المنشور

قراءة مغايرة للواقع السياسي في البحرين

أولا: مرحلة ميثاق العمل الوطني

في بدأية عام  2001  وتحديدا في فبراير منه إنتقلت البحرين من حقبة قانون أمن الدولة “السيئة الذكر” إلى حقبة العهد الجديد عندما صوت شعبنا على  ميثاق العمل الوطني في يوميي  الرابع عشر و الخامس عشر من شهر  فبرايرعلى ميثاق العمل الوطني باجماع شعبي، في حدث تاريخي لم تشهده  البحرين من قبل، وقبل التصويت  تم إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين وفيما بعد تم إلغاء قانون أمن الدولة.

هذهِ الحقبة في حياة شعبنا والحركة السياسية وتحديدا المعارضة شكلت نقلة نوعية وتاريخية وبالأخص عندما تم السماح للتنظيمات السياسية بأن تعمل بالعلن وإن كان تحت مسمى الجمعيات السياسية، وكانت تلك تجربة جديدة على الذين  ناضلوا ونشطوا  في ظروف العمل السري لعقود من السنين، وإذا بهم يعملون بالعلن  تحت مظلة القوانين النافذة في الدولة.

أصبحت كل القضايا موضع نقاش وجدل تحت الأضواء الكاشفة، لم تعد هناك  قيود  تقف حاجزاً أمام  كثرة التساؤلات، وقلة الإجابات، فهذا الواقع الجديد لم تتعود عليه المعارضة ولم تكييف معه  بالاستفادة مما اتاحه من هامش، من جهة،  والعمل على تطويره من جهة أخرى، خاصة وأنه كانت هناك قوى في الدولة ترفض الإصلاح السياسي والتغيير وتعمل على تعثره وتراهن على فشله.

كان على المعارضة قراءة ذلك الموقف السياسي بعمق وبوعي سياسي ناضج، وليس بشكل عاطفي بحيث لا تصبح شريكاً في انتكاسة العملية الإصلاحية من حيث تدري أو لا تدري لكي لا تدفع  الثمن باهظا  فيما بعد، كان عليها استيعاب تلك المقولة الفلسفية (بأن التراكمات الكمية تؤدى إلى تغيرات نوعية)،  حيث تأخذ الموقف الواضح الذي  سوف يحدد المسارات والخيارات والتحالفات في السنوات اللاحقة، بدل من أن نأتي اليوم ونتوقف  أمام (التراجعات الحادثة في المشهد السياسي الراهن)، ونحن لا نستطيع أن نفعل شيئاً  لوقف ذلك التدحرج  المتسارع  .

وبسبب عدم  تمكن المعارضة من التعاطي  مع تلك المستجدات والأحداث طوال الخمس عشر سنة الماضية، زادت الأمور تعقيدا ونحن  نعلم  بأن الطريق لم يكن سالكاً لها في كل المحطات بل وجدت العديد من المطبات والصعوبات وهي التي كان عليها أن  تحقق شيئاً  من برامجها السياسية .

 هل قرأت الواقع المحلي والإقليمي بشكل صحيح ودقيق، هل تمت الاستفادة من تجربة أحداث فبراير/ مارس  2011 والشرخ الوطني الذي حدث نتيجة تلك الأحداث، هل تم تقييم ومراجعة تلك الفترة التاريخية في حياة الشعب والوطن، رغم معرفتنا بحجم الانتهاكات لحقوق الإنسان  والممارسات المشينة التي حدثت للعديد من المواطنين ولازالت تداعياتها مستمرة.

في المنبر التقدمي أصدرنا  الوثيقة النقدية  بعد أحداث فبراير/ مارس 2011، التي شخصت واقع الأحداث والأخطاء التي برزت مما ساعد على الانشقاق والفرقة في المجتمع، وتوقفنا مطولا أمام عدم تمكن القوى الديمقراطية والتقدمية من توحيد صفوفها وطرح مرئياتها السياسية بصفتها قوى عابرة للطوائف ومختلف المكونات الفرعية.

