كل فرد في المساهمة الضريبية هو 322، ايّ نصيب متساوٍ؛ ولكن ليس لكل فرد دخلٍ متساوٍ. ستشكل، إذن، في هذا المشهد، نسبة الضرائب غير المباشرة بالنسبة إلى مدخول العامل البحريني 5%؛ بينما على العامل الأجنبي 14%؛ الرأسمالي الأول 0.004%؛ الرأسمالي الثاني 0.0008%. هذا يعني بأنه بينما يساهم العامل أو الموظف البحريني 5% من مدخوله السنوي، والعامل أو الموظف غير- البحريني 14%، للإيرادات الكلية لضريبة القيمة المضافة، فأن مليونيراتنا لا تساهم إلا بما هو أقل من 1% مقارنة بما تملكه من ثروات.

لنسأل أنفسنا: لماذا يتحمل أولئك الذين يتحكمون بأقل أو بما يساوي 15% من الثروة الخاصة في البحرين العبء الأكبر من الضريبة، بينما أولئك الذين يتحكمون بما يقارب 85% من هذه الثروة يتحملون العبء الأقل منها؟ مهما حاول الصحافيون التغني بالأخوة الوطنية، إلا إن الواقع يثبت بأن الرأسماليين أنفسهم لا يعترفون بهذه الأخوة فإنها لا تعدو كونها شعاراً واهياً. إن العامل البحريني، بهذا المعنى، أقرب في أخوته للعامل الوافد والأجنبي مما في أخوته للرأسمالي البحريني؛ إذ الأخير يستغلهما كلاهما معاً.

هكذا، إذا طالبنا بتقديم ضريبة تصاعدية على الدخل سنكون قد حملنا الرأسماليين عبء ضريبة القيمة المضافة بدلاً من الطبقات الشعبية. تخيّلوا لو رجعنا إلى المشهد الخيالي وفرضنا، على العكس، على الرأسمالي الثاني (بمدخول 38 مليون دينار) ضريبة على الدخل تصل إلى 14%، فأنه بذلك سيكون قد ساهم بما يقارب 5.3 مليون دينار لإيرادات القيمة المضافة. وإذا فرضنا على الرأسمالي الأول (صاحب 7 مليون ونصف دينار) ضريبة تصل إلى 10% فإنه سيكون قد ساهم بـ 750 ألف دينار لإيرادات القيمة المضافة. بينما العامل البحريني والأجنبي قد يدفعان ضريبة تصل إلى 1-2% فقط، ايّ 22 إلى 27 دينار سنوياً فقط (أو ما يقارب 2 دينار شهرياً فقط، مقارنة بـ 27 دينار شهرياً كما هو الحال الآن).

تعني الضريبة التصاعدية بأنه كلما ارتفع مدخول الفرد ارتفعت معه قيمة الضريبة التي عليه أن يسددها للدولة. أنا لا أغضّ النظر هنا عن الشرائح الأخرى من الطبقات الشعبية التي لها مدخول ميسور، لنقل 800 إلى 1000 دينار، ولا اتغاضى عن حقيقة أن هذه الشرائح أيضاً تعاني من القروض، والديون، والمصروفات الهائلة، إلخ. لنفترض بأن ضريبة الدخل المفروضة على هذه الشريحة هي 5%، سيعني ذلك بأن عليها أن تسدد ضريبة سنوية بمقدار 600 دينار (أو 50 دينار شهرياً)؛ وهذا لا يعدّ شيئاً يذكر أمام المدخول السنوي، إذ إنه بالإمكان تسديد هكذا مبلغ. دعنا لا ننسى بأنه على الرغم من أن هذه الشرائح ستدفع ضرائب أعلى بقليل، إلا إنها ستكون أمام سلع أرخص من قبل (حيث أن إلغاء القيمة المضافة سيعني إلغاء كل أشكال الضرائب غير المباشرة). كما الفائدة الاجتماعية وراء تطبيق الضرائب على المليونيريات سيرجع لمثل هذه الشرائح إذ إن المجتمع أصبح يغطي عجزه لنفسه. طبعاً هذا في الحالة المثالية التي تخلو مما نسمعه يومياً من “اختفاء” مفاجئ لأموال صناديق التأمينات الاجتماعية والتقارير المخيفة للرقابة المالية!

لماذا علينا معارضة الضريبة غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة؟ الضريبة غير المباشرة لا تبين للطبقات الشعبية كيف تُدفع الضريبة سوى بأنها مفروضة بشكل تجريدي؛ إذ أنها متضمنة في سعر السلعة كما هي معروضة في السوق. فالسلعة حين تنتج، ايّ قبل أن تدخل السوق، تختزن قيمة معينة لا تظهر إلا بشكل سعر- الإنتاج (وهذا السعر هو نتاج سعر- التكلفة زائداً المعدل العام للربح). بعدها يدخل في قيمة مثل سعر-الإنتاج جزءاً من سعر- التكلفة التجارية (البيع بالجملة، البيع بالتجزئة، ايّ أسعار التخزين والنقل؛ في حدود أن هذه “الخدمات” لا تعدّ ضمن عملية-الإنتاج). بعدها تخضع السلعة إلى تقلبات العرض والطلب في السوق، وهكذا يكتسب سعر الإنتاج شكله الملموس اليومي كقيمة – السوق وكسعر- السوق. لكن مع الضريبة غير المباشرة، نجد بأن المجموع الكلي للضريبة يتوزع في كل مرحلة من هذه المراحل (4).

حين يدفع المستهلك قيمة السلعة زائداً قيمة الضريبة المضافة، فإنه لا يسدد 5% المفروضة على السعر النهائي للسلعة وحسب، بل تلك المفروضة على كل مراحل الإنتاج والتدوير. زد إلى ذلك حقيقة أنه يسدد ايضاً هذا الهامش الذي يؤمن الرأسماليون لنفسهم إياه (وهو يتفاقم مع الضريبة). يسدد المستهلك قيمة التغيرات التي تفرضها تحدثها ضريبة القيمة المضافة في سعر- الإنتاج وسعر- السوق في مثل الوقت؛ دون أن يدري متى تؤثر الأولى على الثانية، والعكس بالعكس.

