المنشور

التمييز ضد الزوجة في حق السكن

مدى دستورية قرار وزير الاسكان رقم (909) بشأن نظام الإسكان

التمييز ضد الزوجة في حق السكن

 

في  جلسته المنعقدة بتاريخ 23 نوفمبر 2014 قرر مجلس الوزراء اعتماد تعديل معايير التأهل لقبول الطلبات الإسكانية المتعلق بدخل رب الأسرة الأساسية، بحيث يتم فصل راتب الزوج عن راتب الزوجة عند احتساب دخل رب الأسرة الأساسية عند التقدم لطلب الخدمة الإسكانية، ليكون تبعاً لذلك دخل الأسرة الأساسية الذي يعتد به في هذا الشأن هو الراتب الأساسي الشهري لرب الأسرة مضافاً إليه العلاوة الاجتماعية مع الأخذ بالاعتبار تعدد مصادر هذا الدخل، وكلف وزارة الإسكان بتعديل نظام الإسكان بما يتوافق مع الإجراءات الفنية والقانونية اللازمة لذلك وإقراره من مجلس الوزراء.

وبناء على هذا القرار الصادر من مجلس الوزراء صدر القرار رقم (909) لسنة 2015 بشأن نظام الإسكان  من وزير الأسكان بتاريخ 1 أكتوبر 2015م .

 فهل جاءت أحكام مواد قرار وزير الاسكان منسجمة مع الغاية والهدف التي كان يبتغيها قرار فصل راتب الزوج عن الزوجة ، أم اشتمل على تمييز ضد الزوجة ؟!

في واقعة حديثة تقدمت الزوجة بعد صدور قرار وزير الاسكان بطلب الحصول على قرض ترميم البيت الذي تملكه ، غير أن وزارة الاسكان رفضت الطلب بحجة أن راتب الزوجة مضافا إليه راتب الزوج يزيد عن الحد الاقصى  مستندة في ذلك على عدد مواد القرار الوزاري المشار إليه ومن ابرز هذه المواد نص المادة (67 ) التي تقضي بأنه ( إذا كان الطلب مقدماً من الزوجة أو من الزوجين اتفاقاً بينهما فيشترط ألا يتجاوز دخلهما معاً الحد الأقصى المسموح به للخدمة الإسكانية المطلوبة ) ، وأنه من الشروط التي يجب توافراها لقبول طلب تمويل الترميم في مقدم الطلب  حسب المادة ( 29 / 4 ) من القرار أن (ألا يقل دخله الشهري عند تقديم الطلب وعند التخصيص عن مائة وعشرين ديناراً بحرينياً ولا يزيد على ألف ومائتي دينار بحريني) .

إن التمييز ضد الزوجة يبدو واضحا جليا في نص المادة ( 67 ) من قرار وزارة الاسكان المشار إليها فهو يقرر جمع راتب الزوجة مع راتب زوجها كشرط ليس لقبول طلب تمويل الترميم فحسب بل لقبول جميع الخدمات الاسكانية التي نص عليها القرار والتي تشمل الحصول على مسكن عن طريق التمليك أو التأجير، أو تمويل شراء أو بناء مسكن وفقاً لنظام التمويل المعمول به في بنك الإسكان، أو الحصول على قسيمة سكنية، عن طريق أي من البرامج الإسكانية التي تقدمها الوزارة ، وذلك إذا كان الطلب مقدما من الزوجة أو الزوجين أتفاقا بينهما ، أما إذا كان الطلب مقدما من الزوج وحده فلا يسري عليه حكم المادة ( 67 ) من القرار الوزاري ويتم قبول طلبه على أساس راتبه فقط ، وذلك حسب نوع الخدمة التي يطلبها طبقا لمواد القرار المتعلقة بتحديد حد أدني وحد اقصى للراتب .

إن هذا التمييز ضد الزوجة الذي احتواه نص المادة ( 67 ) من قرار وزارة الاسكان رقم (909) لسنة 2015 ، لا يخالف أحكام الدستور فحسب بل المعايير والاتفاقيات الدولية ، ويتعارض مع بعض مواد القرار ذاته .

