المنشور

قراءة في واقع الحركة النقابية البحرينية (14)

تناولنا في الحلقة السابقة النهج الذي اتبعته اللجة التحضيرية لفرض الأمر الواقع وفق الأجندة الموضوعة لتأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين والآليات التي اتبعتها، وكل ما تم الاتفاق عليه في اللقاءات التي تمت بين الكوادر النقابية ورئيس اللجنة التحضيرية واللقاءات المكوكية التي قام بها ممثل منظمة العمل الدولية مع الطرفين، كان لكسب الوقت وإلهاء الكوادر النقابية عن ما يدور وما يخطط لاتجاه سير عمل المؤتمر.

ومع اتضاح ما كان مبيتا لأعمال المؤتمر التأسيسي وفي الفترة القصيرة المتبقية لانعقاده، اتسعت الهوة بين الطرفين وتفاقمت الخلافات مجددا بين النقابيين وانعكست بصورة مباشرة على العمل النقابي ومجريات الأحداث وعلى رأسها مشروع تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين هذا الحدث الذي كانت تتطلع إليه الطبقة العاملة البحرينية وتترقبه وكل آمالها أن يتكلل أعماله بالنجاح والسير قدما من أجل تحقيق أحلام وطموحات عمال البحرين في تأسيس حركة نقابية قوية متماسكة تدافع عن حقوقهم وتحسن ظروف معيشتهم وصيانة مصالحهم ومكتسباتهم وتوحد صفوفهم وجهودهم من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة حرة كريمة.

 

إعلان عن قيام كتلة الوفاق والعمل الوطني في المؤتمر

فقد كان المناخ العام والأجواء التي خيمت على مجريات المؤتمر التأسيسي جمعت بين خطاب نقابي مليء بالشعارات والمباديء العامة حول الديمقراطية والاستقلالية والوحدة وبين شعارات التهديد والوعيد ضد كل من يحاول “شق الحركة النقابية” التي كانت تردد بعبارات مختلفة “سوف نقبر” و”سوف نقوض” و”سوف نضرب بيد من حديد” وغيرها من العبارات التي كانت تجييش القاعدة العمالية ضد كل من لا يتفق مع توجهات كتلة الوفاق والعمل الوطني، خاصة وأن هذه الكتلة بانت ومنذ اليوم الأول للمؤتمر أنها قادرة وبالأغلبية التي بحوزتها على تمرير كل مواد النظام الأساسي بالصيغة التي ترتضيها وتستحوذ على كل مقاعد الأمانة العامة. ومع الأغلبية التي تمتاز بها هذه الكتلة وضمانها لتحقيق أجندتها، كنا نتوقع أن تمارس الديمقراطية بشكل حضاري خاصة وأن الأمور حسمت بمجرد الإعلان عن قيام الكتلة ولكن ما حدث ومن وقائع المؤتمر بدى واضحا أن الإقصاء والتهميش هو الأسلوب الذي أتبع بحق الكوادر النقابية (المعارضة) التي حاولت جاهدة تقديم الاقتراحات والتوصيات من أجل تطوير النظام الأساسي بما يخدم الحركة النقابية والعمال.

 

وللتدليل على ذلك كان الموقف من الاقتراحات المقدمة يتحدد بالأشخاص الذين يقدمونه وليس بمحتواها. فكلما قدم اقتراح كان المندوبين يسألون عن مقدمه وبناء عليه يتخذ الموقف منه. حقا لقد غاب العقل والإرادة الحرة للعمال في المؤتمر التأسيسي وحل محلها الموقف الأعمى حسب التوجيهات الصادرة عن الكتلة. ومن المقترحات المقدمة التي اسقطت، اقتراح بتشكيل لجنة تنتخب من المؤتمر مباشرة تكون مهمتها تسلم التقرير المالي والأدبي من الاتحاد العام لعمال البحرين ودراستها ومن ثم تسليمها للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين كعهدة وإبراء الذمة. والغريب أن هذا الاقتراح يسقط بحكم الأغلبية التي تمتلكها الكتلة ويتم في اليوم الثاني استدراك أهمية تسلم العهدة وإبراء ذمة الاتحاد السابق وتقديم اقتراح بإيكال هذه المهمة للجنة الرقابة المالية المنتخبة من المؤتمر.

