المنشور

ورقة الرفيق يحيى المخرق في ندوة “الضمان الصحي وتجارب الدول”

العلاج لن يبقى مجانياً

ورقة الرفيق يحيى المخرق عضو القطاع العمالي والمهني بالمنبر التقدمي

أعلن المجلس الأعلى للصحة منذ فترة طويلة عن مشروع للضمان الصحي واقتصرت التصريحات المتكررة على معلومات مقتضبة اهم مافيها ان البنك الدولي هو مستشار المجلس في اعداد القانون الذي سيغير بشكل جذري نظام الرعاية الصحية في البحرين.

مؤخرا اصدر تصريحان (1) فيهما بعض رؤوس الاقلام التي اعطت رؤية اولية لمشروع القانون وفي هذا المقال نستعرض بعد التقديم ملامحه الاولية والتوقعات لطريقة تطبيقه ونتائجه المتوقعه وأخيرا الموقف من القانون.

أول: مقدمة عن التأمين الصحي:

التأمين الصحي يصنف في سوق التأمين بانه «منفعة للموظفين» “Employee Benefits”  يقوم رب العمل بتوفيره للموظفين كأحد المنافع الأضافية أو غير الالزامية التي يهدف من خلالها رب العمل الى جذب الموظفين أو المحافظة عليهم من الانتقال لرب عمل آخر. ومن الصور الأخرى لمنافع الموظفين؛ التأمين على الحياة، برامج الإدخار والتقاعد وغيرها. تاريخيا بدأت الشركات الكبرى أولا في تقديم التأمين الصحي لموظفيها وحاليا لحقت بهم العديد من الشركات العائلية والمؤسسات الصغيرة.

كما ان شركات التأمين انتبهت لرغبة العديدين -من من يتركون العمل في شركاتهم- للحصول على التأمين الصحي فردياً فقدمت التأمين الصحي الفردي الذي يمكن شرائه لشخص واحد او للعائلة. وبحسب التقرير السنوي لمصرف البحرين المركزي فأن أقساط التأمين الصحي وصلت في العام 2014 الى 48.6 مليون دينار.

وللتأمين الصحي العديد من المميزات والعيوب، انظر جدول رقم (1). ومن اهم مميزات التأمين الصحي؛ استخدام المستشفيات الخاصة ومرافقها ومميزاتها والاستغناء عن المرافق الصحية الحكومية وبئس خدماتها ومن اهم عيوبها انك تتحمل بشكل مباشر جزء من التكلفة على شكل ملبغ التحمل وغير مباشر على اعتبار ان تكلفة التأمين الصحي تحتسب من ضمن تكلفة استخدام العامل والموظف أو تكلفة الموارد البشرية.

بعض مميزات وعيوب التأمين الصحي

العيوب

المميزات

مبلغ تحمل دائما

استخدام القطاع الخاص

تكلفة عالية

خدمة سريعة

غلبة الهدف التجاري لدى المستشفيات الخاصة كمؤسسات هادفة للربح واحيانا لدى بعض الأطباء.

رعاية عالية

بعض الاطباء مطلوب منهم Target أو هدف مادي.

الطمأنينة في توفر العلاج  وتوفر الادوية

عدم شموله لكل احتياجات المريض ووجود العديد من الاستثنائات

توفر الاجهزة الحديثة وتقنيات متقدمة

تغطية محددة: عندما ينتهي حد التغطية السنوي – لا علاج

يشمل العلاج في الخارج (اختياري)

                                         جدول رقم (1)

ثانيا: ملامح المشروع وطريقة التطبيق والتوقعات:

1. رسوم على الخدمات الصحية:

في أكثر من تصريح تم ذكر وجود رسوم على الخدمات الصحية ونتوقع ان تكون الرسوم على ثلاثة أشكال؛ الرسوم السنوية ما يقارب رسم الاشتراك السنوي في التأمين الخاص، ورسم في شكل مبلغ التحمل وهو مبلغ يدفعه المريض (5 دنانير على سبيل المثال) يتحمله في كل زيارة الى المستشفى، ونسبة تحمل (تتراوح بين 10% الى 20%) وهنا يتحمل المريض نسبة من القيمة الكلية للعلاج.

2. الأختيار بين المراكز الصحية الحكومية والمستشفيات والعيادات الخاصة.

يبشر المسؤولون بأن برنامج الضمان الصحي سيمكن مشتركي الصندوق من الحصول على الخدمات الصحية من المراكز الصحية الحكومية أو المستشفيات اوالعيادات الخاصة مع الأشارة الى ان استخدام القطاع الخاص يسترتب عليه تحمل جزء من تكلفة العلاج أو بمعنى آخر مبلغ او نسبة التحمل.

3. انضمام الزامي للمواطنين وغير المواطنين وتمويل الصندوق:

ذكرت التصريحات ايضا ان الانضمام الزامي للصندوق للمواطنين وغير المواطنين ويمول الصندوق من ثلاث اوجه؛ الاشتراكات وحددت التصريحات جزئين من الاشتراكات وهي لغير البحرينين وتكون رواتبهم أقل من 400 دينار فتكون رسومهم 72 دينار ويتحملها رب العمل والبحرينين ستتكفل الحكومة بدفع رسومهم المقدرة بـ 550 دينار سنويا بينما لم توضح التصريحات اشتراكات غير البحرينين وتكون رواتبهم أكثر من 400 دينار.

