المنشور

السعادة.. افتراض ما يفرض ويفترض…!

لماذا لم نحتفل بيوم أمس..؟!
اليوم العالمي للسعادة الذي يصادف العشرين من شهر مارس من كل عام، وهو اليوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة على هامش اجتماع دورتها 66 التي عقدت في 28 يونيو 2012 تحت عنوان «السعادة رفاهية المجتمع والنموذج الاقتصادي الحديث» وذلك اعترافًا «بأهمية السعي للسعادة أثناء تحديد أطر السياسة العامة لتحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتوفير الرفاهية لجميع الشعوب..»، وقيل بأن هذه المناسبة تسعى الى التأكيد على ان الشعور بالرضا هو أكثر من مجرد نمو للاقتصاد والأرباح، وللعلم فإن مملكة بوتان، المملكة الصغيرة في جلال الهيمالايا هي صاحبة اقتراح تحديد يوم عالمي للسعادة وذلك بعد أن تطور مفهوم السعادة لديها وضمنت دستورها منذ عام 2008 عبارة «الناتج القومي من السعادة» وأصدرت مؤشرًا يتكون من تسع نقاط لتقييم شعور المواطنين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ووفقًا لمفردات هذا التقييم من الممكن ان يكون الشخص معدمًا سعيدًا، كما ان هناك بعض الدول من دون اسماء احتلت مكانة بارزة بين دول العالم في تقارير التنمية ولأسباب لا تخفى على الجميع..!
فيما يخص السعادة أيضا، كان جميلاً أن نشهد اهتمام دبي بإسعاد مواطنيها حين أنشأت في عام 2016 وزارة السعادة من أهدافها مواءمة كافة خطط دولة الإمارات وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع، وتبنت برنامجًا وطنيًا هدفه ترسيخ الإيجابية كقيمة في مجتمع الإمارات، وأعلنت عن خطط لإطلاق مبادرات تتعلق بنشر المحتوى العلمي والثقافي للسعادة، وأطلقت خدمة مؤشر السعادة في 14 جهة حكومية، وهذه تجربة اعتبرت ملمحًا مهمًا لتطور الفكر الاداري واهتمامه بالإنسان في مشاريع التنمية والبناء والتطوير والابداع والابتكار، وقبلها كانت فنزويلا التي استحدثت وزارة للسعادة الاجتماعية انصب اهتمامها على إسعاد كبار السن، كما لا ننسى ان موضوع السعادة كان حاضرًا في القمة العالمية للحكومات التي انعقدت بدبي في الفترة 12- 14 فبراير الماضي، وهو حدث شارك فيه أكثر من 300 من العلماء والمختصين والخبراء والمفكرين وصنَّاع القرار من 138 دولة، كلهم اجتمعوا في إطار مؤتمر استثنائي من نوعه عنوانه «الحوار العالمي للسعادة»، والهدف «تأسيس حوار مستمر وبناء يهدف الى تشكيل توجهات عالمية جديدة تركز على تحقيق السعادة لشعوب العالم وتبنيها كإطار جديد للتنمية»..!
الهدف نبيل دون شك، والحوار كما أعلن ركز على سبل إسعاد أكثر من سبعة مليارات إنسان حول العالم من خلال طرح 10 موضوعات رئيسة ضمن أربعة محاور هي: دور الحكومات في تحقيق السعادة والرفاه، وعلم السعادة، وتصميم واعتماد سياسات السعادة والرفاه، وقياس السعادة، وقيل إن مخرجات الحوار يمكن ان تستند اليها الحكومات في وضع السياسات والبرامج والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بتحقيق السعادة للشعوب، ومنها أيضا هدف تصميم وتطبيق المدارس السعيدة، بحيث تشكل أساسًا لتنشئة جيل سعيد ايجابي يسهم في استدامة السعادة للشعوب وتنميتها في كل مجال وميدان, ولم تكتفي دبي بذلك بل اطلقت يوم أمس مجلس عالمي للسعادة هدفه «دعم معيار السعادة كمعيار اساسي لنجاح السعادة في دول العالم كما هو في الامارات».
هل يمكن أن يتحقق هدف السعادة يا ترى ولو الحد الأدنى منها..؟ وهل حقًا يمكن ان تكون هناك ثمة جدية وارادة تمضيان بنا لتحقيق هذا الهدف او شيء منه لدى شعوب العالم في وقت بات العالم يشهد من المنغصات ما يزيد من مستويات الاكتئاب والاضطرابات النفسية، وفي ظل تحول 50 دولة الى دول «هشة» يعيش فيها 1.4 مليار شخص، أي ما يقارب نحو 20‎%‎ من تعداد سكان الكوكب وذلك على ذمة وزيرة السعادة الإماراتية، والسؤال الجوهري هل يمكن أن تتحقق السعادة في واقع يطلق العنان لصراعات ونزاعات سياسية يستباح فيها كل شيء،  واقع ظهر فيه مرتدون ومارقون بوشاح بيني وطائفي ومذهبي يبثون سمومهم من أجل ما يعطب العقول ويخلق مناخًا عامًا من الكراهية والعنصرية، ويقتلون الناس ويهجرون قسريًا في مشاهد عبثية فجة، ومعها هذه الصور التي تتوالى لأناس يحملون أمتعتهم على رؤوسهم وحيواتهم على كفوفهم يهربون بها الى المصير المجهول، وما بين كل تلك المشاهد تذوب كل مفاهيم الانسانية، وممارسات تنتقص من الحقوق والحريات العامة وتسيَّد منطق الغلبة والمغالبة وإقصاء الآخر وتهميشه وخلق حالة انشطار داخل المجتمعات العربية وشعوب لا تتمتع بخيرات ومقدرات أوطانها..!!
هل نحن بحاجة فعلاً الى يوم عالمي للسعادة، والى مؤتمرات وحوارات تبحث في سبل إسعاد شعوب تعيش البؤس بكل معانيه، شعوب لم تسمع لا بهذه المناسبة ولا بغيرها، ولم تشغل او تنشغل بالسعادة، وهل يمكن لمن لم يدرك السعادة ان يحتفي بالمناسبة ويقتنع بأن عصر السعادة دخل بابه ولن يخرج منه، او أنه عصر سيدخل ان عاجلاً أم آجلاً…؟ وهل بمقدور المرء أن يصدق المعلن من النيات التي تبشرنا بأن هناك من يجهد نفسه من أجل بلوغ السعادة المنشودة، وإيجاد موطئ قدم في خارطة الدول السعيدة، تخيلوا إمكانية تحقيق ذلك، وافترضوا ما يفرض ويفترض من أجل بلوغها، وتخيلوا انه لم يعد هناك من يزرع الألغام على طريق إسعاد الشعوب، مع نصيحة ألا تذهبوا بعيدًا في الخيال..؟!!
لعل معهد جالوب لاستطلاعات الرأي موفق حين وجد بان من بين العناصر التي يتسبب فيها الشعور بالسعادة ان تكون حياة الانسان ذات مغزى، ويقول البروفيسور الأمريكي جيفرسون ان السعادة مقياس نجاح الحكومات، وأرسطو وليس جعل السعادة أمرًا عابرًا في سراب عابر، قال قبل 2400 سنة رأى بأن غاية السياسة هو تحقيق السعادة، ولعل هذا يجعلنا نفهم السعادة بأنها أكثر من مجرد نمو للاقتصاد والأرباح، لعلها في أبسط تحليل تعنى إعطاء بارقة أمل لدى جموع اليائسين حتى من الحياة، وأحسب ان هذا من الوضوح بحيث لا يحتاج الى المزيد من الكلام..!!