لهذا السبب على الطبقات الشعبية أن تتوحد في ندائها: “دعوا الأثرياء يسددوا الضريبة!”.

إن الضريبة المباشرة تعظم من قدرتها على التحكم بأوضاعها مقارنة بالضريبة غير المباشرة التي تساهم في تجهيل وتلغيز الأمور وتفقير الطبقات الشعبية (5). إن هذا المطلب يقوي من وحدتها الطبقية، رغم أنه – أي هذا المطلب – بحد ذاته ليس اشتراكياً، بل بورجوازي. لكن الفرق يكمن: يطالب به البورجوازيون الصغار في حدود أنهم يطالبون بتحقيق “التوزيع العادل للثروات” (عبارة ليست لها أي صلة بالمبادئ الاشتراكية العلمية)، أما إذا حمله الاشتراكيون فإنهم لا يفصلوه عن استنتاجاته النهائية إذ حتماً سيصلون إلى التجريد الكلي للرأسماليين من وسائل إنتاجهم. لا يستطيع أن يتقدم الاشتراكيون بهذا المطلب في برنامجهم دون ربطه بضرورة تقويض الرأسمالية. أما البورجوازيون فإنهم يقفون عنده في حدود “إصلاحيته”، ناقصاً كل استنتاجاته النهائية.

إذن، يحمل هذا المطلب المصغر الذي يعمل ضمن إطار بورجوازي المطلب النهائي الأعظم وهو: تشريك الوسائل الإنتاجية عبر تجريد الرأسماليين من الوسائل الإنتاجية.

لهذا السبب على الاشتراكيين أن يتبنوا هذا المطلب في دعوتهم الاشتراكية، ايّ نحو: “إلغاء كل شكل من الضرائب غير المباشرة على الشعب وتحميل الأثرياء العبء الضريبي، وذلك عبر تطبيق صارم لسياسة الضريبة التصاعدية على الدخل وإلغاء ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية.”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:

((1): مثلاً كتبتُ في مقالي (العمالة الوافدة في أزمة كورونا) بشكل نسقي جداً: “افترضُ بأن شكل إقتران عناصر نمط الإنتاج الرأسمالي في البلدان الكولونيالية … هو مميز نوعياً عن شكل إقتران نمط الإنتاج الرأسمالي في البلدان التي أصبحت امبريالية. إقتران مميز سمح لتسيد العلاقات الإنتاجية الرأسمالية فيها في حقبة مميزة جداً من الرأسمالية؛ مرحلة الصناعة التبعية، ولما كنت افرق، تبعاً لماركس، ما بين الافتراضات-المسبقة المنطقية [voraussetzung] والافتراضات-المسبقة التاريخية [historische Bedingungen]، فإنني بطبيعة الحالة لا افترض الظروف التاريخية العرضية في المفهوم المنطقي لمفهوم رأس المال الكولونيالي؛ أنه يتضمن هذه الظروف، أو الافتراضات، التاريخية كأمر واقع في مفهومه. على ذلك أفهمُ بأن رأس المال الكولونيالي يتميز مفهومياً بأنه يتضمن إتجاهين متعارضين ذا معدلين تراكمين… غير متكافئين: إتجاه كومبرادوري (وفي ذلك أعني رأس المال التبعي الذي تكون دورة إنتاجه، وبالتالي قيمته الزائدة، تابعة بشكل مذيل لرأس المال الامبريالي) وإتجاه محلي (وفي ذلك أعني رأس المال الذي تكون دورة إنتاجه، وبالتالي قيمته الزائدة، محلية). ولأن هذا التعارض الداخلي دائماً حاضراً، بمعزل عن الظروف التاريخية الملموسة، فإنني افترض بأن رأس المال الكولونيالي يتميز بالتوسع المحدود داخل بنيته الاجتماعية وخارجها (على العكس من توسع رأس المال الامبريالي غير المحدود)”.

عقيل، هشام. العمالة الوافدة في أزمة كورونا. المنبر التقدمي
: https://www.altaqadomi.org/?p=8837

(2): الثروة العالمية 2020: أصحاب الملايين يستحوذون على 68.8% من الثروة في البحرين في عام 2019. صحيفة الأيام
: https://www.alayam.com/online/Economy/865131/News.html

(3): بلا شك الأرقام ليست دقيقة بالمطلق بل تقريبية واستعراضية. الأرقام تقدّر بأن مجموع الثروات الخاصة في البحرين يبلغ 20 مليار دينار، وإذا جابهنا هذا الرقم بما يُمكن تقديره بشكل عام وتجريدي لمداخيل الشعب العامل (ايّ، إذا ضربنا الأجر السنوي العام للعامل الأجنبي بعدد العمال الأجانب، وضربنا الأجر السنوي العام للعامل البحريني بعدد العمال البحرينيين وجمعنا العددين معاً) بـ 2.7 مليار دينار. أنا متأكد بأنه ما إذا توفرت أرقام حقيقية ونزيهة لأوضاع الناس، سنجد بأن ما يتحكم به الشعب العامل فعلاً يقل عن 10%. لكن هذه الحدود التقريبية التي يُمكنني عرضها لأغراض استعراضية بحتة لا إمبريقية.

