المنشور

راية فلسطين

خلال الأسبوع الماضي شاركت في مؤتمرين، أحدهما دولي، والثاني عربي، حول القضية الفلسطينية، ولم تكن مصادفة أن المؤتمرين ارتبطا من حيث التوقيت بمناسبتين لهما ما لهما من الدلالات، كون كل واحدة منهما عنت أمراً حاسماً في مسار قضية الشعب الفلسطيني.
المناسبة الأولى هي ذكرى الوعد المشؤوم لبلفور، الذي تصادف ذكراه المئوية هذا العام، لتذكرنا بالحقيقة المرة، وهي أن المشروع الصهيوني، إنما جرى تمكينه وترسيخه بالدعم الغربي، الأوروبي بداية، ولاحقاً الأمريكي. فمن رعوا تأسيس دولة الكيان هم أنفسهم من يرعون اليوم استمرارها ومدها بكل أسباب الدعم والقوة.
أما المناسبة الثانية فهي الذكرى السنوية ليوم الأرض الفلسطيني في الثلاثين من مارس/ آذار، التي أطلق شرارتها عرب الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، رداً على تطاول الصهاينة على أراضيهم، وكان للقائد الوطني الكبير الشاعر المرحوم توفيق زياد، رئيس بلدية الناصرة، دور قيادي في ذلك يومها.
سرعان ما أضحى يوم الأرض يوماً فلسطينياً وعربياً بامتياز، يحييه الفلسطينيون أينما كانوا، في أراضي 1948، أو في الضفة الغربية وغزة، أو في مواقع الشتات المختلفة، ومعهم يحييه أشقاؤهم العرب بفعاليات شهدنا مثلها هذا العام في عدة بلدان عربية، بينها وطني البحرين.
وإذا كانت مناسبة وعد بلفور تذكر بالتآمر الاستعماري على فلسطين وقضية شعبها، فإن يوم الأرض يذكر بالأمر النقيض، ألا وهو إصرار الفلسطينيين على التشبث بأرضهم وبحقوقهم رغم وحشية الهجمة التي يواجهونها، والتي تبلغ اليوم واحدة من أخطر ذراها، مع إفصاح الصهاينة عن مشروعهم بتهويد دولتهم، ما يهدد من تبقى من عرب فلسطين هناك بالتهجير، ما يذكرنا بسلسلات التهجير المتتالية التي تعرض لها العرب في الأندلس، حتى لم يبق منهم فيها أحد.
ما لفتني في المؤتمر الدولي الذي شارك فيه ممثلو قوى وأحزاب وتيارات سياسية من أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، هو أن القضية الفلسطينية ما زالت عنواناً مهماً للتضامن الأممي، ما يحملنا على الشعور بالغضب حين تلمس لدى غير العرب المقتنعين بقضايانا العادلة حماساً لهذه القضايا أكثر مما هو لدى الكثيرين منا.
ثمة رأي عام تقدمي في العالم ما زال يحمل راية القضية الفلسطينية، بقناعة وحماس، ويذود عن هذه القضية، بإمكانيات متواضعة، لو قيست بما يتوفر للوبيات الصهيونية في مختلف دول العالم من دعم وتمويل.
المؤكد أن عدالة القضية الفلسطينية هي حافز أخلاقي ومعنوي كبير لهؤلاء المتضامنين معها، ومع مجمل قضايانا العربية، لكن هذا وحده لا يكفي، فالمطلوب منا الكثير من أجل دعم هذه الجهود النبيلة وتوفير ما هي في أمسّ الحاجة إليه من مساعدة.