المنشور

كيف سنعالج مرضنا الصحفي إذا لم نقر بوجوده؟

في الأزمات تزداد الحاجة للصحافة الحرة

كيف سنعالج مرضنا الصحفي إذا لم نقر بوجوده؟

نحتفل في كل عام بيوم الصحافة ونتطرق إلى قانون الصحافة المستعصي على الصدور والذي تماطل الحكومة في إصداره عاما بعد عام، عبر ابقاءه أداة ضبط وسيطرة على الصحافة والنشر، في حين يتمنى الصحفيون والنواب تحديثه واصداره بنسخة منقحة وجديدة وخاضعة لمبادئ ومعايير حرية التعبير، لكن اذا تأملنا في الأمر فسوف نجد أن القانون وحده ليس هو السبب الوحيد في تراجع ترتيب البحرين صحفيا وفق ما تقول منظمة فريدوم هاوس، ومراسلون بلا حدود.

 إن السبب يعود إلى حالة الطقس السياسي المتذبذبة، فإذا كنا في حالة حراك سياسي صحي وسليم وانفراج وتحاور وتشارك مجتمعي وإن كان نسبياً، انعكس ذلك إيجابا على الصحافة وإذا تراجع الحراك السياسي تراجعت الصحافة وزادت الضغوطات على حرية التعبير، ولا ننسى انه في أعوام 2006 و2008 تحسن ترتيب البحرين وجاء ترتيبها في تصنيف البلد الحرة جزئيا، وذلك تطور لافت، وهو يؤكد ما سبق أن أشرت إليه من علاقة طردية بين الانفراج السياسي وحرية الصحافة.

 والآن وبعد مرور أكثر من 14 عاما على صدور قانون رقم 47 لعام 2002 لا يلوح في الأفق أن هذا القانون سوف يتغير، فبعد كل المطالبات والدعوات لتغييره سواء جاءت من قبل الصحفيين أو النواب أو نشطاء حقوق الانسان والمجتمع المدني فقد بقى القانون المليء ببنود القيود وتغليظ الأحكام على مجمل الحريات الصحفية، وبموجبه عوقب وأعتقل الصحفيون في 2011 وما بعدها، وقد أشار اليه تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق والذي أفرد فصلاً كاملاً عن الانتهاكات التي لحقت بالصحافة والصحفيين في تلك الفترة، وسواء اعترفنا بوجود ازمة سياسية راهناً او بزوالها وعدم وجودها فإن القانون بقى على حاله، وهو إن دلَّ على شيء فهو خشية الدولة من الصحافة ومن الكلمة الحرة .

ثانيا: من البديهي أن يقوم أصحاب المهنة والعاملون فيها وحتى الجماهير الذين تخاطبهم هذه الصحافة بقرع جرس الإنذار في حالة تراجع درجات وترتيب هذا البلد أو ذاك صحفيا، لكن المفارقة هنا هو هذا التجاهل وحالة الإنكار وعدم الاعتراف من قبل إعلامنا الرسمي وصحفنا المحلية بهذا الترتيب المتدني، إذ لا ينشر التقرير الدولي إلا في صحيفة واحدة هي صحيفة “الوسط” وكأن الامر لا يعنيهم، أو أنهم على ما يبدو راضين بوضعهم وبالسقف المحدود المسموح لهم بالتحرك فيه، وحسبهم أن ينالوا الرضا الحكومي وتدفق الإعلانات  في تماهِ تام مع النظام السياسي وإلغاء تلك المسافة الهامة والضرورية بين السلطة والصحافة من أجل الإبقاء على استقلالية المهنة التي بدونها يصعب التحدث عن صحافة حرة، ربما لأنهم يعتبرون أنفسهم مجرد مشاريع تجارية لا يشغلها غير الربح والخسارة الماديين وليست مشاريع إعلام وتنوير وشفافية ومصارحة.

 وليس هذا فحسب بل أن مؤشر الحريات العالمي للصحافة والذي يقيس مستوى الحريات في كل دول العالم ومن ضمنها البحرين يثير حفيظة صحفنا المحلية سنوياً فتنبري لمهاجمته والتشكيك في موضوعيته، فكيف سنعالج مرضنا الصحفي المزمن اذا كان ننكر وجوده بالأساس ؟

