المنشور

ترامب في المنطقة

بالنسبة لنا كشعوب عربية، ليس هناك ما يبهج في نتائج زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، فهو سيعود إلى بلاده محملاً بالغنائم من صفقات وأموال، تعينه على مواجهة تعثراته الداخلية الكثيرة، وارتباكاته هو وإدارته في الأداء أمام حملات النقد التي تواجهه، فيما ستظل منطقتنا مشتعلة بالحروب والفتن الطائفية والمذهبية وغارقة في الدماء، وأسيرة تجاذبات المصالح والصراعات الإقليمية، فيما قضية الشعب العربي الفلسطيني تبعد أكثر فأكثر عن فرص الحل المشرف الذي يضمن للفلسطينيين كرامتهم وحقهم في الخلاص من الإحتلال وإقامة دولتهم الوطنية المستقلة وصاحبة السيادة على أراضهم.

أكثر من ذلك فإن ترامب يعود بجيوبه المليئة في الوقت الذي ما زالت فيه أسعار النفط الذي تعتمد عليه دول منطقتنا كمصدر يكاد يكون وحيداً في عائداتها في تراجع، دون أن يلوح في الأفق أي أمل في أن تنهض مجدداً من سقوطها المريع، ما يستلزم المزيد من الاجراءات التقشفية القاسية التي ستفرض على شعوب المنطقة على شكل المزيد من الضرائب والرسوم والمكوسات المباشرة وغير المباشرة، والمساس بالضمانات والخدمات الاجتماعية المهمة، التي هي بمثابة الحقوق المكتسبة التي لم تتخيل شعوبنا أن يجري النيل منها يوماً.

في كلمات أخرى فإن شعوب المنطقة في أمس الحاجة اليوم، أكثر مما كانت عليه في السابق، في أن يجري صون الثروات وتوظيفها في مشاريع انتاجية، وللحفاظ على مستوى المعيشة المتحقق الذي هو جزء من حق هذه الشعوب في ثرواتها الوطنية، كما هي حق لأجيالنا القادمة  بعد نضوب هذه الثروات أو تآكلها أو تناقص أهميتها في السوق العالمية.

ما يحتاجه العالم العربي حقاً هو بلورة موقف عربي متماسك يكون في مستوى الندية إزاء مختلف التجاذبات والمشاريع الاقليمية والدولية، موجه لحماية هذه المنطقة وشعوبها مما يتهددها من أطماع، وفي مقدمتها الخطر الصهيوني الذي يزداد خطورة مع ضعف العالم العربي وتمزقه وغرقه في المحن والحروب الأهلية، ما يغري الصهاينة من جهة،  والقوى الإقليمية في أنقرة وطهران بتوسيع نفوذها فيه.

وهذا يتطلب إطلاق طاقات الشعوب العربية وتمكينها من المشاركة في القرار وفي الثروة، كي تكون سداً منيعاً بوجه هذه الأخطار، لا الاعتماد على الدول الكبرى الباحثة عن مصالحها، والتي لا تكن لبلدان هذه المنطقة وحكوماتها أي تقدير، وهو ما يعكسه الخطاب العنصري لترامب نفسه المتعالي على العرب والكاره لهم، ومجاهرته بأن هدفه هو الاستحواذ على الثروات العربية وتوظيفها في التغلب على ما تواجهه الولايات المتحدة من عجز.