المنشور

فخرو: المثقف الأصيل لا يلوث نفسه بأوحال التمصلح الذاتي

فخرو: المثقف الأصيل لا يلوث نفسه بأوحال التمصلح الذاتي

دعت المثقفين للتخلص من شرنقة المذهبية والطائفية والقبلية

 

مدينة عيسى – حسن المدحوب 

10 يناير 2017

قالت الأكاديمية والكاتبة أنيسة فخرو، إن «من الممكن أن يفصل المثقف بين الذات والآخر بحيث يعطي لذاته حقها وما يريد، وفي الوقت نفسه يعطي الآخر حقه، بشرط ألا يلوث نفسه بأوحال التمصلح الذاتي على حساب الآخرين، وبالطبع ليس على حساب المبادئ والقيم الإنسانية التي يؤمن بها كل مثقف أصيل».

وذكرت فخرو أن «من التحديات التي تواجه المثقفين هي القدرة على التخلص من شرنقة المذهبية والطائفية والقبلية التي تحتاج إلى وعي عال للتخلص منها».

جاء ذلك في ندوة قدمتها فخرو في جمعية المنبر التقدمي في مقرها في مدينة عيسى، مساء الأحد (8 يناير/ كانون الثاني 2017)، تحت عنوان «المثقف بين الأنا والآخر».

وأشارت فخرو في بداية ورقتها، إلى أن «هناك مئات التعريفات لمفهوم الثقافة، وتعريفي الشخصي باختصار للثقافة هي سلوك الإنسان وأفعاله، والجهل عكس الثقافة، والمثقف نقيضه الجاهل، والمتعلم عكسه الأمي، وكثير من الأحيان يكون المتعلم جاهلا، وكلاهما أي الجاهل والمثقف يعرفان من خلال سلوكهما وأفعالهما».

وأضافت «أما المثقف فهو ناقد اجتماعي يحلل ويعمل على تجاوز العوائق، للوصول إلى نظام اجتماعي أكثر عقلانية، وأكثر إنسانية، والمثقف حصيلة تفاعل مؤسسات 3 هي: المؤسسة الأسرية، والنظام السياسي، بمؤسساته الدينية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والمخابراتية والإعلامية، والمجتمع المدني والأهلي بمختلف مؤسساته أيضا».

وتابعت «يقول أمين عام رابطة الأدباء في الكويت طلال الرميضي إن المثقف عليه تقع مسئوليه تنوير مجتمعه، فيما يقول عمرو موسى: «المثقفون هم جنرالات المعركة المقبلة وقادتها ومحددو نتائجها وبات عليهم القيام بدور محوري في معركة الدفاع عن الأمة والحضارة».

وأردفت «ولكي نخلق المثقف لابد من توفير الجو المناسب والبيئة الصحيحة لوجوده والتي من أهم سماتها الحرية، فالتفكير المرن المتفتح المبدع لا يمكن أن ينتعش في جو الاستبداد والتسلط، سواء استبداد السلطة السياسية أو الاجتماعية التي تتمثل في المعتقدات والعادات والموروث».

وواصلت «ونؤكد على أن الثقافة لها جانبان: كمي ونوعي، الجانب الكمي في الثقافة هو المتمثل في الغث والسمين فيها، فالغث يتمثل في عدد المثقفين الذين يمارسون الثقافة التجارية الاستهلاكية، والسمين يتمثل في عدد المثقفين الذي ينتجون الثقافة الراقية، أما الجانب النوعي فنعني به فقط الثقافة المتمثلة في إنسانيتها الأصيلة والتي تعطي الفن الإنساني الإبداعي الخالد».

وأكملت «ومن المعروف أن العناصر البنائية للثقافة 9 تتمثل في: اللغة، والفن، والأفعال الإنسانية، والطرائق الشعبية، والعرف، والقانون، والنظم الاجتماعية، والمعتقدات، والرموز والأساطير».

