المنشور

أبو القنابل وأمها

كانت اليابان في نهايات الحرب العالمية الثانية في حكم المستسلمة أمام الحلفاء، ولم تكن هناك أي ضرورة عسكرية لقصفها بالقنابل النووية في هيروشيما وناجازاكي في أغسطس/ آب 1945.
صحيح أن رئيس وزراء اليابان سوزوكي تمنّع في حينه عن قبول إعلان مؤتمر بوتسدام المُطالب باستسلام اليابان استسلاماً كاملاً بدون أي شروط، لكن لم يكن الأمر يقتضي القصف النووي الذي أوقع الأهوال في صفوف المدنيين الأبرياء.
لم يكن هدف الرئيس الأمريكي يومها، هاري ترومان، إلحاق الهزيمة باليابان المنهزمة أصلاً، وإنما توجيه رسالة قوية للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين بأن نهاية الحرب التي كان هذا الأخير هو أكبر المنتصرين فيها، لن تعني أن الدروب أمامه باتت سالكة.
قرأ ستالين الرسالة جيداً، لكنه لم ينحنِ أمامها، فكان أن جمع خيرة العلماء السوفييت وبصرامته المعهودة ووضعهم أمام الخيار الصعب الذي لا بد منه، وفي أقصر مدى زمني ممكن: اصنعوا قنبلة نووية سوفييتية.
وهذا ما كان، فقد استنفرت الأدمغة والمختبرات ولم يمض وقت طويل حتى نجح ستالين في تحقيق ما وصف من يومها: التوازن النووي، مفسداً بذلك خطة التفوق الأمريكي، التي أرسل الأمريكان الرسالة إليه حولها من خلال قصف اليابان.
ليس دونالد ترامب هو هاري ترومان وليس فلاديمير بوتين هو جوزيف ستالين، وليس الزمن هو الزمن نفسه. ولكن لو دققنا في الأمر، سنجد أن التفكير في البيت الأبيض وفي الكرملين ما زال هو نفسه.
الوافد الجديد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب المأخوذ بفكرة أمريكا العظمى التي يرى أن صورتها اهتزت، يريد أن يثبت أن لديه من الحزم ما كان لدى هاري ترومان، حتى لو لم يبلغ الأمر مبلغ إلقاء قنبلة نووية على كوريا الشمالية مثلاً أو على غيرها من «الدول المارقة». والماسك بمقاليد الأمور في الكرملين فلاديمير بوتين ليس من طراز القادة الذين يملى عليهم، وهو الآخر مأخوذ بنموذج القادة السوفييت الذين كانت هزة إصبع الواحد منهم أمام طابور العرض العسكري في الساحة الحمراء تجعل العالم يحبس أنفاسه.
لذلك وبمجرد ان أعلن ترامب عن إلقاء القنبلة العملاقة التي قيل إنها تزن نحو أحد عشر طناً على موقع لـ «داعش» تحت الأرض في أفغانستان، قتلت منهم تسعين رجلاً، مطلقاً عليها لضخامتها وشدة فتكها ب «أم القنابل»، حتى أتى الرد من موسكو: «لدينا قنبلة أقوى منها بأربع مرات»، وفي مخاطبة مباشرة لواشنطن: إذا كانت لديكم أم القنابل فلدينا أبو القنابل.
أدرك بوتين أن التباهي الأمريكي بتلك القنبلة لم يكن هدفه ترهيب «داعش»، وإنما ترهيب موسكو، فحذا حذو ستالين في رده على ترومان.