(4): مثلاً، جزءٌ منها يحسب على سعر- الإنتاج وجزءٌ آخر على سعر- الإنتاج زائداً السعر- التجاري. لنفترض بأن سعر- الإنتاج، ايّ قيمة السلعة مباشرة بعد إنتاجها في المصنع، يساوي 40 ديناراً. تباع هذه السلعة للموزع الذي في العادة سيسدد 40 ديناراً، ولكن مع تطبيق الضريبة سيكون عليه أن يسدد 5% إضافية، ايّ ما قيمته 42. هذه الأخيرة تكون سعر البيع. سيكون على الرأسمالي الصناعي أن يسلم الدينارين إلى الحكومة لتدخل ضمن إيرادات القيمة المضافة. الآن ليؤمن الموزع لنفسه هامش ربح لنقل إنه وضع هامشاً بنسبة 100%، ايّ سيكون سعر السلعة 80 ديناراً. هكذا، حين يبيع السلعة لبائع بالتجزئة سيضيف إليها القيمة المضافة، ايّ سيبيعها بمقدار 84 ديناراً. دعنا لا ننسى بأن الضريبة المفروضة على الموزع يمكن حسبها عبر خصم الضريبة التي دفعها حين اشترى السلعة من المصنع، ايّ دينارين، والضريبة التي سيتحصلها من بيعه مثل السلعة لبائع التجزئة، ايّ 4 دينانير. إذن، يكون نصيب الحكومة هو ديناران. أخيراً، تكون السلعة الآن في يد بائع التجزئة، وهو بدوره بحاجة ليؤمن لنفسه هامشاً للربح، ولنقل بإن هذا الهامش هو 50% من قيمة السلعة التي اشتراها، بالتالي سيكون سعر السلعة 120 ديناراً. ولكي يعرضها للسوق للمستهلك العادي سيضطر أن يبيعها بـ 126، ويسدد للحكومة دينارين. إذن، مجموع إيرادات الحكومة 6 دنانير من العملية كلها.

(5): كتب ماركس في (إرشادات لممثلي المجلس العام الانتقالي لجمعية العمال الأممية): “مهما أصلحنا الشكل الضريبي فإنه لن يحدث أي تغيير مهم في علاقة رأس المال بالعمل. لكن إن كنا مخيرين بين نظامين من الضريبة فنحن نقترح الإلغاء الكلي للضرائب غير المباشرة واستبدالها بالضرائب المباشرة. وذلك لأن الضرائب غير المباشرة تعظم من أسعار السلع؛ حيث سيضطر التجار أن يضيفوا الفائدة والربح على رأس المال بالإضافة إلى مقدار الضريبة غير المباشرة. كما أن الضرائب غير المباشرة تصبح مصدر تلغيز إذ إن الفرد يجهل ما يسدده بالضبط للدولة، بينما الضريبة المباشرة غير ملغزة، غير مبهمة، يُمكن للكل أن يفهمها بلا صعوبة. تساهم الضريبة المباشرة في تمكين الأفراد من التحكم بالسلطة بينما الضريبة غير المباشرة تدمر كل نزعة نحو الحكم-الذاتي.”
Marx, Karl. Instructions for the Delegates of the Provisional General Council. Marxists Internet Archive.