كان هناك أيضا اقتراح بإلغاء لجنة التنظيم الداخلي لتداخل مهامها مع مهام المجلس المركزي وفي ظل هذه الظروف قررت الكوادر النقابية سحبه للقناعة بأنه سوف يسقط بالتصويت كغيره من الاقتراحات. وأثناء المداولات في أروقة المؤتمر بين النقابيين استدركت الأغلبية صحة الاقتراح وضرورة إلغاء هذه اللجنة وتم خلال  دقائق توجيه المؤتمرين بالتصويت لصالح إلغاء اللجنة وإحالة كل المهام الواردة في اللائحة الخاصة باللجنة إلى صلاحيات المجلس المركزي.

اقتراح آخر بزيادة عدد اعضاء الأمانة العامة إلى 15 عضوا الذي أسقط على الفور بتصويت الأغلبية من غير مناقشته والأسباب كانت معروفة وهي عدم الإخلال بالتوازنات السياسية داخل الكتلة.

من ضمن الاقتراحات التي قدمت من قبل الكوادر النقابية وكان مصيره السقوط اقتراح كحل وسط بين الكتلتين فيما يتعلق بانتخاب الأمانة العامة، وهو كما قدم “كون مؤتمرنا هو مؤتمر تأسيسي ولإنجاحه فأن الاقتراح هو أن يتم انتخاب الأمانة العامة من المؤتمر التأسيسي لهذه الدورة فقط على أن يتم تزكية أعضاء المجلس المركزي من قبل المؤتمر ويمنح صلاحيات المؤتمر ومنها محاسبة الأمانة العامة وحجب الثقة إن لزم الأمر”.

لقد كان مصير هذا الاقتراح كبقية الاقتراحات التي قدمت من خارج الكتلة المهيمنة وهو السقوط ولكن المفارقة أن جميع الأيدي في باديء الأمر رفعت لصالح الاقتراح ولم يمض وقت قصير حتى تم التلويح بالأوراق الصفراء من قبل أقطاب الكتلة كإشارة للمندوبين بإسقاط المقترح وفعلا تم ذلك وفي أقل من دقيقة بنزول الأيدي مما يدل على أن الإرادة الحرة للمندوبين كانت غائبة والإملاءات كانت حاضرة.

لو أن الاقتراح نجح لضمنّا على الأقل وكأضعف الإيمان أن نخرج من المؤتمر بهيئتين تملك صلاحياته وهما الأمانة العامة والمجلس المركزي وتجاوزنا مبدأ التعيين وأن يبدأ الاتحاد بممارسة مهامة بكامل هيئاته على غير ما هو حادث الآن حيث يعمل الاتحاد بهيئة واحدة وهي الأمانة العامة.

أثناء أعمال المؤتمر التأسيسي صرح لنا بعض النقابيين المحسوبين على الكتلة أثناء انعقاد جلسات المؤتمر أنهم يتفقون معنا في صحة مواقفنا وأطروحاتنا التي أعلناها من خلال مقتراحاتنا ولكنهم لم يكونوا قادرين على اتخاذ موقفا مخالفا لتوجهات الكتلة!! وهو ما يكشف أن قرارات المؤتمر التأسيسي لم تتخذ بإرادة المندوبين الحرة ومن منطلق القناعة وإنما من إملاءات خارجية أثرت على كل مجريات المؤتمر وهو جوهر تحفظاتنا عليها والتي أبديناها لرموز هذه الكتلة في حينه.

ظروف تشكيل تجمع القابيين الديمقراطيين

وخلال انعقاد المؤتمر كانت الكوادر النقابية المستقلة تتحاور مع أعضاء الكتلة المهيمنة على أعمال المؤتمر تعمل جاهدة للوصول إلى تفاهمات حول بعض مواد النظام الأساسي، وكانت تعقد اجتماعاتها أثناء فترات الاستراحة لتدارس ما يمكن عمله في المؤتمر لوقف بعض القرارات التي قد تؤدي إلى نتائج سلبية فيما لو تم اتخاذها، ولكن دون جدوى فالأمور قد حسمت من قبل الكتلة في اتجاه المضي قدما لما تم رسمه للمؤتمر التأسيسي وشكل الاتحاد القادم، وهو ما خلق شعور بخيبة الأمل والاحباط كان يدفع أكثر فأكثر في اتجاه المواجهة والتصعيد، وخرجت بعض الأصوات التي بدأت تنادي بالانفصال عن هذا الاتحاد والبدء العمل في تأسيس اتحادا آخرا وعدم الانصياع لهذه الكتلة وتوجهاتها.

لقد كان الأمر في غاية التعقيد والسؤال الذي طرح نفسه وبرز على السطح هو ما العمل؟ واستمر هذا الحال إلى ما بعد انتهاء أعمال المؤتمر وقيام الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، حيث تكثفت اجتماعات الكوادر النقابية وتواصلت بشكل يومي لتدارس ما يمكن القيام به، وفي هذه الأثناء بدأت الأصوات المنادية بالانفصال تتزايدت وأصبحت أكثر حدية.