والوجه الثاني للتمويل هو الرسوم وأعتقد ان الرسوم المعنية هي الرسوم التي شرحناها سابقا في نقطة رقم (2). اما الوجه الثالث فهو اقتطاعات اصابات العمل التي تحصلها الهيئة العامة للتأمينات الأجتماعية، ومن الضروري في حينه المراجعة القانونية للطريقة التي سيتم تحويل المبالغ فيها من الهيئة الى الصندوق فلا يصح ان تحول المبالغ بأكملها الى الصندوق بل يجب ان تدفع الهيئة تكلفة علاج المؤمنين المحتاجين للعلاج جراء اصابات العمل فقط.

ومن غير الواضح ان كان المشروع يلزم الحكومة بدفع اشتراكات المواطنين ام انها خطوة تكتيكية مؤقته لا قرار استراتيجي.

4. تسيير ذاتي للمراكز الصحية الحكومية:

ذكرت التصريحات ايضا ان المراكز الحكومية الصحية المنتشرة في كافة المناطق ستعمل وفق التسيير الذاتي وهو مايعني ان المراكز لن تحصل على ميزانياتها التشغيلية كما هو معمول به حاليا بل ستقوم بأرسال فواتير تكلفة علاج المرضى الى صندوق الضمان لتحصيلها وعليها العمل على تغطية تكاليفها بهذه الطريقة. بمعنى آخر ستعمل هذه المراطز كما تعمل المستشفيات والعيادات الخاصة ومن ايجابيات هذا النظام ان المراكز سيكون عليها رفع كفائتها ومستوى خدماتها لجذب المرضى بعكس التعامل الحالي وسلبيتها تكون سلبيات المستشفيات الخاصة من هدف تجاري يطغى في الكثير من الاحيان على الاهداف النبيلة لمهنة الطب.

5. سلة الزامية وأخرى أختيارية:

يبدوا ان المشروع سيكون فيه جانب الزامي وجانب أختياري ونتوقع ان تكون السلة الالزامية مقتصرة على خدمات الصحة الاولية بينما تترك خدمات أخرى ربما تكون مثل علاج الاسنان الروتيني والحمل والولادة ورعاية العيون والبصر وغيرها في سلة اختيارية يمكن الاشترام بها لدى الصندوق أو شركات التأمين الخاصة.

الخلاصة والموقف:

لا اعلم حقيقة التشريع الذي تم على اساسه تاريخيا تقديم الخدمات الصحية المجانية الى غير البحرينين وفي اغلب دول العالم يكون على رب العمل تحمل تكلفة الرعاية الصحية للعمالة المهاجرة أو دفع رسوم اشتراكهم في انظمة الرعاية الصحية في البلد.

ويقدم المشروع فصلا طبقيا لمستحقي الخدمات الصحية. عندما يميز بيب المواطن وغير المواطن ويقسمهم حسب مدخولهم الى فئتين ويحرم الفئة الأضعف التي لا تتجوازب رواتبها 400 دينار من السلة الاختيارية. ويقف خلف هذا التمييز دوافع حقيرة لاتريد ان يحصل هؤلاء العمال وهم يشكلون 91% من القوى العامية غير البحرينية في القطاع الخاص وما يقارب 70% من مجموع القوى العاملة عامة.

الهدف الأساسي من تشريع هذا النظام الجديد هو رفع مستوى الخدمة الصحية المقدمة حكوميا وتخفيض التكاليف وهذا أولا أعتراف ضمني حكومي بسوء مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة ويشتكي منها المواطنون وثانيا ينم عن عجز الحكومة عن الأدارة السليمة فضلا عن علاج الخلل وأخيرا نرى ان هذه الأهداف يمكن ان تحقق من خلال ادارة رشيدة ومتطورة تطبق العلوم الادارية من اجل تحقيق مستوى راقٍ من العناية الصحية دون الحاجة الى هذه التغييرات الجذرية.

البنك الدولي هو مستشار الدولة في وضع القانون وربما تطبيقه ودائما ما كانت سياسياته ضد المواطن وتكلمنا في ندوات ومقالات سابقة عن سياسياته.

المشروع يحمل المواطن جزء صغير من التكلفة اليوم ونعتقد ان الهدف غير المعلن رفع هذا الجزء مستقبلا من خلال اعداد البنية التحتية التي تمكن مدير الصندوق من تقدير الاشتراكات المطلوبة من المواطنين ويمكن من رفع الدعم الحكومي مستقبلا وهذا ما لا نشك فيه ابدا ونرى انه قادم لا محالة في المدى المتوسط الى البعيد.

أرى ان هذا المشروع قصير المدى والرؤية وعلى المدى البعيد سيضر المواطن وبالأخص المواطن ذو الدخل الضعيف.

يجب علينا التصدي لهذا المشروع والعمل على تحسينه وضمان حقوق المواطنين الدستورية والقانونية والمذكورة في العهود الدولية التي وقعت عليها الدولة (2) حتى لا نرى موطنينا والمقيمين يموتون على ابواب المستشفيات لعدم قدرتهم على دفع تكاليف العلاج والاشتراك في الصندوق وربما تكون هذه المهمة صعبة خصوصاً اذا نظرنا الى ايجابيات المشروع على المدى القصير مثل استخدام المستشفيات الخاصة وتجويد خدمات القطاع العام.

الهوامش

(1) انظر (أ) “الاعلى للصحة”: الحكومة لا المواطنون ملزمة بأشتراكات “الضمان الصحي” ، صحيفة الوسط البحرينية، العدد 5045، الخميس 30 يونيو 2016

(ب) “خدمات النواب”: “الضمان الصحي” سيكون الزاميا ولارسوم على البحرينين، صحيفة الوسط البحرينية، نفس المصدر السابق

(2) ارجع الى الورقة المقدمة من الرفيق المحامي محمود ربيع في ندوة المنبر التقدمي: “الضمان الصحي ماله وما عليه”، على قناة المنبر التقدمي على اليوتيوب، 17 يوليو 2016.