اقرأ المزيد

من دخل غرفتها فهو آمن

يصلني صوتها السبعيني الواهن عبر رسالة صوتية بالواتساب بين حين وآخر. تسألني عن حالي وحال أمي وعائلتي، وتخبرني عن حالها وحال أهل بيتها، وعمّن تزوج منهم ومن أنجب، وتختم رسالتها بالشكوى من كورونا الذي حرمنا اللقاءات والزيارات.
وعلى الرغم من أنها تحتفظ في هاتفها بأرقام هواتف معظم أفراد عائلتي إلا أنها لا تتواصل معهم كما تفعل معي! تساءلتُ بيني وبين نفسي عن السبب، واهتديتُ أخيرا إلى أنه: صورة البروفايل!
أمي أسما التي لا تجيد القراءة أو الكتابة تعرفني في قائمة جهة الاتصال من صورة بروفايلي التي أحرص أن تكون صورتي الشخصية، ولا أحد في عائلتي يضع صورته الشخصية عداي. تهتدي إليّ بسهولة وتفتح صفحة الدردشة بيننا وتكبس على تسجيل الرسالة الصوتية وتبعث بصوتها.
هذا الخاطر جعلني لا أغير صورتي الشخصية إلا بصورة شخصية أخرى. أخشى أن أفقد رسائلها الصوتية لو وضعتُ صورة قمر أو وردة.
أمي أسما هي جارتنا من الجهة الجنوبية، نشأنا أسرةً واحدة في بيتين. هكذا كنا نعتقد لفرط ما كنا نقتسم الحياة بيننا وبينهم. امرأة كبيرة أنجبت طوال حياتها ثلاث بنات وولدا وحيدا. ولكنها فقدت ولدها الوحيد (حمد) في حادث سير في عام 1991، وبعده بثلاث سنوات فقدت ابنتها بدرية وزوجها في حادث آخر، تاركة لها حفيدة لم تتجاوز شهورها الستة.
كابدت أمي أسما مرارات الفقد بالصبر وتلاوة القرآن. في نهارات رمضان كنا ندخل عليها غرفتها لنجدها تمسك بمصحفها على حاملِه، وصوت أبو بكر الشاطري يصدح من مُسجّل أسود كبير. تتتبعه بإصبعها حتى كدنا نصدّق أنها تجيد القراءة فعلا. سألتُ ابنتها مريم: هل تقرأ أمي أسما؟ قالت: لا، ولكنها تحب فعل ذلك.
كانت غرفة أمي أسما ملاذنا الآمن، وليس بيتها كله بالضرورة، فغرفتها كانت البيت بكامله لمركزيتها، وبابها المفتوح على الدوام، وفيها تستقبل زائراتها من النساء. في طفولتي كانت أكثر بقاع الأرض أمانا. نهرب إليها من عِصيّ أمي وأبي. تؤوينا خلفها وتدافع عنا بيدها ولسانها من دون أن تعرف الجرم الذي اقترفناه، ولكنها تتصرف بواجب الدفاع عمّن يلجأ إليها طالبا حمايتها. هكذا عرفنا أنّ كل العِصيّ تموت عند عتبة باب غرفتها، وترد على حامليها: (ما راضية عليك/ عليش تضربيها)، فتعود العصا كسيرة كأن لم تكن وحشا قبل قليل.
عندما تخرجتُ من الثانوية وقُبلت في الجامعة، ذهبتُ للسلام عليها قبل مغادرتي الأولى من البيت للإقامة في السكن الجامعي، فدسّت في يدي مبلغا من المال لم يسبق أن حصلتُ على مثله فيما مضى.
تقدّر أمي أسما المتفوقين، وتمنحهم اهتمامها وعنايتها، وتجود عليهم بما استطاعت. وقبل ما يزيد عن عقدين انتقلتْ مع أهل بيتها إلى داخل سمائل، وبقي بيتهم في الجهة الجنوبية من بيتنا شبه مهجور. تباعدت الزيارات بيننا، وقلّ التواصل، ولكن رسائلها الصوتية عادت مؤخرا لتعيد وصل زمان مضى. أعتذرُ منها في رسالتي الصوتية عن التقصير وقلة السؤال، فترد علي بصوت أتعبه الفقد: “مسموحة حبيبتي، أعرفكم مشغولين ما فاضيين. تراني عارفتنكم وعاذرتنكم”. فتزيدني من حيث لا تدري إحساسا بالذنب.
أُشفق على أمي أسما من حدّة ذاكرتها التي تحرص في كل مرة على إضافة تفاصيل جديد للأشياء والأسماء والمواقف، وكأنها تريد أن تثبت للحياة أنها لن تقدر على سلبها تفاصيل من أحبتهم وغادروها. ومن كرم تلك الذاكرة ترفُّعها عن العتب، فتخيط العذر لمن يستحقه ومن لا يستحقه بمقاس كرمها الواسع، وتسبغه على الجميع كما لو كان آخر ما باستطاعتها أن تمنحه للناس المنشغلين أبدا في شؤونهم.
يتعبها في زمن كورونا أنها ليست قادرة على زيارة الناس، ولكن ذلك لا يمنعها من التوصية بعدم الخروج إلا للضرورة. وعندما فاض بها الشوق إلى أمي، قدّرت أيهما أوهن صحة، وخمّن كرمها أن صحتها أفضل من صحة أمي، فقررت أن تأتي هي إليها: “أمش ما تروم توصل عندي صحتها ما سادتنها، أجيها أنا. حتى لو نجلس في الحوش كل وحدة في صوب. ما هاجِنّي عنها”.
ألحظ الآن أن رسائلها الصوتية لا تحمل إلا البشارات، أما أخبار المرض أو الموت فلا وجود لها. تزفّ لي بشارات المواليد والزواج، ولم يحدث أن أخبرتني عمّن مرض وعمّن تعثر. وإذا ما داهمها عارض يكفي أن ألحظ تأخر رسائلها؛ لأكتشف تاليا أنها كانت مريضة، أو أن أحدا من عائلتها ليس بخير، فأعرف أن قدري المستمر مع هذه المرأة أن أعالج على الدوام تقصيرا لا يُسد، وإحساسا بالذنب لا يزول. وتُجيد هي بنيَّتِها الصافية إلهابَه من حيث لا تدري إذ تردد: “عاذرتنش حبيبتي”.
أتخيّل أحيانا حزنها الشامخ وهي تُحكم لف “ليسو” صبرها عليه بإحكام حتى لا يتسرب إلى الآخرين. ولحسن الحظ لم أكن شاهدة على اللحظات الأولى لفقدها أبنائها واحدا تلو الآخر. ولسوئه أني شهدت لحظة وصلها نبأ وفاة أخيها قبلهم. كنتُ طفلة صغيرة تَعوَّدتْ أن تبدأ صباحها الباكر بالذهاب إلى بيت الجيران، وتصادفت لحظة دخولي إلى البيت مع لحظة تلقيها صدمتها تلك. رأيتها تبكي. وسمعتها تنشج. رأيتُ ذهولها عن كل أحد حولها بحزنها الداهم. عدتُ إلى البيت لأقول لأمي: “أمي أسما تصيح”. كنتُ غرابا ينقل الأخبار السيئة. لم أتعلّم من أمي أسما بعد أن الخبر السيئ يصل ولا يقال.
أفكر الآن: هل كانت أمي أسما قاسية في يوم؟ كانت قاسية في مبادئها التي لا تتنازل عنها، فهي ترفض بحدّة إذا رفضت، وتُقبل بسخاء إذا أقبلت. ثمة أشياء لا تقبل في عرفها القسمة على اثنين. ولا يضيرها إذا أوجعت أقرب الناس إليها في سبيل مبدأ لا تستطيع التغاضي عنه أو التساهل فيه، حتى وإن كان ما تراه مبدأً يراه الآخرون وجهة نظر.
مؤخرا، يخطر لي كثيرا أن أحفظ صوتها في قرص ممغنط، أن أنقله من صفحة الدردشة في الواتساب إلى حافظة أكثر أمانا. كمادة تُسمع في الطريق إلى العمل فتفرشه دعواتها بالتوفيق والتيسير. في إحدى رسائلها بعثت تقول ردا على رسالتي: “صوتش جميل ماه”، فأحببتُ صوتي. هل كانت أول من قال صوتي جميل؟ ولكني أصدّق أمي أسما. أصدّقها مذ كنت طفلة أندسّ بجوار أمي في زياراتهما المتبادلة، وأعرف لا شعوريا أن ما تقوله لا يمكن إلا أن يكون حقا.
أحمدُ للواتساب أنه استطاع بهذه الخاصية أن يضمن تواصل أمي أسما وغيرها من كبار السن، من دون أن تعيقهم عدم قدرتهم على القراءة والكتابة من أن يرسلوا أصواتهم هدايا وصال في زمن يضاعف المسافات بين البشر.