وأفادت «أما خصائص الثقافة فهي 6: الشمولية، الاستمرارية، والتعقيد، والتكامل، والانتقائية، والتغيير، الذي غالبا يحدث في العناصر المادية أولاً ثم يأخذ وقتًا أطول حتى يصل إلى العناصر اللامادية للثقافة، والعناصر المادية نعني بها كل ما يصنعه الإنسان، أما العناصر اللامادية فهي المتمثلة في: المفاهيم والقيم والأفكار المثالية».

وأوضحت أن «من أهم وسائل الثقافة هي الأجهزة الإعلامية المتمثلة في الإذاعة والتلفزيون والصحافة والكتب والمجلات والسينما، بالإضافة إلى المعارض والمتاحف والمسرح والموسيقي والفن بأنواعه وغيرها من وسائل الثقافة».

وذكرت فخرو أن «المثقفين أنواع، فالأنبياء أمثال: النبي محمد والنبي عيسى، والعلماء والفلاسفة أمثال: ابن رشد وابن سينا والفارابي وابن خلدون وأفلاطون وأرسطو وجاليلو وجان جاك روسو وفولتير وأديسون، والمثقفون الأدباء أمثال: نجيب محفوظ ونزار قباني وإحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم، والمثقفون السياسيون أمثال: جمال عبدالناصر وجورج حبش ونيلسون مانديلا وغيرهم مئات، فالمثقف هو من يترك بصماته على المجتمع كله، أمثال طه حسين ومحمد عبده وأمين قاسم الذين لولاهم لما حصلت المرأة على العلم والتعليم في الوطن العربي كله».

وأضافت «كما يوجد رجل الدين المثقف كالسلفي أو الأزهري أو الكنسي أوالمتصوف، وهناك المثقف الفنان، سواء كان في الغناء أو العزف أو الرسم أو أي مجال فني، وهناك المثقف المهني سواء كان الطبيب أو المهندس أو المحامي أو المعلم، وهناك المثقف الاقتصادي والمثقف السياسي، ولا يمكن فصل الثقافة عن أي مهنة أو مجال، بل العكس، كلما كان الشخص مثقفا كان أكثر إبداعا في مهنته ومجاله، أما السطحي أو من يدعّي الثقافة فهو لا يمكن أن يكون إنسانا مبدعا، حتى لو صقله الطغاة ولمعّه الظلاميون يبقى باهتا مظلما لا حياة فيه».

وبينت أنه «يوجد المثقف الانتهازي الذي يستغل الأحداث من أجل التحصيل المادي أو التلميع الشخصي لصورته، من أجل الشهرة، أو من أجل المنصب، والمصلحة الشخصية الخالصة وغيرها من المصالح الذاتية، ويوجد من أسميه المثقف الريشة الذي يميل مع كل ريح ويطير بحسب اتجاه الريح، وهناك المثقف الإيجابي الذي ينشر ثقافة التفاؤل والأمل، ونقيضه المثقف السلبي المتشائم الذي ينشر ثقافة التخاذل والخوف والتراجع، وهناك المثقف النقي. وعوامل النقاء عديدة، أهمها: التربية السليمة البعيدة عن الطائفية والتطرف، والقراءة، والتحليل وإعمال العقل، ونظافة القلب، وعكسه المثقف الملوث».

وأردفت «أما المثقف الموضوعي، فهو الذي لا يحّرف الحقائق من أجل مصلحته الشخصية، أو من أجل ميوله أو مذهبه أو قبيلته، ونقيضه المثقف الذاتي المُلفق والمُحرف للحقائق لأغراض شخصية، وهناك المثقف المبادر الشجاع، ونقيضه المتردد والجبان، والمثقف المتفاعل مع قضايا شعبه وأمته، وعكسه المثقف المنغلق على نفسه، يقول الكاتب أحمد فرحات: موت المثقف هو موت المجتمع، وأعتقد أن معيار حياة أو موت أي مجتمع هو بما فيه من عدد المثقفين الحقيقيين».