ثالثاً:  خلال فترة سيادة قانون أمن الدولة تم تقييد الصحافة بشكل كبير وكان قانون الطباعة والنشر في تلك الفترة شديد التضييق على الحريات بل جرى اعتبار الصحافة الناقدة بوصفها أداة مشاغبة، تعمل على تعطيل مسيرة التنمية، لكن بعد عام 2002 ومع مطلع المشروع الإصلاحي وفي سنواته الأولى انتعشت الصحافة رغم صدور قانون صحفي أسوأ من القانون السابق بل أنه لا ينسجم ولا يتوافق مع مرحلة الإصلاح السياسي وكان شديد الارتباط بقانون العقوبات، فإذا لم يعاقب الصحفي بموجب الأول جرى عقابه بموجب الثاني، وإذا حمى الصحفي نفسه بالرقابة الذاتية في الصحافة الورقية تم عقابه في الصحافة الالكترونية، لكن مع ذلك جدير بنا القول إن صحافتنا تنفست بعض هواء الحرية في عدد محدود من السنوات، فشهدنا انفتاحاً صحفياً، واعتبرت الصحافة في هذه الفترة رافعة لهذا المشروع السياسي الجديد، فازهرت الصحف وتشجع رأس المال لخوض غمار التجارة الصحفية وتم انشاء صحف جديدة وساد التنافس الصحفي وارتفعت أجور الصحفيين وعرفنا ربيعا صحفياً جميلاً وإن كان ككل الأشياء الجميلة قصيرا، لا بل انه انتهى اإى كارثة بعد أزمة 2011 وما تلاها من إشكالات ضربت الصحافة في مقتل ولا نزال نعاني من آثارها لغاية اليوم، وبموجب قانون الصحافة السالف والمغضوب عليه صحفيا عوقب الصحفيون واعتقلوا وتعرضوا للتعذيب والانتهاكات، لقد احتاطت الدولة لنفسها بالإبقاء على ذلك القانون ليوم الضرورة.

رابعا: هل نتحدث عن صحافة اليوم الورقية دون الإشارة إلى عالم الفضاء الاجتماعي وصحافة الزمن الرقمي الذي نشهده؟ حيث تشكل هذه التقنيات أكبر منافس للصحافة الورقية بوضعها الراهن ، فالأولى سريعة وسباقة ومثيرة ومرتبطة بوسائط إعلامية أخرى، لقد سرقت من الصحافة الورقية أهم عناصرها، وحان الوقت لكي تجتهد الصحافة الورقية وتسترد الصحافة مكانتها وقدرتها التنافسية وذلك لن يتأتى دون توسيع هامش الحرية، وإلا فسوف نستيقظ على تناقض رهيب بين الأولى والثانية، وسوف تنصرف الجماهير عن الصحافة الورقية التي لا تلبي حاجات الناس الراهنة ،ولسنا نريد لمؤسساتنا الصحفية الوطنية الا ان تكون قادرة ممكنة ومنافسة وجديرة بالبقاء في هذا العالم المتغير

خامسا: إن مملكة البحرين تعيش اليوم مرحلة جديدة اقتصاديا، حيث ارتفاع الدين العام وانخفاض مداخيل النفط ومجيء زمن الضرائب والرسوم، إنه زمن رفع الدعم والبدء بالتقشف وهي تحتاج الصحافة وتحتاج إلى التركيز على الجانب الاقتصادي ولغة الأرقام والشفافية والرشادة في إدارة البلد واداة المال العام وفق منهجية جديدة ومختلفة ،ان الاعتماد على سلعة واحدة كمصدر للدخل وصعود الدين العام لا يجب أن يتحمله الناس الذين لم يشاركوا يوما في صنع القرار الاقتصادي أو السياسي وهو يدعو إلى التساؤل حول تلك التنمية التي نقول إننا انجزناها سابقاً عبر الاعتماد على النفط وحده.

 إن  النخب الاقتصادية يجب أن تنال فرصتها اليوم في ابداء رأيها وفي المشاركة في التعاطي مع المرحلة التي نعيشها، وعلى النظام أن يصغي لأصوات المخلصين من هذا الوطن وأن يقدم التنازلات والتضحيات كي يسير مركبنا بأقل قدر من الخسائر، إن النظام السياسي يحتاج الصحافة أكثر في فترة الأزمات، شرط أن تكون الوسيط الحر الأمين والموضوعي والمحايد كي تنال ثقة الجماهير وليس رضا النظام السياسي فحسب.

أخيراً: إن تمكين الصحافة الحرة المستقلة والمهنية والمسؤولة ذات الطابع التعددي هو تمكين للديموقراطية وللمشاركة الشعبية، إن صحافة كهذه تقف في خندق مؤازر وليس معادياً للسلطة السياسية الرشيدة وعلينا جميعا أن نعمل لتحقيق هذا الهدف النبيل .