المنشور

الملا: «العلمانية» ستجنبنا الطائفية… والحركات الدينية شوهت بحقدٍ صور اليساريين والشيوعيين

مدينة عيسى – حسن المدحوب 

شدد المحامي حميد علي الملا على أن الانطلاق نحو العلمانية سيجنبنا ويلات الحروب الطائفية وشرور الإرهاب المتفشي كالسرطان في مجتمعاتنا ويساعدها على التحرر من العبودية ومن الاستبداد.

وأضاف في ندوة قدمها في مقر جمعية المنبر التقدمي في مدينة عيسى، مساء الأحد (2 أبريل/ نيسان 2017)، تحت عنوان لماذا العلمانية وكيف نفهمها؟، أن الحركات الدينية ومراجعها قامت بنفث سموم الحقد والكراهية ضد من يخالفهم الرأي وخصوصاً العلمانيين واليساريين والشيوعيين وتشويه صورتهم أمام الرأي العام المحلي.

وفي بداية ورقته، قال الملا: قبل الولوج في تعريف العلمانية لابد من طرح بعض الأسئلة والإجابة عليها حتى نزيل أي لَبْس في هذا الموضوع وحتى نبسط البحث ومن ثم نفكك المفاهيم قدر المستطاع، ولنبرهن على أن العلمانية هي أسلوب حكم وحياة لمن يود من الشعوب أن يعيش فى ود وسلام ووئام، فلماذا العلمانية وتحديداً في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا يقف رجال الدين جميعاً وعلى مختلف اتجاهاتهم المرجعية ضدها؟ ولماذا يكيلون لها مختلف النعوت ويجعلونها مرادفاً للإلحاد والانحلال الخلقي والفسق؟ ولماذا يعتبرون العلمانية ضد الدين بل كفراً يجب محاربته؟ هل لأن العلمانية تهدد الأديان وعلى الأخص الدين الإسلامي كما يزعمون؟ أم لأن العلمانية نتاج غربي؟ هل العلمانية يمكن لها أن تطبق في الغرب وليس بالمستطاع تطبيقها في الشرق؟ هل العلمانية ستفسد المجتمع أم ستصلحه؟.

وأكمل قبل كل شيء العلمانية هي مصطلح غربي وجذورها تعود إلى الفلسفة اليونانية القديمة لفلاسفة يونانيين أمثال أبيقور، غير أنها خرجت بمفهومها الحديث خلال عصر التنوير الأوربي على يد عدد من المفكرين أمثال توماس جيفرسون وفولتير وغيرهما وهي نتاج تطور المجتمعات منذ القرن الخامس عشر وأول من استخدم هذا المصطلح المفكر الإنجليزي جورج هوليوك عام 1851 وكان يقصد به الفصل بين السلطتين الزمنية والروحية واستقلال الملك عن الكنيسة.

وواصل كما أن الفيلسوف الإنجليزي الأخر جون لوك واضع أسس العلمانية في القرن السابع عِشر كان قد عنى بالعلمانية الفصل بين الحكومة والدين والفصل بين السلطات وكان يرى أن وظيفة الدولة هي رعاية مصالح المواطنين الدنيوية، أما الدين فيسعى إلى خلاص النفوس فى الآخرة، وأراد بذلك أن ينقذ الدين من تلاعب السلطة به واستخدامه لأغراضها، ورأى أن انحياز الدولة لدين معين يشجع على النفاق والتدين الشكلي، فضلاً عن أنه يهدد وحدة الدولة والتعايش السلمي بين المواطنين، كذلك تشارلز تايلور فصل الدولة عن مؤسسة الدين أي أن الدولة لا يتصور أن ترتبط بأي معتقد ديني معين بشكل رسمي، أي أن الدولة يجب أن تكون على الحياد في علاقاتها بكل المكونات المختلفة دينية أو غيرها.