اقرأ المزيد

نجاة المتروك القارئة النهمة التي هزمت المرض بالقراءة

تقول: “في مارس 2014 كنت أرقد في مستشفى السلمانية إثر نوبة “سكلر” حادة ألمت بي. صادف ان قرأت عبارة تحدي الألم بالقراءة، وكان التحدي قراءة مئة كتاب كل عام.
الهمتني تلك العبارة للكاتب السعودي مروان بخيت، قررت حينها أن خوض ذلك التحدي، بدأت اقرأ، وأقرأ وأقرأ، واستطعت حينها بنهاية ذلك العام أن أنتهي من قراءة 72 كتاباً، حتى وإن لم أكمل المئة كتاب، لكني كنت حينها راضية عن نفسي، خاصة أنني لم أبدأ القراءة منذ بداية العام.
إن ما حدث كان مفاجأة بالنسبة لي، تباعدت نوبات الألم إلى حدٍ كبير وخفّت كثيراً، لدرجة أنني نسيت معها انني مصابة بالسكلر (فقر الدم المنجلي)”.
إنها القارئة النهمة نجاة المتروك التي تعرّفت عليها قريباً جداً، عبر حسابها في الإنستغرام، حساب جميل وأنيق يهتم بعرض الكتب، وكتابة ملخصات عنها. تحتفظ نجاة بمكتبتين في بيتها، واحدة كبيرة وأخرى صغيرة حصلت عليها كهدية من أمها في عيد ميلادها.
نجاة لا تعير كتبها لأحد. كل أصدقائها ومعرفها يعرفون ذلك.. نجاة تقرأ كل الوقت، لا وقت محدد عندها، بل تقرأ أغلب الوقت.
سألتها: وإذا كنت تلتهمين الكتب التهاما، فهل تكتبين؟
جاء جوابها صادماً لي: “لا أكتب. كنت أتوقع أن كل من يقرأ كثيراً يكتب أو متعلق بالكتابة، بشكل أو بآخر”. “ليس بالضرورة أن يكون القارئ كاتباً” -أردفت. “لكني أكتب عرض وملخصات للكتب التي أقرأها وأنزلها في حسابي في الإنستغرام.” وسألتها سؤال يؤرقني: كيف تجدين كل هذا الوقت لقراءة كلّ هذا الكم الهائل من الكتب؟
أجابت: “أنا غير مرتبطة بعمل رسمي، وأيضاً ليس لدي مسؤوليات في المنزل، غير مطلوب مني ان انجز أي أعمال، ولكني أساعد أمي قليلاً بين حين وآخر”.
وأين تجدين كل تلك العناوين؟
“بعض العناوين احصل عليها من الأصدقاء، سواء من البحرين أو من خارج البحرين، ومن المكتبات، أنتقي الكتب التي أود قراءتها بعناية وأغلب قراءاتي هي روايات”.
نجاة التي تمكنت من تحويل نقاط ضعفها إلى نقاط قوة. تحدّت الألم ولم تستلم، تقول: “هل أستطيع فعل شيء. نعم نستطيع فعل الكثير إذا ما استطعنا فهم نقاط قوتنا وضعفنا وبحثنا عن الفرص الكامنة في ثنايا المشكلة أياً كان نوعها”.

اقرأ المزيد

بيت حصّة

في الستينات من القرن الماضي، كنت أتردد وبكثرة، خاصة في الشتاء وأيام المطر، على بيت عمتي مريم، الكائن في منطقة النعيم الغربي، حينها كنت صبياً، وكنت أحب عمتي جداً، كان بيتهم المقام من السعف يقع في آخر منطقة النعيم الغربي، وأذكر أنه لم تكن توجد سوى ثلاثة بيوت متقاربة، وكلها من السعف، أحد البيوت بيت (ابو شجُور) وكان مقابل بيت عمتي مسجد من الحجارة ملاصق إلى بيت كبير لفرد من عائلة ذات نفوذ، كانت بوابته كبيرة تدخل فيها سيارة أحد أصحاب البيت، ويبعد عن بيت عمتي أمتار، ولا يوجد بيت امامه او إلى جانبه، بالقرب من البحر المحاط برمل ناعم يمتد إلى بيت عمتي,
البيت المذكور مبنى على طريقة كلاسيكية، مستطيل، ويقع مكانه الآن مغسلة برايت ومحطة البترول وأسواق الأسرة، على طوله نوافذ طويلة من الأعلى حتى الأسفل، في الأعلى مقنطرة (ARCH) وحواجز مكسوة بالزجاج البلوري الملون، يعطي جمالاً كلما سطعت الشمس عليه مرسلاً ألواناً على السجاد الإيراني الفاخر المتلاصق، وفي الفناء الكبير اثنتان من النسوة الافريقيات يُحضرّن الطاولات وقت الاحتفالات النادرة جداً، حيث ان حصة، صاحبة المنزل، التي كانت في العشرينات من عمرها، تعيش مع جدتها التي لا تطيق تواجد غرباء في المنزل.
عرفنا حصة لتواضعها وعلاقتها مع عمتي حيث كانت دائمة التواصل معها وصارت تعرفنا، وكثيراً ما تزور عمتي التي هي بدورها تحبها وتحب الجلوس في العريش وتستأنس حينما يسقط المطر ويخترق السعف، كنا نستأنس لمجيئها، ونلتف حولها لجمال ملابسها ورائحة عطرها وعمتي تنهرنا وتقول لنا (اتباعدوا ولا تلعوزون الشيخة)، وترد حصة (خليهم شحلايلاتهم)، وكثيراً ما تصطحبنا إلى بيتهم وأحياناً تنادينا من بعيد من أمام منزلها، حيث تجلس على (دكة) الباب وأمامها كلابها الكبيرة، تقوم بإطعامها اللحم، لكننا نخاف من الكلاب لأنها تنبح إذا أردنا أن نقترب، وتقوم حصة بإسكاتهم، وتدخلنا إلى المجلس وقبل أن ندخل تدعنا نغسل أرجلنا المتسخة حيث كلنا حفاة لا نلبس نعلاً.
وكثيراً ما تنهرها جدتها، وتقول لها بصوت عالٍ: (لا تدخلي هؤلاء وارجلهم قذرة إلى الميلس)، وترد عليها حصة، لا…أنهم يغسلون أرجلهم في الحوض. تدخلنا إلى المجلس وتقول لنا…(اليوم ياييه..فوان يديد…آنه بشغله وانتو صفقوا)، وفي كل مرة تأتي بنا نفرح كثيراً، أحياناً تنادينا لتعطينا أكلاً، لكن نفرح إذا تنادينا إلى الغناء، تأتي الينا بالحلويات والمكسرات، فقط لكي نصفق.
كانت حصة طيبة جداً ومتواضعة رغم أنها لا تعرف إلا عمتي، لكن صدى سخاءها في كل المنطقة، وتحافظ على الزيارات في المناسبات، وتتكل على عمتي في زيارة البيوت البعيدة عن بيت عمتي. وفي رمضان كانت تأتي بالأطباق بنفسها، تأتي بصحن كبير من الثريد وقت الفطور، ولأن عمتي تقوم بتربية الأبقار، تبادلها بالحليب واللبن والسمن وال(البة).
كانت علاقات جميلة، كانت المنطقة لا تعيش التناقض الذي تعيشه اليوم، حيث هذا الصخب، وهذه الضجة.
كنت أتحين الجمعة لزيارة بيت عمتي، حيث أستأنس للعمل معها في زريبة البقر، كانت تطعم البقر من النواة المطهي التي تخلطه (بالشوار)، أتذكر رائحته، كانت تربى الدجاج والأغنام، حينها من يمتلك هذا الرصيد من الحيوانات الداجنة، لا يحتاج إلى شراء أي شيء من خارج البيت.
كانت الأبقار تتغذى في قطعة كبيرة من جذع النخلة مجوفة تسمى ال (قرو)، أتذكر بعد طبخ الطعام تسكبه فيه.
كان زوجها إبراهيم الناري يصنع (القرو)، وهو الجذع المجوف الذي تأكل الأبقار فيه طعامها. وإبراهيم بائع الكاز (كيروسين) مات في حادث هو وحماره، كان يشتري أكياس النواة والشوار للبقر، وهذا الذي جعل عمتي تحزن حزناً شديداً لفراقها الزوج الطيب الحبيب، والعصب الاقتصادي للبيت، وقد افتقده حتى أبناء المنطقة، حيث يقوم بالتجوال لبيع الكاز (الكيروسين)، يغني (كاز…كاز…كاز، ويش حالته راعي الكاز…شقق خلاقينه راعي الكاز) حتى تأتي إليه النساء حاملات القوارير لشراء الكاز.