في الاخفاقات والأخطاء السياسية تتحمل القيادات السياسية  المسؤولية وعليها ممارسة النقد والنقد الذاتي، لتعرف أين أخطأت  وأين أصابت، و تنظم  الورش والحلقات الداخلية  في الأطر التنظيمية  لتقييم الوضع السياسي والخروج بحلول واقتراحات تلامس الواقع.

ثانيا : التيار الوطني الديمقراطي

في الأشهر الثلاثة الماضية  نشطت جمعيات التيار الديمقراطي  من أجل المزيد من التنسيق بينها، حيث تمكنت من إقرار الوثيقة السياسية للتيار وعلى أثرها تم  اللقاء مع العديد من الشخصيات والفعاليات الوطنية التي تجاوبت مع ما جاء في الوثيقة ، كما أصدرت جمعيات التيار: (التقدمي ووعد والقومي)، العديد من البيانات المشتركة ونظمت الندوات والفعاليات الوطنية بصورة جماعية مما يؤكد حرص الجميع على إنجاز مهمة وحدة التيار الديمقراطي التي تأخرت طويلاً.

قبل سنوات نشرت  مقالاً عن الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية ، أقرأ هنا جزء منه :

“عندما يبشر التيار الديمقراطي بفكرة قيام الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية، فإنه يطرحها على أسس متينة وراسخة من خلال قيام المؤسسات الدستورية ووجود الأحزاب السياسية المدنية ومنظمات وهيئات المجتمع المدني القوية القادرة على التصدي للقوى الرجعية والتخلف والردة في البلاد، وهذا يتطلب وجود قوى ديمقراطية قوية وموحدة في المجتمع فهي صاحبة المصلحة الأولى في الدفاع عن أسس ومبادىء الدولة المدنية الحديثة التي تؤمن بالتعددية السياسية والفكرية وتطلق العنان لحرية الراي والتعبير، بما في ذلك في وسائل الإعلام بكل تنوعاته، وتتعزز فيها الحريات العامة والشخصية، وتنتفي فيها مفاهيم الإقصاء وإلغاء الرأي الآخر، ومن أجل مجتمع يتسع لجميع أبناءه ويضمن حقهم في الحرية التامة في التفكير والإبداع، ويحمي التنوع والتعددية في الثقافات والأفكار وأنماط العيش، ولا يحجر على الأفكار والقناعات للأفراد والجماعات المدنية ولا تتأسس فيه محاكم التفتيش لتحاكم الرأي والفكر والثقافة.

 

ثالثا: الوضع البحريني مرتبط بالوضع في المنطقة العربية

تعيش المنطقة أوضاعا سياسية في غاية السوء نتيجة لغياب الديمقراطية وانعدام الحريات العامة، وهذا يعود لأسباب عدة ، منها فقدان الثقة ما بين الشعوب والأنظمة السياسية الحاكمة، الحروب الأهلية والقبضة الأمنية، بروز تيارات الإسلام السياسي المتطرفة التي تمارس العنف والقتل والإرهاب ضد الأبرياء من المدنيين في العديد من بلدان المنطقة، تزايد العصبيات المذهبية والعرقية، غياب الوعي الثقافي والسياسي، التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة والتواجد العسكري الإمبريالي المتزايد فيها،  بدل أن يكون خليجنا  بحيرة سلام ووئام  يتحول إلى بحيرة حرب ودمار، على صعيد بلادنا ترتفع إسهم الخيار الأمني على حساب الحل السياسي الشامل الذي يضع بلادنا على السكة الصحيحة المؤدية إلى التحولات الديمقراطية والمواطنة المتساوية ، العدالة الإجتماعية واحترام حقوق الإنسان  .

ويزيد من ضرورة ذلك تردي الحالة الاقتصادية  وتراجع الوضع الاقتصادي، خاصة مع استمرارتدهور اسعار النفط الذي يمثل اكثر من 85% من دخلنا الوطني والزيادة غير المسبوقة في الدين العام وتوقف او تأجيل العديد من المشاريع الحيوية، وما نشهده من تردي مستوى القطاعات الخدمية كالاسكان والتعليم والصحة والبنية التحتية.

