المنشور

بناء التيار الوطني الديمقراطي مهمة اليوم والغد

مثَّل التيار الوطني الديمقراطي في البحرين بإرثه النضالي والفكري والمجتمعي تجربة ثرية، استلهمت الأفكار والتجارب الإنسانية في سبيل بناء مجتمع تعددي منفتح على مختلف الثقافات والتراث الإنساني، وانطلق هذا التيار  في نضالاته وأدوار مكوناته المختلفة من مفاهيم وقيم العدالة الاجتماعية والمساواة وبناء دولة المؤسسات والقانون العصرية التي يحميها دستور ديمقراطي وتتعزز فيها الشراكة الحقيقية في صوغ القرار الوطني وتقاسم الثروات، وقدم في سبيل ذلك تضحيات جسيمة.

وكانت تنظيمات الحركة الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات العمالية والجمعيات المهنية، وطيف واسع من الشخصيات الوطنية  المستقلة في القلب من الحراك الشعبي والوطني على مدار عقود، والى هذا التحرك يعود فضل كبير في تشكل صورة البحرين الحديثة، المنفتحة على  كافة المكونات والشرائح  والانتماءات الوطنية والتي يتطلع أبناؤها وبناتها ويعملون في سبيل نُصرة قيم العدالة والمساواة ومحاربة الظلم والاستبداد والتخلف والرجعية وإعلاء قيم التسامح  ورفض  الطائفية بكل أشكالها، ومكافحة الفساد وحماية الأموال  والممتلكات العامة ومقدرات الوطن، وصيانة حق الأجيال المتعاقبة في حياة حرة وكريمة.

وأولى هذا التيارأهمية كبرى لقضية  إنصاف المرأة وتعزيز دورها في بناء المجتمع، وترسيخ قيم المواطنة بعيدا عن أي غبن اجتماعي أو سياسي، ونشر التنوير الفكري والثقافي ضمن أفق إنساني رحب انعكس تلقائيا على  مختلف مناحي الحياة  وانماط السلوك.

وظلَّ التيار الوطني أمينا لمبادئه وقيمه تلك في أعتى ظروف القهر الاجتماعي والسياسي خلال عقود  طويلة، منذ سنوات  النضال ضد الاستعمار والقمع السياسي  ومصادرة الحريات والكرامة الإنسانية، واستمر في التمسك بهذه المطالب في الظروف المستجدة، حيث طالب وعمل من أجل تحقيق إصلاحات سياسية ودستورية وتشريعية عميقة.

وكانت من أولويات هذا التياربناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية، تنتمي لمحيطها العربي وتنفتح على  مفاهيم العصر  والحداثة وتنخرط في ركب التقدم الإنساني والحضاري، وتتعزز فيها السيادة الوطنية، ورفض كافة أشكال التدخل الخارجي وتحترم فيها كافة الحقوق السياسية والاجتماعية  والاقتصادية للجميع رجالا ونساءا  على أسس المساواة الكاملة  والمواطنة غير المنقوصة وتعزيز الحريات العامة، خاصة حرية التعبير وتعزيزثقافة حقوق الإنسان.

وفي برامج التغيير السياسية والاجتماعي التي يتبناها هذا التيار، فانه  يمتلك قاعدة موضوعية ظاهرة وكامنة من المريدين والأصدقاء الذين يتطلعون لأن يكون له الصوت المسموع والحضور القوي في معادلة التحول السياسي  والاجتماعي المستقبلية في البحرين إزاء القوى المجتمعية والسياسية الأخرى.

ولكن كل ذلك مرهون بقدرة هذا التيار على تشخيص أزمته الراهنة، وهي أزمة لها عوامل موضوعية وذاتية مختلفة، وتتجلى في أكثر من جانب، منها الفكري والتنظيمي ومفهوم التحالفات، والتشخيص العميق للمتغيرات الاجتماعية والسياسية لا في البحرين وحدها، وانما في محيطها العربي، وكذلك في اطار الحركة التقدمية والديمقراطية في العالم، وهي أمور نوقشت مراراً، بصورة أو بأخرى، في الأطر التنظيمية لهذا التيار، ولكن ذلك لم يحل دون أن تتفاقم هذه الأزمة جراء ما شهدته وتشهده البلاد من تطورات.

المخلصون من ابناء هذا التيار، داخل أطره التنظيمية وخارجها، مدعوون لنقاش جدي، مخلص وبناء، لهذا الموضوع هدفه الخروج بتصورات تسهم في رسم رؤية لمستقبله.