وأضاف وعلى هذا الأساس ومع تطور المجتمعات والصراع الطبقي وظهور مفاهيم جديدة وحقوق عديدة تطور هذا المفهوم ليصبح منظومة متكاملة وشاملة تدخل في صلب العلمانية ألا وهي المواطنة، الحرية، حقوق الإنسان، العقلانية، المساواة، حكم القانون، التنوير، الديمقراطية، دولة المؤسسات، أي حزمة كاملة من المصطلحات تشكل الأرجل التي تقف عليها الدولة الحديثة المعاصرة.

وأوضح وخلاصة ما تقدم يمكن لنا أن نعرف الدولة العلمانية بأنها هي تلك الدولة التي تقوم بالفصل بين مختلف السلطات وتخضع كل المؤسسات السياسية والمالية والعلمية والدينية للقانون المدني، على أن تضمن على وجه الخصوص المساواة الكلية بين كل الأديان السماوية وغيرها بما فيها اللادينية والإلحادية، ولا ثمة شك فى أن الدولة العلمانية قد حققت إنجازات عظيمة على الصعيد الحضاري من حيث إنهاء الصراعات والاضطهاد الطائفي والحروب الدينية والقضاء على العنصرية واحترام حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة.

وقال الملا: يمكننا أن نقول بأن العلمانية ليست أيديولوجيا أو عقيدة بل هي طريقة للحكم ترفض وضع الدين أو غيره كمرجع رسمي للحياة السياسية والقانونية وإنما اهتمامها ينصب على الأمور الحياتية للبشر بدلاً من الأمور الأخروية، أي المادية الملموسة بدلاً من الغيبية.

وتابع ومن المفيد أن نوضح بأن بعض الدول قد نصت دساتيرها صراحة على هويتها العلمانية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية والهند وكندا والبعض الآخر لم يذكر العلمانية ولكنها لم تحدد دينا للدولة كمعظم الدول الأوربية وأستراليا ونيوزلندا.

وأفاد ويخلص حبيب سروري إلى أن الدولة العلمانية تتكئ على مبدأين جوهريين هما، أولاً: تفصل الدولة العلمانية بين مجالين مختلفين في حياة الناس: العام والخاص فالمجال العام يضم المدرسة، والفضاء المدني عموماً، مكرس لما يخدم جميع الناس، بغض النظر عن أصولهم وألوانهم ومعتقداتهم الدينية أو ميولهم الإلحادية، لا مرجعية فيه لأي دين أو فلسفة الحادية، أما المجال الخاص يستوعب كل المعتقدات والرؤى الشخصية، دينية كانت أم لا دينية أو إلحادية.

وواصل والمبدأ الثاني تضمن الدولة العلمانية المساواة الكلية بين كل المتدينين بمختلف مذاهبهم، واللامتدينين والملحدين أيضاً، تدافع عن حريتهم المطلقة في إيمانهم أو عدم إيمانهم (حرية الضمير) وتحترمها بحق، وبذلك فإن الدين فى الدولة العلمانية يتحول إلى حالة روحية خالصة لا يستطيع السياسي تسييسها واللعب بهذه المشاعر الدينية لغايات دنيوية.

