المنشور

يريدون أن يعيدوننا الى القرون الوسطى، نواب يطالبون بمنع تدريس الموسيقى في المدارس

طالعتنا الصحف المحلية في يوم الاربعاء 26 اكتوبر 2016 بما افتتح به النواب أولى جلسات الدور الجديد لمجلسهم بمهاجمة ” الموسيقى ” سواء على صعيد تعليم الموسيقى في المدارس أو على صعيد ” اقامة الحفلات الغنائية ” وطالبوا بصورة مستعجلة بوقف الحفلات التي تقيمها هيئة الثقافة .

ومن سخرية الزمن ان بعض ممن يسمون اليوم بنواب الشعب هم أنفسهم من يقفون ضد مصلحة الشعب ويشحذون أدواتهم القانونية للنيل مما كل من شأنه أن يساهم في رفعته ونماءه، ولكونهم لا يثقون بالشعب ولا يعيرون له اهتماماً او وزناً فإنهم يتعاملون مع مصالحه كما يتعاملون مع القاصر وينصبون انفسهم أوصياء عليه فيقررون ما يجب له وما لا يجب له ان يتعلمه أو يشاهده أو يسمعه . وإذا خانتهم أدواتهم في الوصول إلى غاياتهم استلوا سيف الدين والفضيلة وصوروا أنفسهم بصورة الخائف على الدين والحارس لحدوده.

والمسألة هنا لا تتعلق بقناعات النواب الشخصية، فلكل شخص الحق في تبني ما يشاء من الأفكار ومن القيم وأن يلزم بها نفسه وأن يطبقها في بيته ويلزم بها أسرته ، ولكن حين يدور الحديث عن المجتمع فالأمر مختلف لأن المبادي والقيم والمقومات التي رسمتها الدولة والمجتمع لهي محددة سلفاً بموجب الدستور . فلا يجوز للنائب أن يستغل موقعه والأدوات القانونية التي تحت يده من أجل الالتفاف على الدستور وأن يفرض على المجتمع قناعته وقيمه الخاصة، ويهول من تبعات عدم الانصياع لما يطلبه تحت ذريعة ان ذلك يشكل خطراً على المجتمع و الدين والأسرة وينذر بزوال النعم .

وإلا تحت اي بند يمكن فهم محاربة بعض النواب للموسيقى ومطالبتهم بمنع تعليمها في المدارس والغاء الحفلات الغنائية التي تقيمها هيئة الثقافة والتي تشكل معلماً حضارياً للبحرين؟! . ألم يقرأ هؤلاء النواب ما ينص عليه الدستور في الباب الثاني منه المعنون بـ ” المقومات الأساسية للمجتمع ” في الفقرة (أ) من المادة السابعة من هذا الباب حيث تنص على ان “ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون .. وتكفل الخدمات التعليمة والثقافية للمواطنين .. ” . ألم يقرأ النواب الدستور فإذا لم يقرأوه فهذه مصيبة اما اذا قرأوه ومع ذلك يعمدون مستغلين ما يمنحهم اياه موقعهم كنواب للشعب من سلطة ومن أدوات قانونية لمخالفة الدستور تحقيقاً لمصالح شخصية أو حزبية او فئوية ضيقة فهذه مصيبة اعظم .

 فالنائب بعد انتخابه وقبل ممارسة أعماله في المجلس يؤدي القسم باحترام الدستور وقوانين الدولة وأن يذود عن حريات الشعب وأمواله وأن يؤدي أعماله بالأمانة والصدق فأين مطلب منع تعليم الموسيقي في المدارس والغاء الحفلات الغنائية التي تقيمها هيئة الثقافة من هذا القسم ؟

 أليست رعاية الدولة للآداب والفنون هي من صميم مقومات المجتمع التي ينص عليها الدستور ؟ فإذا كانت كذلك وهي كذلك فعلاً فلماذا يعمد بعض النواب لما عمدوا اليه من محاربة الموسيقى والثقافة ويطالبون الحكومة بإلغاء تعليمها في المدارس ومنع هيئة الثقافة من ان تقيم الحفلات الغنائية ؟ لماذا يريدون ان يصنعوا منا بلدا متخلفاً وغير متحضر ؟! .

ان الهجوم على الثقافة وعلى الفنون وعلى الموسيقى هو هجوم على المدنية وعلى التحضر والرقي ؛ ويجب على المجتمع المدني أن يكون يقظاً وسداً منيعاً ضد كل من يريد أن يجرنا إلى الخلف، إلى العصور الوسطى؛ إلى كل من يريد أن يجعل من أبنائنا نهباً للتخلف والجهل والأمية والغربة عن العصر حتى لو جاءنا متخفياً تحت عباءة الدين والفضيلة.