المنشور

أزمة البحرين سياسية .. الحل سياسي

قراءة في المشهد السياسي  في بلادنا، حيث  الوضع السياسي  الحالي أصبح أكثر تعقيداً  بسبب الحالة الأمنية السائدة والتي تؤدي  إلى حالة( مايعرف بالرقيب الداخلي ) حيث الجمود  والتوجس والحذر في أوساط الناشطين في العمل الحزبي والسياسي المنظم ( الجمعيات السياسية ) والغير منظم  ( الشخصيات الوطنية والسياسية المستقلة ) ، وأيضاً العاملين في مجال حقوق الإنسان، أضف لذلك منظمات المجتمع المدني بمختلف تنوعاتها واهتماماتها، لم تعد تقوم بتلك الأنشطة والفعاليات التي كانت في بدآيات الانفراج السياسي في فبراير من عام 2001 ، حيث كان هناك زخماً وحراكاً سياسياًومدنياً كبيراً ، لم تشهده البحرين من قبل ، وبالأخص بالنسبه للقوى السياسية التي كانت تنشط في ظروف بيئة  العمل السري  لتجد نفسها في وضع آخر غير معتادة عليه ولا تمتلك الخبرة والتجربة في هذا المسار الجديد ، كان بمثابة  تعبير عن المكامن الداخلية المكبوتة على مدار ربع قرن وهي  المتعشطة لأجواء الحرية والتعبير والديمقراطية لكي ينطلق المارد الخارج من عتمة الظلام  إلى فضاءٍ  من  الحرية  والديمقراطية المنشودة ولكي ينشط في المجالات المختلفة ، بعد أن كانت تعيش البلاد  الحقبة السوداء  لقانون أمن الدولة ، جاءت مرحلة ميثاق العمل الوطني  لتخرجنا  من حالة أمنية خانقة تم فيها تكميم أفواه المعارضين والقوى المدنية والشعبية الناشطة في فترة قانون أمن الدولة، إلى حقبة مغايرة تتسم بروح التسامح والتعاطي الإيجابي تجاه الآخر ( المعارضة )  والانفتاح السياسي والديمقراطية الناشئة حيث العمل السياسي العلني وتشكيل الجمعيات السياسية والعديد من منظمات وجمعيات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وفي مرحلة لاحقة تشكيل النقابات العمالية والعطلة الرسمية لعيد العمال العالمي  الأول من أيار( مايو )، بدأت الإشكالية الدستورية  بعد صدور دستور 2002 حيث تباينت الآراء والمواقف حوله ، أهمها حول صلاحيات مجلس  النواب والذي يشاركه في التشريع والرقابة( مجلس الشورى )، بالرغم من مشاركة بعض من أطراف المعارضة في السنوات اللاحقة في انتخابات 2006 و2010، بعد أن قاطعت انتخابات عام 2002 ، لم يتغير شيئاً من صلاحيات مجلس النواب.

 الأسوأ من هذا صدرت العديد من القوانين والمراسيم التي تعيق التحول الديمقراطي في البلاد في ظل وجود  أحد تيارات المعارضة في مجلس النواب،  لم يقدر لمشروع الإصلاح وتحديداً ميثاق العمل الوطني والتي بمثابة وثيقة سياسية تم التصويت عليها بإجماع شعبي بأن تنفذ بالشكل الذي يؤدي إلى تطوير تجربة الانفتاح والإصلاح السياسي باتجاه تحولات ديمقراطية حقيقية تعطي صلاحيات أوسع لمجلس النواب وتتسع هوامش الديمقراطية والحريات العامة وتحترم حقوق الإنسان وتتوقف سياسات التمييز والتجنيس في البلاد، بدلاً من أن يحدث هذا ، جاءت أحداث فبراير/ مارس 2011 والتي لازالت  تداعياتها مستمرة في كل  مناحي الحياة في بلادنا، وأكثرها وجعاً وألماً  الانقسام المجتمعي الواضح، ولن يتعافى لسنين قادمة، تلك الأحداث كانت بالنسبة للبعض حبل النجاة والحياة انبعثت من جديد لهم بعد أن  وقفوا ضد الإصلاح والتغيير في بداية 2001 ، إضافة للقوى( أصحاب المصالح والطائفيين) والتحقت بهم شرائح جديدة بعد أحداث 2011 ، لتشكل تحالف جديد رافضاً التحول الديمقراطي ومؤيداً للإجراءات التعسفية التي قامت بها أجهزة عديدة في الدولة ضد فئات واسعة من المواطنين، ولازالت تلك القوى المأزومة ترقص طرباً وفرحاً على جراح  شركاءٍ لهم في الوطن، ولا تريد أي حوار أو مصالحة وطنية تخرج البلاد من أزمتها السياسية المستمرة منذ خمس سنوات ونيف ، خشيةً وخوفاً  من فقدان المكاسب والمزايا التي حصلت عليها بسبب تلك الأحداث الموجعة.

كما  يتطلب من القوى السياسية وتحديداً المعارضة التي لم تجرِ تقييم أو مراجعة طوال السنوات الخمس والنيف الماضية كلاً على حدٍ أو بشكلٍ مشترك، بأن تتوقف قليلا ًلكي تناقش وبهدوءأين أصابت  وأين  أخفقت ، لكي تستطيع الانطلاق من جديد وبشكل أفضل من الماضي، ربما يقول قائل، لقد فات الأوان لم يعد مقبولًا( التقييم أو المراجعة ) لا من السلطة ولا من اتباع المعارضة، ونشأت أوضاع جديدة واستثنائية في الأشهر الثلاثة الماضية ويجب التفكير في كيفية التعاطي معها ، نعتقد لازال بالإمكان معالجة السلبيات والأخطاء من قوى المعارضة و بروح نقدية واثقة من اجتياز هذا الوضع القائم للولوج نحو المستقبل.

نتساءل: هل الأوضاع ستبقى لفترة غير معروف مداها الزمني  بدون حل سياسي يخرج البلاد من أزمتها نحو آفاق مستقبلية أكثر إشراقاً وانفتاحاً على الآخر ، وأن الوضع الحالي مستقرٌ ومريحٌ للدولة وأن خيارها الأمني  هو  الأهم  من الخيار السياسي في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة في البلاد ، نعتقد بإمكان الدولة الخروج من هذة الأزمة بإعادة الروح من جديد لميثاق العمل الوطني وتفعيل مواده من جديد لكي يمضي الإصلاح السياسي والتغيير  بدفعة قوية نحو بناء الدولة الديمقراطية على شاكلة الممالك الدستورية العريقة وفق ما جاء في ديباجة ميثاق العمل الوطني.