اقرأ المزيد

إرهاب صهيوني ومقاومة مشروعة

في متناولنا لمفهومي المقاومة والإرهاب، لابد وأن نتوقف أمام حالة الالتباس والغموض التي فرضت نفسها على هذين المفهومين، حيث نلاحظ كيف تتعمد الآوساط السياسية والثقافية الأمريكية والرأسمالية الغريبة عموماً و”إسرائيل” على وجه الخصوص، بأن تجعل مقاومة الشعوب المستعمرة والمضطهدة ارهاباً، ومن ارهاب النظام الراسمالي وحليفه الصهيوني عملاً مشروعاً، وبالتالي فإن هذا الالتباس أو الغموض ليس في حقيقته إلا محاولة لطمس الحقيقة الموضوعية التي تفصل بصورة لا لبس فيها بين المقاومة المشروعة من ناحية وبين الإرهاب الامبريالي والصهيوني من ناحية ثانية، وهي منهجية مرتبطة باختلال التوازن بين حركات التحرر العالمية والبلدان الفقيرة من جهة، ونظام العولمة الرأسمالية وحليفه الصهيوني من جهة ثانية.
يذكر الباحث الفلسطيني غازي الصوراني أن أي باحث موضوعي أو محايد، في تناوله لمفهومي المقاومة والإرهاب وتطبيقهما على الحالة الفلسطينية، سيجد نفسه – لا محالة – مضطراً للفصل بين المفهومين بحيث تتبدى بوضوح الممارسات العدوانية الهمجية الإسرائيلية كتجسيد لمفهوم الإرهاب الذي مورس على الشعب الفلسطيني وادى إلى اقتلاعه من أرض وطنه، واستمرار حرمانه من السلام العادل الذي يحقق أهدافه الوطنية في العودة وتقرير المصير والدولة وفق قرارات الشرعية الدولية، التي يناضل من أجل تنفيذها مستخدماً في ذلك كل أشكال النضال السياسي والمسلح التي لايمكن تفسيرها إلا شكلاً من المقاومة المشروعة التي اقرّتها المواثيق الدولية، وهي مقاومة ترتكز بصورة أساسية إلى إرادة هذا الشعب أكبر بما لا يقاس من ارتكازها إلى معدات القتال التي لا يملك منها شيئاً بالقياس إلى الآلة العسكرية الضخمة التي يمتلكها العدو الإسرائيلي بدعم لا محدود من الولايات المتحدة.
إن الفلسطيني وهو يقاوم يسعى إلى الحرية والانعتاق لكي ينال المواطنة على أرضه ودولته، وتنتهي إلى الأبد صفة الضحية التي لازمته حتى اللحظة بسبب المغتصب والقاتل الصهيوني الذي يحاول القضاء على كل آماله في الحرية والحياة….فمن هو الارهابي إذن؟ أهو الذي يناضل من اجل حريته واستقلاله وحياته الكريمة الآمنة؟ أم ذلك العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين بدواعي المصالح الرأسمالية العالمية دون أي مسوغ أو حق تاريخي فيها على الإطلاق، ويمعن في تكريس هذا الاغتصاب برفضه القبول بقرارات الشرعية الدولية، رغم أن الضحية قد اكرهت على قبول تلك القرارات في ظل متغيرات وأوضاع دولية وعربية، عززت النزعة التوسعية الصهيونية، وأدت إلى هذا الاختلال العميق في ميزان القوى لصالح الكيان الإسرائيلي الذي استمر في ضمّ الأراضي الفلسطينية وتجزئتها وتحويلها إلى كانتونات تحاصر الشعب الفلسطيني من كل جانب رافضاً قرارت الجمعية العامة ومجلس الأمن وقرار محكمة لاهاي بخصوص الجدار التوسعي، من أجل تحقيق هدفه في إذلال الشعب الفلسطيني وفرض الاستسلام عليه عبر ممارسة كل أصناف الإرهاب…الأمر الذي فرض على هذا الشعب أن يتصدى لهذا الإرهاب بكل أشكال المقاومة كحق وواجب وطني أقرّته المواثيق الدولية، ما يجعل من المقاومة الفلسطينية من أجل الحرية والعودة هي النقيض الحقيقي للإرهاب الصهيوني.
إن الحل العادل للقضية الفلسطينية لابد أن ينبع من ضمير البشرية المتحضرة، وأن يستنتد إلى قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية، وأن يتمشى مع القرارات التي لا حصر لها والتي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة في هذا الشأن.
ومحور هذا الحل لابد أن يقوم على احترام حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني وفي إقامة دولته المستقلة، وحق العرب الفلسطينين الذين طردوا من بلادهم في العودة إليها، وحق جميع البشر على أارض فلسطين بكل اجزائها، في الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
إن الأطماع الاستعمارية والتوسعية والعنصرية للصهيونية الدولية وللقوى الحاكمة في إسرائيل، وما تلقاه هذه الدول من دعم سياسي واقتصادي وعسكري مستمر ومتزايد من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك ضعف وتفكك العالم العربي وخضوع العديد من نظمة للنفوذ الأمريكي وافتقاره إلى الحد الأدنى الضروري من التضامن وفشل المنظمات الدولية المعنية حتى الآن في الزام المعتدين الاسرائيلين باحترام القوانين والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة المتلاحقة في شأن القضية الفلسطسينية، كل ذلك قد حال دون التوصل إلى حلٍ حقيقي لتلك القضية.