وشددت على أن «دور المثقف في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية والدينية كُل في مجاله، لكن عليهم أن يجتمعوا على أمور ثابتة هي: الابتعاد عن الجدل من أجل الجدل، بل من أجل تغيير المجتمع إلى الأفضل عمليا، واحترام الآخر وتقبل مختلف وجهات النظر، وألا يكون للمثقف صراع مع الدين (أي دين)، والتوافق مع العروبة والاعتزاز باللغة العربية، فالمثقف لا يمكن أن يقاطع لغته وتراثه، وأن يعمل على تطوير نظم التفكير وإعادة بناء المفاهيم الأساسية، فالثقافة لا يمكن أن تكون قطرية أو سلطوية بل هي عامة».

وواصلت فخرو «وعلى المثقف القيام بالمهمات التالية: التعريف بالحقوق والواجبات للناس، وإدارة الأزمات التي تمر بها الأمة، ومقاومة الظلم، وتشجيع الإبداع، والاعتزاز باللغة العربية والآثار والتراث والمحافظة عليها، والنقد والتحليل الموضوعي للأمور، وفضح أساليب الغزو الفكري وكيفية مواجهته، والقدرة على تحليل الواقع وقراءة المستقبل بدقة، والسعي إلى التغيير دوما، على المستوى الذاتي والجماعي والمؤسسي والوطني، ونشر ثقافة التسامح والمحبة والسلام، والعمل دوما على توحيد كلمة وجهود القوى الوطنية وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني».

وتابعت «أما المعوقات التي تواجه المثقف، فهناك عوامل ومعيقات ذاتية وموضوعية تواجه المثقف، ومن أهم المعوقات الذاتية (معوقات الأنا)، فتغليب المصلحة الذاتية والسعي لها، بأشكال عدة مثل كسب المزيد من الأموال والعقارات والمنصب والوجاهة وغيرها، وممارسة النفاق الاجتماعي، والضعف في التكوين الثقافي، مما يجعله غير قادر على التحليل الصحيح وقراءة الواقع بدقة للتنبؤ بالمستقبل، ووجود الترسبات المتخلفة في عمق الذات (الأنا)، ما يجعلها تبرز وتظهر وقت الأزمات، لذا نرى القبلية أو الطائفية تتغلب على روح المواطنة، والضعف في التكوين النفسي ما يدفعه إلى التخلي عن المبادئ والأخلاق في سبيل المصالح الخاصة، فتسهل الرشوة ويزداد الفساد، وتلوث القلب بأمراض كالحسد والكراهية لكل من يفوقه إبداعا أو شهرة».

وأكملت «أما المعوقات الموضوعية (الآخر) بالنسبة للمثقف فأهمها القمع والاضطهاد والاستبداد من قبل النظام السياسي، وقمع المؤسسات السياسية المتأسلمة التي تضع الدين ستار لها، والقمع الاجتماعي من قبل بعض الأفراد والمؤسسات المجتمعية، ويقول الكاتب العراقي لطيف بولا: لقد عانى المثقفون عبر التاريخ من شرور الحكام الطغاة ومن الجهلاء والمتخلفين، وأول المثقفين هم الأنبياء والثوار الأحرار الذين قاوموا الظلم والظلام، إن الاستبداد والتخلف يحاولان دوما إيقاف عجلة التطور والتقدم».