استمر هذا الحال إلى مدة ثلاثة أسابيع كانت خلالها الكوادر النقابية تجتمع بشكل مكثف وبشكل يومي يتداولون فيما بينهم مختلف السيناريوهات المحتمل اتخاذها، وبدأت تتبلور فكرة تشكيل كتلة نقابية تضم كوادر نقابية مستقلة تعمل في إطار الاتحاد العام ولجانه المختلفة تراقب مساره وتنتقده إذا ما كان خاطئا وتطرح رؤاها في مختلف جوانب العمل النقابي. هذا ما تم في اجتماع بتاريخ 5 فبراير 2004م ضم مختلف الكوادر النقابية التي توحدت إرادتهم في سبيل العمل النقابي الجاد والمخلص للقضايا العمالية، وجاء في الإعلان عن قيام تجمع النقابيين الديمقراطيين:

“نعلن نحن النقابيون الديمقراطيون فى هذا اليوم الموافق (5 فبراير 2004م) قيام هذا التجمع الذى يشكل اطارا عاما لجميع المؤمنين بحرية العمل النقابى بعيدا عن انتماءاتهم الفكرية او السياسية او الطائفية او الاثنية ليكون هذا التجمع لجميع الذين يناضلون من اجل الحقوق العمالية والنقابية وصيانتها من اية تجاوزارت او تدخلات، بما يعزز ويرسخ استقلالية القرار النقابى ..

إن تجمع النقابيين الديمقراطيين يرفض المبدأ الذى يسعى لتحويل النقابات العمالية الى مجرد جماعات منفذة  لأوامر وتعليمات او توجيهات  سياسية او طائفية او فئوية، مما يتسبب في جمود أداء وفعل القيادات النقابية، وتبعدها عن المساهمة الفعلية في الحياة النقابية، وتؤدي بدورها الى سيطرة النزعة الفردية في العمل النقابى، ويحل التسلط محل الاقناع، ويجعل الاصلاح في بنية التنظيم النقابي مستحيلا، الامر الذى يحتم على تجمع النقابيين الديمقراطيين العمل لتأكيد وتعزيز الوعى بالحقوق النقابية والمعاشية للعمال وبأهمية الحياة الديمقراطية فى مؤسسات العمل النقابى ..

ان التاريخ النضالى لحركتنا النقابية يجعلنا نحن النقابيين الديمقراطيين ندرك أن جميع المقولات والشعارات حول استقلالية وحرية التنظيم النقابى لن تتحقق ما لم يتصدى العمال لتلك التجاوزات التى قد تحصل بسبب غياب الآليات والهياكل الدستورية التى تعزز دور النقابات واستقلالية قرارها النقابى، وهى شعارات تتوقف على الصيغ التنظيمية للحياة النقابية الداخلية من خلال الاطر والآليات التى تاخذ بمبدأ إحترام الارادة العمالية المستقلة من خلال الفهم الصحيح لآليات العمل النقابى التى تستند على المبادئ الاساسية لحرية العمل النقابى بعيدا عن الهيمنة السياسية او تدخلاتها وإملاءاتها لفرض إرادتها على القرار النقابى.”

أصدر تجمع النقابيين الديمقراطيين بيانا توضيحيا لمواقفه ودوره في الحركة النقابية مؤكدا على أن قيام تجمع النقابيين الديمقراطيين جاء كضرورة موضوعية فرضتها ظروف العمل النقابي في البحرين التي حتمت وجود إطار يجمع العمال والنقابيين على اختلاف انتماءاتهم العقائدية والفكرية والدينية والطائفية دون تمييز توحدهم القضايا العمالية والهم النقابي والوطني، إطار يضع على عاتقه مهمة مراقبة المسار النقابي ودعمه بكل الطاقات سواء بتثبيت النهج الذي يخدم مصالح العمال أو بالنقد لإصلاح أي اعوجاج في المسار النقابي. إطار يرسخ مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر وضمان حقوقه وحرية التعبير وعدم التهميش والإقصاء، ويؤكد على أن الاختلاف في العمل النقابي هو من مظاهر وجوده وتطوره ومن أسباب حيويته وتقدمه ونموه وتحسينه.

