المنشور

التفاوض

التفاوض هوعلم وفن وسلوك انساني راقي في أخذ القرارات الإدارية، أو في حل الخلافات بديلا عن الاستبداد أو المواجهات بين أصحاب المصلحة. عملية التفاوض تتم على شكل نقاش، فهي قد تتم بين الأفراد في مجالات عديدة مثل البيع والشراء أو في حل مشالكهم الشخصية أو الأسرية، أو تتم بين أرباب العمل والعمال والموظفين حول مصالحهم المشتركة، أو بين القوى السياسية حول تنسيق المواقف، أو بين قوى المعارضة والحكومة، أو بين الدول حول قضايا التنسيق في المواقف وعقد التحالفات الاستراتيجية، أو التفاوض على قضية قد تكون مصدراً للخلاف وتوتر في العلاقات، وسبباً مباشراً للنزاع السياسي الذي قد يصل إلى المواجهة العسكرية، أويتصاعد إلى خلاف قانوني، الذي على إثره يلجأ الطرفان إلى التقاضي أمام المحاكم الاقليمية أو قد يصل إلى التقاضي أمام المحاكم الدولية، كمثل الخلاف على الجزر أوعلى الحدود بين الدول.

ونظراً لأهمية عملية التفاوض وضرورتها في أخذ القرارات الناجعة، فقد أصبح التفاوض مهنة حرفية، ذات تقنيات ومهارات عالية، يكتسبها الفرد عبر الدراسات الاكاديمية، والخبرة العملية، والدورات التدريبية المتقدمة التي يحضرها المختصون في التفاوض. فقد عمدت معظم الجامعات حديثا إلى إنشاء قسم به أعضاء هيئة تدريس متخصصة، وإجراء البحوث والدراسات وورش التدريب في اساليب التفاوض. كما أولت المعاهد الفنية المتقدمة في العصرالحديث، إلى إنشاء أقسام متخصصة في الدراسات والتقنيات في مجال المفاوضات. وعمدت البنوك والشركات التجارية والاستثمارية وشركات التأمين، إلى توجيه جل عنايتها لمسألة التفاوض، وتدريب موظفيها من خلال الورش والدورات المتقدمة، أو توظيف افراد مختصين في قضايا التفاوض. كما ظهرت في أسواق الخدمات المالية العالمية شركات متخصصة في تقديم الاستشارات في شئون التفاوض، سواء في تطبيق التفاوض في مجال أخذ القرارات الإدارية لتصبح أكثر تسطحا لتوسيع سلسلة سلطة أخذ القرارات، لتسريع انسياب العمل وزيادة الإنتاجية والكفاءة والإبتكار وتحيق الجودة، بديلاً عن العمودية في أخذ القرارات من الأعلى إلى الأسفل، بطريقة إملاء الأوامر، وذلك من أجل أن تصبح بيئة العمل أكثر ديمقراطية.

كما يستخدم التفاوض في إجراء عقد الصفقات أو في حل المسائل المختلف عليها وحل النزاعات على مستوى المؤسسات، وهذا النوع من التفاوض يهدف إلى إنهاء الخلاف عبر التوصل إلى حل تقبل به اطراف النزاع حول مشكلة معينة.

           والتفاوض يوظف ايضا  في كثيرمن الأحوال بين الأطراف التي ترغب في إقامة شراكة استراتيجية سواء كان بين المستثمرين الأفراد أو بين الشركات أو بين الدول في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية. والهدف من هذا النوع من التفاوض هو الوصول إلى اتفاق يسعى إلى التعاون الذي يعزز المصالح المشتركة. أما اذا كان التفاوض يهدف مثلاً في حل الخلافات المعقدة مثل الخلاف على قضايا الحدود بين الدول وهي مفاوضات شاقة، فإن الغرض هنا من التفاوض هو انهاء الخلاف عبر التوصل إلى حل عقلاني يلبي مصالح اطراف النزاع. إذ لا يمكن إزالة النزاع أو التنكر له وإنما تغييره.

 ويقصد هنا تغيير الطريقة التي تتعامل فيها الأطراف بشأن الخلافات بحيث يتم اعتراف كل طرف بمصالح الطرف الأخر. أي بدلاً من الخصام المدمر، هو التوصل عبر التفاوض إلى حلول واقعية للمشكلات بين الطرفين على طاولة المفاوضات. وهي مهمة صعبة لكنها ضرورية لإستمرارية الحياة في فضاء من التفاهم و السلم والنماء.