وشرحت التحديات أمام المثقفين، بذكرها «الاغراءات المادية وحب الرفاهية والاغراءات السلطوية كحب المنصب، والشجاعة في قول الحق أمام سلطان جائر، والقدرة على التحليل الصائب في وقت الأزمات واتخاذ الفعل الصواب، والقدرة على الحفاظ على الذات النقية بلا تلوث؛ لأن القدرة على المحافظة على الذات تعطي المثقف القوة لمواجهة السلطة وجبروتها، ومواجهة الرجعيين والمتخلفين وظلمهم وظلامهم، وقدرته على مواجهة سياسة العصا والجزرة التي يتبعها أي نظام سياسي مستبد، القدرة على التخلص من شرنقة المذهبية والطائفية والقبلية التي كثيرا ما تكون مغروسة منذ الصغر في التربية وتحتاج إلى وعي عال للتخلص منها، لأنه عند الأزمات تخرج الرواسب والعفن والصدأ المتكلس في داخل الإنسان».

وقالت فخرو: «سألني صديق هل يمكن للإنسان التخلص بسهولة مما تربى عليه؟ فأجبته وبلا تردد أو تفكير نعم طبعا، لكن يتطلب وعيا كبيرا لا يتأتى إلا بالقراءة والاطلاع، وبعد فترة تمعنت في السؤال من جديد واكتشفت صعوبة الإجابة عليه وصعوبة تحقيقه، فالواقع يقول لنا إن كثيرا من المثقفين الذين حفظوا كتب الفكر والفلسفة مثل الاشتراكية والماركسية والوجودية وغيرها، نرى أثناء الأزمات يختفي التنظير ويظهر السلوك الحقيقي المرّ، وعلى إثره يظهر الاصطفاف الطائفي أو القبلي أو الديني، وهذا للأسف ما حدث مع الكثير من المثقفين في العراق وسورية واليمن والبحرين».

وأضافت «فالصراع داخل النفس كبير جدا، والإنسان أكثر الكائنات تعقيدا، والتأثير للتربية حتما كبير ولا يمكن التخلص منه بسهولة، عندما أرى طفلة لا تتجاوز التاسعة من العمر محجبة على الطريقة السنية أو الشيعية وأحيانا منقبة، أقول في نفسي ليس من السهل أن تتخلص من ذلك الأرث، وطبعا هذا حال الفتى الذي تتم تربيته على أساس أنه الكامل دوما وأخته الناقصة».

وأردفت فخرو «التربية وما أدراك ما التربية، فمثلا بعض الأسر الشيعية تأخذ الطفل منذ الأشهر الأولى من عمره إلى أجواء المآتم واللطم والبكائيات ليترسيخ في ذهن الطفل تبعيته إلى شيعة آل البيت، وليكبر وتكبر معه التبعية للآمر الناهي الولي الفقيه التي طبقها وعممها الخميني، وبالمقابل أيضا توجد بعض الأسر السنية التي تُدخل أطفالها منذ نعومة أظفارهم في الجمعيات والمؤسسات الدينية والاجتماعية والرياضية التابعة لتنظيم سياسي متأسلم، لينغرس في عقل الطفل وقلبه وذهنه اتباع إرشادات شخص باعتباره المرشد أو الأمير الذي لا جدال لرأيه ولا عصيان لأمره لكونه ممثل الله وخليفته على الأرض، مع إن الدين الإسلامي لا كهنوت فيه».

وواصلت «وهذا الخلط بين السياسي والديني، أي بين البرغماتي والروحي فيه الكثير من الظلم بحق الجانب الروحي لأنه يشوه الدين ويجعله يغوص في أوحال السياسة، فالعلماء هم علماء العلم، لا غير، أما رجال الدين المتمكنين والمتمرسين منهم فهم الفقهاء، وليسوا علماء».

وختمت فخرو «من الممكن أن يفصل المثقف بين الذات والآخر بحيث يعطي لذاته حقها وما يريد، وفي الوقت نفسه يعطي الآخر حقه، أي كان هذا الآخر، سواء بيته وزوجته وأطفاله ومجتمعه ووطنه، بشرط ألا يلوث نفسه بأوحال التمصلح الذاتي على حساب الآخرين، وبالطبع ليس على حساب المبادئ والقيم الإنسانية التي يؤمن بها كل مثقف أصيل».