المنشور

إرهاب عابر للقارات

توالت في الأسابيع، لا بل في الأيام القليلة الماضية، عمليات التفجير والدهس وغيرها من ضروب الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين الأبرياء في المدن الأوروبية، وآخرها العملية التي أقدم عليها إرهابي من أحد بلدان آسيا الوسطى في العاصمة السويدية استوكهولم، وقبلها التفجير الذي شهدته إحدى محطات المترو بمدينة سانت بطرسبورج الروسية، وأدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا والمصابين، والذي سبقه، أيضاً، التفجير الذي تمَّ في بريطانيا، وأدى هو الآخر إلى وقوع ضحايا وإصابات.
يجمع بين هذه الأعمال الإرهابية أنها تستهدف المدنيين الأبرياء، من مواطنين وسياح وسواهم، ممن لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بسياسات حكوماتهم، ويشاء سوء حظهم أن يكونوا في الأمكنة التي يختارها الإرهابيون لتنفيذ عملياتهم الآثمة لحظة هذا التنفيذ، مما يكشف عن دناءة وجبن من يرتكبون هذه الجرائم، وخلوهم من السوية الأخلاقية والإنسانية.
أكثر من ذلك فإن هذا الإرهاب لا يميز بين البلدان التي يستهدفها، أي أنه لا يختار بلداناً بعينها كانتقام من سياساتها تجاه قضية من القضايا، وإنما يتوزع على كل البلدان بصرف النظر عن طبيعة نظامها السياسي والسياسة التي تتخذها الحكومات فيها تجاه ما يفترض أنه قضايا تعني هؤلاء الإرهابيين.
فالفروقات ليست قليلة بين موقفي كل من بريطانيا وروسيا، مثلاً، تجاه ما يجري في سوريا والعراق وغيرهما من البلدان العربية، ومع ذلك فإن الإرهاب لم يفرق بينهما، كساحتين مستهدفتين منه، ولم تسلم من ذلك دولة مثل السويد معروفة بسياستها الخارجية المتوازنة، وبنأيها عن التورط في صراعات خارجية لا تعنيها، وأكثر من ذلك هي واحدة من أكثر الدول الأوروبية المشهود لها في استيعاب المهاجرين الفارين من جحيم الحروب في مناطق التوتر كالعراق وسوريا، وقبلهما البوسنة وأفغانستان وغيرها، وهي جميعها، على ما نرى، بلدان عربية أو إسلامية.
يلفت النظر أيضاً أن الجمهوريات الآسيوية التي كانت في قوام الاتحاد السوفييتي السابق، قد غدت مورداً للانتحاريين، فالإرهابي الذي قتل أشخاصاً في ملهى ليلة رأس السنة الأخيرة في إسطنبول آتٍ من واحدة من تلك البلدان، وكذلك الحال مع من فجر نفسه في محطة المترو بسانت بطرسبورج، وأخيراً فإن من قام بعملية الدهس بشاحنة في استوكهولم هو الآخر أوزبكي الولادة والتنشئة.
إن هذا يؤكد أن الإرهاب أصبح ظاهرة عابرة للقارات، وهو يستهدف الجميع دون استثناء، كما أنه لم يعد ظاهرة محصورة بالبلدان العربية وحدها، وإنما غدا ظاهرة تستوعب جنسيات كثيرة من مختلف البلدان، بما فيها تلك التي طاب لها التفكير في توظيف الإرهاب في اللعب السياسية.