المنشور

عندما نلتزم بالإصلاح الإداري

إذا كانت الإدارة الحديثة – كما يرى خبراء الإدارة أسلوب يعتمد على بشكل اساسي على الموارد بشقيها البشرية والمادية، وتوجيهها وتنظيمها وفقاً لهيكليات ديناميكية تحقق الأهداف المرجوة بالشكل المطلوب في ظل التوظيف لأفضل لتلك الموارد، فإن الإصلاح الإداري كعملية إدارية تقوم على تحليل المشاكل الناشئة من المهام التي يجب ان تتمتع بصلاحيات واسعة، لان الإصلاح في رأي الدكتور حسين الشامي هو تطهير الشيء من الشوائب وإزالة افساده او عيبه او انحرافه، هو أعادة تكوين من جديد لأبعاد الخلل للحصول على أفضل الأشياء وعلى هذا الأساس هناك – ومن وجهة نظر لونغرود – من يحاول ان يعرف الإصلاح الإداري كمنهج سياسي مستمر موجه إلى ضبط العلاقات القائمة بين الإدارة والمجتمع…وهناك من يرى ان الإصلاح الإداري ليس غاية في ذاته وليس عملية معزولة عن محيطها أنما هو عملية مندمجة في المنهج العام للتغيير، حيث يجب ان يطال زوايا الجهاز الإداري وهيكليته وجميع تقسيماته دون استثناء.

يعرف الشامي الإصلاح الإداري بأنه عملية تكييف دائمة ومستمرة للبنى الإدارية ومهامها، مع مهام الدولة وهو مواكبة دائمة لروح التجديد والتحديث التي يتطلبها المجتمع، بأفضل الطرق والأساليب العقلانية لتحقيق الأهداف القائمة على اشباع حاجات المواطنين بأكبر قدر من الفعالية والكفاية.

مناسبة هذه المقدمة، ثمة تقدم ملحوظ في المؤشرات النوعية التي تحدد الكفاءة في استخدامنا للقوى العاملة والموارد المادية، والأكثر من ذلك كان هناك ما يدل على تطور الإدارة العامة في القطاعين الحكومي والخاص، وتحديداً المؤسسات الكبيرة ومع ذلك نظل بين الفينة والأخرى في امس الحاجة للإصلاح الإداري.

ويرتبط ذلك – في رأيه بمستجدات التحديث الإداري لتحقيق كفاية ادارية عالية، كما يجب ان تنصب الأهداف والاستراتيجيات على معالجة الخلل والانحراف ومكافحة الفساد والتسيب والرشوة، والأهم لقد اجمع علماء الإدارة على ان العنصر البشري أي الموظف هو عصب الجهاز الإداري وان كل مؤسسة عامة وخاصة تساوي ما يساوي الأشخاص العاملون فيها والإدارة المثالية هي تلك التي لا تضم في جميع مستوياتها إلا الأشخاص القادرين والنزيهين والمخلصين لمهامهم.

اذا كان كما يشير الباحث من الناحية الاكاديمية يعتبر الإصلاح الإداري عملاً تنظيمياً يتطلب إعادة نظر دائمة في الهيكل الإداري والنصوص القانونية والتنظيمية ووسائل العمل واساليبه وتفعيل الرقابة فان الإصلاح في الدولة وحدة متكاملة تشمل مختلف أوجه النشاط فيها فلا قيمة لأي اصلاح إداري، مالم يرافقه في نفس الوقت اصلاح سياسي واجتماعي.

ويعني ذلك ان اية محاولة لإصلاح الإدارة بمعزل عن اصلاح الأوضاع الأخرى سيكون مآلها الإخفاق ومن أجل ذلك لابد من تحقيق الإصلاح في مختلف المجالات وتهيئة القوى الوطنية لإنجازه.

صحيح أننا لا نقل من أهمية الرقابة السياسية والإدارية والقضائية، وهو ما انعكس على تطور الإدارة الحديثة، إلا ان بالإضافة إلى أهمية الرقابة والشفافية فان التصدي للمشكلات الإدارية يتطلب مسؤولية وطنية حريصة على إيجاد الحلول لكافة القضايا، إدارية كانت أم سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية.

وممكن القول ان بلادنا كفيرها من الدول النامية كلما اتسعت الحقوق على قاعدة المساواة والعدالة والديمقراطية كلما تحققت الأهداف والآمال الوطنية التي تهم الدولة والمجتمع ومصالح الوطن والمواطن الذي ينشد حياة أفضل وطالما الحديث عن الإصلاح الإداري الذي يتطلب تفعيل الرقابة تبرز الحاجة إلى إزاله وإلغاء البنى الإدارية القديمة التي ترفض التغيير والتحديث، واننا لا نستطيع محاربة المحسوبية والجمود واستغلال النقود وتحقيق مبدأ الجدارة والاستحقاق في تولي المناصب ومبدأ التأهيل والتدريب ما لم نربط الإصلاح بالتنمية الشاملة ونكافح الفساد الإداري وكل انحرافات تعطل عملية التغيير، أذ لا يمكن ان ينهض العمل الإداري في كلا القطاعين الحكومي والخاص دون حل المشكلات بين الإدارة والمواطنين، وتحسين الآلة الإدارية وممارسة الرقابة والمحاسبة دون محاباة وتستر او مؤثرات تفرضها العلاقات الخاصة القائمة على المصالح المتبادلة وهو ما يحدث في حالات عديدة تخص التعين والتوظيف والتقييم الوظيفي!!

وفي هذا الخصوص من المهم للغاية التأكيد على مبدأ تكافؤ الفرص الذي لا يقتصر على مجال دون آخر فهو كما يعرف: “أحد الوسائل التي تساعد على تحقيق العدالة وتقليل الهوة بين أطياف المجتمع” وقد سعت العديد من المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الانسان إلى ان تسجل تكافؤ الفرص كأحد الحقوق الأساسية من حقوق الانسان.

يرى ان أهمية هذا المبدأ يتيح لأفراد المجتمع توفير فرص عمل متكافئة ويزيد من إنتاجية العمل، ويبرز المواهب والابداع ويقلل من الخلافات والنزاعات التي تنتج عن غياب العدالة والمساواة والشعور بفقدان الحقوق!!

ويعتبر مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب مؤشراً هاماً لتزايد فرص نجاح أي دولة او منظمة او مؤسسة خاصة، واما عكس ذلك فانه يعد من اهم أسباب الفساد الإداري والمالي وفشل النظام الاقتصادي!!

ولترسيخ هذا المبدأ لا يتطلب الكفاءة والنزاهة والإخلاص في العمل والأمانة والخبرة والتحصيل العلمي فحسب وانما ايضاً الولاء الحقيقي للوطن، وترسيخ حقوق المواطنة المتساوية وسيادة القانون والعدالة بين مكونات الشعب المختلفة والالتزام بالواجبات واما عدا ذلك فان الإصلاح الإداري وغيره من الإصلاحات قد تتعثر وتمضي في طريق مسدود!!