اقرأ المزيد

نعم.. فلسطين قضيتي

إننا للمرة الألف نقول :
لا وحقّ الضوء ..
من هذا التراب الحُرِّ
لن نفقد ذرّه !!
إننا لن ننحني ..
للنار والفولاذ يوماً ..
قيد شعرَه !!

توفيق زياد

ستظل القضية الفلسطينية محفورة ليس في الذاكرة فقط، بل إنها محفورة في قلوبنا ووجداننا منذ نعومة أظافرنا، ونحن أطفال في المدارس عرفنا فلسطين بأنها بلد عربي محتل، شُرِّدَ شعبها في أصقاع الأرض الواسعة بعد ما مارست العصابات الصهيونية القتل والإرهاب وكافة أشكال العنف منذ عام 1948 بحق الشعب الفلسطيني، وفي البحرين نعتز بأننا تعلمنا على أيدي مدرسين فلسطينيين في مختلفة المراحل التعليمية، لهذا ستبقى القضية الفلسطينية حيّة في قلوبنا طالما بقي الاحتلال جاثماً على صدور الشعب الفلسطيني الشقيق ومحتلاً أرضه.

هذا الكلام ليس عاطفياً أو إنشائياً، وإنما هو خارج من القلب، مهما تكالبت على قضية فلسطين المؤامرات والدسائس من قبل بعض العرب، الذين أصبح العدو الصهيوني صديقاً لهم، لكي ترضى عنهم الإمبريالية الأمريكية، ولكن الشعوب العربية ترفض سياسة التطبيع معه مهما كانت الظروف، وخير مثالٍ على ذلك موقف الشعبين المصري والأردني بعد مضي أكثر من اثنين وأربعين عاماً على توقيع ما تعرف ب “معاهدات السلام” مع العدو الصهيوني، حيث يرفضان كافة أشكال التطبيع مع الصهاينة القتلة، وهذا ما أكدّت عليه قبل أشهر سفيرة الكيان الصهيوني في مصر، عندما صرَّحت للصحافة بأنها غير مرحب بها على الصعيد الشعبي ولا توجه لها دعوات في العديد من الفعاليات الرسمية وغيرها، مما يؤكد بأن الشعوب العربية ليست مع التطبيع مع العدو الصهيوني، حتى لو طبّعت معه الحكومات.

فالقضية الفلسطينية اليوم ليست قضية عربية أو إسلامية، وإنما هي قضية إنسانية وأممية، لهذا يتضامن معها كل أحرار العالم ويدينون إرهاب وعدوان الكيان الصهيوني، بالرغم من محاولات الماكنة الإعلامية الصهيونية العالمية منع نشر مايجري في الأراضي الفلسطينية من عدوان وحشي وقتل الإنسان وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة، وتمنع بعض التغطيات من عرضها في بعض وسائل “السوشيال ميديا”، مثل الفيسبوك وانستغرام، لكن هناك العديد من التطبيقات والبرامج التي تعري أكذوبة النظام الصهيوني ب “الدفاع عن النفس” وهو الذي يمارس سياسة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

الاحتلال الصهيوني هو أقدم احتلال استعماري في العصر الحديث، قائم على الفصل العنصري، فهو لا يختلف عن النظام البائد في جنوب افريقيا الذي سقط في عام 1991، نظام يحكم باسم الديانة اليهودية التي حوّلها إلى قومية، فيما المعروف أن الدين ليس قومية مثلما يدعي الصهاينة، الذين يدّعون بأنهم شعب الله المختار، وأن أي نقد يوجه لهم هو معاداة للسامية، مبتزين العالم خاصة في بعض البلدان الأوروبية كألمانيا، التي لازالت تدفع مليارات الدولارات سنوياً للكيان الصهيوني تعويضاً عن ما اقترفه هتلر إبَّان الحرب العالمية الثانية باليهود فيما يُعرف “الهولوكوست”، في الوقت الذي اقترف الكيان الصهيوني وعصاباته مجازرَ وجرائمَ بحق الشعب الفلسطيني منذ قيام الكيان الصهيوني في 15 مايو 1948 حتى هذه اللحظة لا تقلّ في بشاعتها ووحشيتها عما فعل هتلر في “الهولوكوست”، ولا يلتزم هذا النظام العنصري بأي قرار دولي يلزمه بتنفيذه منذ قيامه حيث يسنده في ذلك الإمبريالية الامريكية التي بدون دعمها لن تقوم له قائمة .

منذ أن بدأت احتجاجات الفلسطينيين في حي الشيخ جرَّاح في القدس الشرقية المحتلة في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، ضد إخلاء بيوتهم لصالح المستوطنين الصهاينة، فهدف الكيان الصهيوني بناء 200 وحدة سكنية لإسكان مستوطنين يهود وسط هذا الحي العربي، ما تسبب في وقوع صدامات بين الشباب والأهالي الفلسطينيين في الحي والمستوطنين المدعومين بقوات الاحتلال الصهيوني، وتضامن معهم الأهالي في مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وأبناء الشعب الفلسطيني في أراضي عام 1948، فشُكلت وحدة وطنية فلسطينية في الهدف للتصدي للعدوان الصهيوني، تجسدت في كل أرض فلسطين التاريخية، وتسارعت الأحداث بعد أن حاولت قوات الاحتلال الصهيوني فكّ الاعتصام في حي الشيخ جرَّاح وباب العمود في القدس الشرقية والاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى ومحاولة اقتحامه أكثر من مرة.