وأشار إلى أنه لاشك في أن الدولة العلمانية أخذت بيد شعوبها إلى التقدم وانتشلتها من الظلمات إلى النور وهذا ينطبق على الدول بغض النظر عن توجهاتها الرأسمالية أو الاشتراكية، ولكن علينا أيضاً أن نطرح السؤال التالي: هل من السهولة بمكان تطبيق العلمانية في بلداننا دون عراقيل؟ جواباً على هذا السؤال أسارع وأقول كلا، فالتعقيدات كثيرة والتحديات كبيرة والصعوبات عديدة، فمن جهة الظلاميون الذين يمارسون أشنع وأبشع التأويلات والتضليلات والنعوت في الهجوم على العلمانية والعلمانيين، ومن جهة أخرى الحكام العرب الذين يتاجرون بالدِّين ويستخدمون فقهاء السلاطين للسيطرة على عقول وقلوب المواطنين لممارسة تسلطهم، كما أن هنالك أيضاً البعض من المثقفين يرى بأن العلمانية مفهوم غربي استعماري والبعض الآخر ونتيجة للخوف من سطوة التيارات الدينية يتجنب الدفاع عنها ويتخفون بين ثنايا اللاهوتية ويستخدمون مفاهيم ملتبسة ويستعيضون عنها بمفاهيم كالدولة المدنية التي هي ولاشك خطوة متقدمة عن الدولة الدينية من حيث أنها أي الدولة المدنية تحقق جملة من المطالَب كالديمقراطية والمواطنة المتساوية وحقوق الإنسان والحريات وغيرها من الأمور التي تحتاجها الشعوب من أجل التطور والتنمية ولكن ضمن إطار الشريعة.

وواصل وفِي هذا الإطار فأن الدولة المدنية لم تخرج عن عباءة الدولة الدينية إلا من حيث النزعة نحو الديمقراطية استجابة لمتطلبات العصر، وهذا لن ينهي الصراعات والحروب الدينية والاضطهاد الطائفي، وهنالك عينة أخرى من المثقفين ترى فى الدول العلمانية سلوكها اللا إنساني المنافق، كما يحدث حالياً في الحرب على الإرهاب وكما حدث سابقاً في التحالف مع أعتى الدول الرجعية والحركات الإرهابية في أفغانستان بحجة الدفاع عن الإسلام ضد الشيوعية الكافرة.

وأكمل ومع ذلك نقول كما قال فرج فوده الذي تم اغتياله بسبب آرائه الجريئة في كتابه (حوار حول العلمانية) إنكار العلمانية جهل بالحضارة الحديثة، وإطلاق صفة الكفر على العلمانية جهل بالعلمانية، والدعوة للدولة الدينية جهل بحقوق الإنسان، والمناداة بعودة الخلافة جهل بالتاريخ، إذ يجب النظر إلى العلمانية كمجرى تاريخي موضوعي يتطور دائماً بتشابك الأفكار المختلفة وتفاعلها، أي أنه يجب النظر إلى تاريخ العلمانية كمنظومة من المدارس والتيارات المتفاعلة، مع كونها جميعاً في نزوع دائم إلى الارتقاء والتطور حسب احتياجات المجتمعات ومتطلباتها المعيشية.

وذكر أن تحليل تاريخ العلمانية يكشف أنها كانت حركة صاعدة بحيث كانت في كل مرحلة لاحقة تتغلب على نواقص مرحلتها السابقة، ولا ثمة شك في أن التيارات الدينية بمختلف التلاوين قد بالغوا في استخدام الدين ذريعة لتشويه فكرة العلمانية، وتبشيع صورتها كما استخدم أيضاً لكبح جماح التطلعات العقلانية التي تدعو لها العلمانية والتطور الحر المستقل للعقل البشري المبدع، وأن موجة العداء هذه لم تكن لتبلغ هذا الحد لولا الخوف من أن العلمانية ستصيغ حياة بعيدة عن اللاهوت والغيبيات، ليمتد هذا العداء حتى للعلوم الطبيعة والفلسفة والرياضيات كمرتكزات أساسية للعلمانية.

وختم المحامي الملا ومن حصيلة ما تقدم نرى أن العلمانية هي التي بإمكانها انتشال مجتمعاتنا من التخلف وهي محطة من محطات التقدم لإبعاد المقدسات من التلاعب بها من رجس البشر ليصبح العلم هو المقياس للتقدم، وأن الانطلاق نحو العلمانية سيجنبنا ويلات الحروب الطائفية وشرور الإرهاب المتفشي كالسرطان في مجتمعاتنا ويساعدها على التحرر.

 

صحيفة الوسط

العدد 5323 – الثلثاء 04 أبريل 2017م الموافق 07 رجب 1438هـ