وانطلاقا من ذلك فأن تجمع النقابيين الديمقراطيين كما أعلن في بيان تأسيسه سوف يستمر في التعبير عن موقفه الناقد والمعبر عن مصالح العمال ويعمل من أجل نشر الديمقراطية في ممارسات الحركة النقابية وفي مختلف هياكلها ومستوياتها ساعيا لبناء حركة نقابية مطلبيه حرة مستقلة موحدة ديمقراطية. كما يرفض التجمع المبدأ الذي يسعى لتحويل النقابات العمالية إلى واجهات منفذة لأوامر وتعليمات أو توجيهات سياسية أو طائفية أو فئوية ، مما يسبب جمود أداء وفعل القيادات النقابية لارتهان إرادتها بإملاءات خارجية بعيدة عن المصالح العمالية والحياة النقابية، ويعمل من أجل ترسيخ وحدة الحركة النقابية والتصدي لكل محاولات النيل منها ومحاولات تهميش دور النقابات والنقابيين خاصة نقابات القطاع الحكومي التي تعاني من عدم اعتراف أجهزة الدولة بها وعدم التعامل معها مما يحرم قطاع كبير من الطبقة العاملة من حقهم في الدفاع عن حقوقهم وتحسين ظروفهم.

وقد أعلن التجمع في بيان تأسيسه عن الأهداف التي يعمل من أجل تحقيقها وهي:

  1. تعزيز الانتماء الوطني من خلال استقلالية القرار النقابي من كل التدخلات السياسية والهيمنة الطائفية والفئوية.
  2. الإيمان بحرية الرأي والرأي الآخر الذي يعزز الوعي بالحقوق النقابية ويرسخ الممارسات الديمقراطية في الحركة النقابية لتأخذ دورها في تعزيز الإصلاحات الديمقراطية والحقوقية في ظل سيادة القانون.
  3. العمل من أجل خلق حركة نقابية مطلبيه ترتبط بهموم العمال ومعبرة ومدافعة عن مصالحهم.
  4. العمل على تطوير نظم وقواعد العمل النقابي بالآليات الديمقراطية عبر المؤسسات النقابية.
    5. وضع المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والنقابية ذات الارتباط بهموم العمال المباشرة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. “

جاء في تصريح صحفي لعضو المجلس التنسيقي للتجمع ورئيس نقابة العاملين في البريد جمال عتيق:

وإن «تجمع النقابيين الديمقراطيين ليس موجها ضد أحد ويعترف بآلية العمل النقابي في الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وسيكون داعما لتوجهات الاتحاد وضمن هذا الالتزام».

وأضاف «إن العمل النقابي في البحرين يحتاج إلى الكثير من التحرك ووجود عدد من المؤسسات التي تدعم العمل النقابي من دون أن تمثل النقابات أو تلغي شرعية الاتحاد، مؤكدا ان الـ 47 نقابيا الذين اجتمعوا مساء أمس الأول وانتخبوا 10 أعضاء بالتزكية للمجلس التنسيقي للتجمع النقابي الجديد هم ممن عملوا في المؤتمر ومن الأعضاء المؤسسين ويتمتعون بعضوية الاتحاد».

وأكد عتيق ان هذه التجربة موجودة في مختلف دول العالم ولكن تحت مسميات مختلفة، وهي كتلة لديها مساهماتها وبعض تحفظاتها على بعض الأمور.

وقال عتيق: «لا ينبغي لأي أحد أن يقلق من هذا التشكيل، إذ إن التجمع يسعى إلى التعامل مع قضايا الحركة النقابية برؤية ناقدة مع أصحاب الشأن (أطراف الإنتاج الثلاثة)، مشددا على ان هذا التجمع ليس تجمع نقابات وإنما تجمع نقابيين». وأضاف إن «فكرة التجمع كانت موجودة قبل انعقاد المؤتمر وليست من نتاج أو نتائج المؤتمر». ويتقدم تعزيز الانتماء الوطني من خلال استقلالية القرار النقابي أهم اهداف التجمع والإيمان بحرية الرأي والرأي الآخر الذي يعزز الوعي بالحقوق النقابية ويرسخ الممارسات الديمقراطية في الحركة النقابية لتأخذ دورها في الاصلاحات الديمقراطية والحقوقية في ظل سيادة القانون (الوسط العدد 532 20 فبراير 2004م)

 

وقد عمل تجمع النقابيين الديمقراطيين، كما جاء في بيانه الأول، من خلال هياكل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مساندا له في كل تحركاته من أجل دعم النقابات العمالية وتقوية مواقعها دون تمييز بينها، وناقدا له في القرارات التي من الممكن أن تؤثر على العمل النقابي بشكل سلبي لا تخدم مصالح عمال البحرين، وفي هذا الخصوص سوف يأتي ذكر نشاطات التجمع وتأثيراتها في الحلقة القادمة.