بعد تلك الاعتداءات الوحشية من قبل قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين الصهاينة، حذرت المقاومة الفلسطينية في غزة بأنها سوف تقصف تل أبيب والمدن والمستوطنات الصهيونية، ثم أطلقت آلاف الصواريخ من القطاع باتجاه دولة الاحتلال، التي ردت بشكل همجي على الأبرياء من المدنيين حيث كان أكثر الضحايا الشهداء من النساء والأطفال والشيوخ وآلاف المصابين والجرحى، ولم تسلم الأبراج والمباني ومقرات الأمن والشرطة من القصف، في تحدٍّ سافر لكل الاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت في العديد من المدن العربية والعالم منددة بتلك الاعتداءات الوحشية .

نعتقد بأن معادلة الصراع سوف تتغير لامتلاك المقاومة الفلسطينية آلاف من الصواريخ التي يعجز الكيان الصهيوني من التصدي لها وهي تخترق أجواء الكيان وتدك مدنه والمستوطنات ولم يستطع إيقافها ب “القبة الحديدية”، وبوحدة الشعب الفلسطيني وصموده ودعم الأشقاء العرب له وأحرار العالم، نصرة لنضال الشعب الفلسطيني الشقيق من أجل إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، وحق عودة اللاجئين وغيرها من حقوق الفلسطينيين المشروعة.

إن مطلب الشعوب العربية، بما فيها شعبنا البحريني هو وقف كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وطرد سفراء الكيان الصهيوني من عواصم البلدان العربية المطبعة، ففي التطبيع خروج على قرارات كل القمم العربية الماضية، ومساعدة مجانية للكيان الصهيوني وتشجعه على التمادي في عدوانه على الشعب الفلسطيني، كما يتوجب على السلطة الفلسطينية إلغاء إتفاقية أوسلو ووقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، فالوحدة الوطنية والمقاومة أصبحتا اليوم خياراً واضحاً لكل أحزاب وفصائل الشعب الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب والقتل الصهيونية .

اقرأ المزيد

صورة الخليجي المقلوبة

إنّ الصورة المترسخة في ذهنية الأكثرية من الاخوة العرب للانسان الخليجيّ هو ذاك الانسان “البالغ الثراء والجهل” ولسنا بحاجة الى كبير عناء لادراك الصورة بحذافيرها فيمكن لمسها بوضوح لمن تشاء ظروفه التواجد في احدى البلدان العربية.

السؤال لماذا هذا الربط التعسفي بين الانسان الخليجيّ وبين الثراء النفطي كما لو كان لعنة لا يراد الفكاك منها؟ “. انّه من لوثه النفط وهو من خلعت عليه الصحراء ثوبها الغباري بحسب اديب عروبيّ وهو من يختزن النفط في خصيتيه” طبقا لشاعر عربيّ معروف.. وهو من نسجت عقله الخرافة والقابع في عصور الظلمات. الي غيرها من مفردات الهجاء إلى الحدّ الذي صورته بكائن متخلف يعيش خارج العصر. المأساة انّ كل هذه الأوصاف تطلق بصيغة تعميمية ولا توفر أحداً.

واستذكر هنا انّ باحثا خليجيّا مرموقا هو الدكتور محمد الرميحي كان اصدر قبل عقود كتابا في غاية الاهمية حمل عنوانا لافتاً: “الخليج ليس نفطاً” حاول من خلاله تقديم صورة مغايرة لانسان الخليج بخلاف ما استقرت عليه في المخيلة العربية. عنوان الكتاب صار علامة فارقة توحي بفكّ الترابط الذي بدا وكأنّه أبدي بين الثروة النفطية والشعب العربيّ في الخليج. وهو من جهة اخرى يمثل صرخة احتجاج على التجاهل الطويل للعربيّ في الخليج انسانا وانجازات .

كان يفترض التعامل ازاء الظاهرة النفطية بكونها ظاهرة عابرة كما هو الحال بالنسبة للأمم الأخرى كبريطانيا مع ثروة الفحم” والبقاء دوما هو للجغارفيا والتاريخ والانسان “القراءة الموضوعية المنصفة للإنسان الخليجيّ هي مناقضة تماما لتلك المتكونة لدى الآخرين، ومن بينهم لبالغ الاسف ينتمون للامة العربية. والاّ من بوسعه ان يتجاهل الدور المهم الذي تمثله كفاءات وطاقات خليجية رسخت وجودها علي المستوى العربيّ وحتى العالميّ .

من المسؤول عن تكريس هذه الصورة الشوهاء التي لا تبرح المخيلة العروبية والتي تشوبها نزعة احقاد دفينة في اغلب الاحيان . الكثيرون من ابناء الخليج يفيضون نبلا وشهامة وانسانية ولا ادّل على هذا انه في الاوقات العصيبة والمنعطفات الصعبة كان ابن الخليج داعما ومساندا ومؤازرا لاشقائه العرب . ونستحضر هنا اشادة الزعيم جمال عبد الناصر بمواقف شعب البحرين ابّان ازمة السويس.

لا شك انّ الاعلام بشقيه السمعي والمقروء والقنوات الفضائية جميعها أسهمت بنصيب كبير في قلب الصورة واشاعة الاكاذيب لدى الآخرين وبينهم للاسف اخوة اشقاء . اضافة الى من استهوتهم وانطلت عليهم ما عرف ب “نظرية المركز والاطراف”، وبمرور الزمن ترسخ لديهم أنهم يشكلون المركز والاقطاب لاي حركة ابداعية اما الآخرون فهم متطفلون مهما كانت منجزاتهم الفكرية والادبية .

لكن من يتأمل المنجز العلمي والثقافي للانسان الخليجيّ في السنوات الفائتة تحديدا سيدهش بما تحقق من مستوى ابداعي، لكن المؤسف انه رغم هذا فانه يبقى محكوما بالنظرة ذاتها. وكما اشار الرميحي “ان مجتمات الخليج خاضعة لقانون اجتماعي في القيم والمفاهيم لا تتناسب سرعتها مع التغيرات في الواقع الاقتصادي

اقرأ المزيد