وحيث أن غايات دستور مملكة البحرين هو العمل على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين حسب نص المادة (9 / و ) منه والتي يتعين أن يهدف نظام الإسكان إلى تحقيقها بتقديم الخدمة الإسكانية دون تمييز بسبب الجنس عند تقديم الطلب وعند التخصيص ، وحيث أن المادة  ( 5/ب) من الدستور على أن تكفل الدولة مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة ومنها الحياة الاقتصادية والاجتماعية ،  فأنه يمكن القول أن المادة ( 67 ) من قرار وزارة الاسكان لا تنسجم ولا تتفق مع  أهم المواد الدستورية التي  نصت عليها)  المادة ( 18 ) من الدستور التي نصت على ان (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ) .

كما تخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يعترف بالحق في السكن اللائق في الفقرة 1 من المادة 11  ، التي نصت على أنه (تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية. وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق  ….  ) .

وحيث إن حق المرأة في السكن اللائق، بوصفه حقاً غير قابل للتصرف به ومتكاملاً وغير قابل للتجزئة من حقوق الإنسان كافة، فان نص المادة( 67 ) من قرار وزارة الاسكان المطعون فيه بعدم دستوريته يتعارض مع ما أُقِرَّت به، ضمناً وصراحةً، طائفة من الصكوك الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان. وبحق المرأة في السكن ، أهمها والأكثر صراحة ما ورد في الفقرة 2(ح) من المادة 14 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( السيداو)، التي تشير إلى حق المرأة في المناطق الريفية في التمتع بأوضاع معيشية لائقة، لا سيما فيما يتعلق بالسكن والمرافق الصحية والإمداد بالكهرباء والماء، والنقل والمواصلات. وما ورد من أحكام أخرى من اتفاقية ( السيداو ) توضح أن الحق في السكن اللائق يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بحقوق حيازة الأرض والممتلكات، وبإمكانية الحصول على التمويل. إذ تلزم المادة 13 من الاتفاقية الدول الأطراف بأن تتخذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وأن تكفل لها المساواة مع الرجل في الحق في الحصول على القروض المصرفية والرهون العقارية وغير ذلك من أشكال الائتمان المالي. كما تكفل المادة 15 من الاتفاقية للمرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في إبرام العقود وإدارة الممتلكات،. وعلاوة على ذلك، فإن الفقرة 1(ح) من المادة ذاتها تكفل نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بالملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض.

من ناحية أخرى يمكن القول إن معظم أحكام القرار رقم (909) لسنة 2015 بشأن نظام الإسكان قد أشتمل على تنظيم وتحديد حق المواطنين في الحصول الخدمة الاسكانية ، وهو حق لا يجوز تنظيمه وتحديده بموجب قرار بل بموجب قانون ، ومن ثم يكون هذا القرار جاء خلافا لمبدأ المشروعية و لنص المادة ( 31 ) من الدستور التي نصت على أنه ( لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه .  ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية ). ولا ينال من هذا القول ما جاء في ديباجة القرار على أنه قد صدر بعد الاطلاع على المرسوم بقانون رقم (10) لسنة 1976 في شأن الإسكان، المعدل بالقانون رقم (7) لسنة 2009، ذلك أن مواد هذا المرسوم بقانون وأن قررت وأنشأت حق المواطنين في طلب الخدمة الإسكانية غير أنه ليس في نصوصه ما ينظم أو يحدد حق المواطنين في الحصول على حق الخدمة الإسكانية ، وأن كل ما نص عليه هو ما يجب على وزارة الاسكان أن تقوم به تجاه من يطلب الخدمة .

بالبناء على ما تقدم نصل إلى القول إن نص المادة ( 67 ) من قرار وزارة الاسكان المشار حين قرر جمع راتب الزوجة مع راتب زوجها كشرط لقبول طلبها للحصول على جميع الخدمات الاسكانية عند الطلب وعند تخصيص، يكون قد خالف احكام الدستور وما نصت عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية على النحو الذي أشرنا إليه وشابه عيب في مبدأ المشروعية .