كما  ان تضخم الرقم الحقيقي للبطالة في ظل تراجع الاستثمارات والفرص أمام الشباب وهذه حالة تعيشها المنطقة الخليجية والعربية بشكل عام إلا ان تأثيرها علينا في البحرين بات محسوسا ومؤثرا جدا، وهذا مؤشر يجب عدم اهماله لأن له دوافع وارتدادات امنية واجتماعية لا شك اننا جميعا نتلمسها ونراها بالعين المجردة ومن الخطأ  الفادح الهروب بعيدا عنها.

بالامكان التغلب على الكثير من مشاكلنا القائمة عبر تحقيق الجدية المطلوبة في مشروع الشراكة الوطنية وهذا يتطلب  تحقيق جملة التفاهمات وتحديد أولويات المرحلة القادمة وعدم الاستسلام لانتظار الحلول التي تنتظرها قضايا المنطقة فهذا الأمر من شأنه ان يعقد الأمور اكثر مستقبلا.  نحتاج لرحابة صدر  وحكمة من الجميع تخرجنا من حالة  المناكفة والالغاء والانقسام والتي يعرف الجميع ان منشأها كان سياسيا في الأساس وتسبب في حالة مدمرة من الانقسام والتنافر وتعميق انعدام الثقة والتباعد بين مختلف الأطراف، وهنا كم نحتاج للحكمة والموضوعية وأن يوظف الإعلام بشكل يساعد في العبور نحو واقع أكثر إيجابية وليس كما هو حاصل الآن، فالاعلام من صحافة وتلفزيون ووسائل تواصل اجتماعي لا يساعد أبداً في الوضع الراهن للخروج الى اجواء ايجابية ولابد من لجم القوى المستفيدة من تأزم الأوضاع فمستقبل الوطن أهم وأغلى من ان نضيعه في مهاترات اعلامية وصخب مدمر.

اما بالنسبة للخطاب السياسي والاعلامي للجمعيات فيجب ان يتفهم طبيعة الأزمة بصورة تختلف عما كان عليه الوضع عندما بدأت، وهنا يمكن القول ان المراهنة على المراجعات والمقاربات التي يجب ان تقوم بها الجمعيات المعارضة والقوى السياسية بشكل عام هي التي ستقود لخلق تفاهمات ووعي يتسم بايجابية ينتظرها الجميع ، بل لابد من القول ان استعادة الثقة ايجابية تساعد على الخروج من حالة التأزم، وهذا الأمر مرتبط  بمدى مرونة وايجابية الخطاب الرسمي .

إن صلب القضية الوطنية  هوالشراكة في صياغة قرارنا الوطني وفي تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان وتبقى التفاصيل في كل تلك المسائل مرتبطة بالقدرة على تقديم المصلحة الوطنية واحترام المواطنة والدستور وما توافق عليه الشعب  في ميثاق العمل الوطني وما تلزمنا به تعهداتنا الدولية.

رابعاً: كيفية استعادة الثقة

كل تلك الامور التي اسلفناها  تبقى أساسا مهما لاستعادة عوامل الثقة بين أبناء الشعب الواحد، فالمراجعات في الخطاب السياسي مهمة  ولجم الاعلام المنفلت ضرورة  وخلق أجواء اكثر ايجابية وتعزيز مشاريع الوحدة الوطنية قولا وعملا وممارسة على الأرض تبقى على جانب مهم من حالة التعبئة الايجابية المطلوبة .

 لا يجب أن يتخوف احد من الحل السياسي الذي يحقق العدالة للجميع ويسير بالوطن للأمام ويخدم الحاكم والمحكوم على قاعدة الانتماء للأرض والوطن  واحترام المواطنة ورفض أي مغالبة أو تدخلات خارجية فلكل يريد  الحل السياسي، هناك ضوابط والتزامات يمكن التوافق حولها والتدرج فيها ورسم مراحل لبلوغها بحيث تتعزز عوامل الثقة وتترسخ مسؤليات الأطراف المعنية مع الوقت.