المنشور

وقفتان من أجل الحرية والسلام

الوقفة الأولى: إضراب الأسرى الفلسطينيين

لا  أعرف وأنا أكتب هذه السطور عن الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال الصهيوني منذ يوم الثلاثاء 17 أبريل من الشهر الماضي، عما إذا كان إضرابهم سيستمر  أم يتوقف وتتحقق مطالبهم المشروعة، ومن المعروف بأن تاريخ  17 أبريل تم إقراره من قبل منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1974 كيوم للأسير الفلسطيني، ولكن هذا العام قرّر  الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني بأن لا يمر اليوم  دون أن تكون لهم وقفة احتجاجية على أوضاعهم في تلك السجون، ليسمع العالم صرختهم  المدوية.

 يقول القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي في بيان أصدره من سجنه الإنفرادي بتاريخ 4 مايو 2017 بعد  مرور ثمانية عشر يوماً من الإضراب: “يأتي هذا الإضراب للتصدي لسياسات الاحتلال الغاشمة المستمرة والمتصاعدة ضد الأسرى وذويهم. وإننا نؤكد على قرارنا على خوض هذه المعركة مهما كان الثمن، ولا شك لدينا أن أسرى فلسطين قادرون على الصمود والثبات والانتصار، ويتشرفون بالانتماء لهذا الشعب العظيم، صاحب المخزون النضالي الذي لا ينضب، كما يفتخرون بالتضحية من أجل هذا الوطن، مؤمنين بحتمية النصر”.

ويضيف: “إن الاستعمار الإسرائيلي يحاول من خلال الاعتقال اليومي الذي يطال آلاف الفلسطينيين سنوياً وعلى مدار سنوات الإحتلال، استنزاف الشعب الفلسطيني وشلّ قدرته على النضال ضد الإحتلال وحشي يستبيح مقدساتنا ومدننا وقرانا ومخيماتنا ويستبيح مدينة القدس الشريف، ويعتقل العشرات يومياً، ويخضع المعتقلين للتعذيب والتحقيق القاسي، ويلفق لهم لوائح اتهام، ويصدر بحقهم الأحكام الجائرة في المحاكم العسكرية والمدنية غير الشرعية والظالمة، ويمارس سياسة تشّكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي وجرائمَ يجب مساءلة ومعاقبة المسؤولين عنها).

إنها بالفعل إرادة شجاعة تصدر من مناضل وقائد فلسطيني قضى سنوات طويلة في سجون الإحتلال الصهيوني، ومضى على سجنه الأخير منذ انتفاضة الأقصى في عام 2000، حوالي 17 عاما، يتحدى فيها  السجان الذي لم يستطع أن ينال من إرادته وصموده  وزملائه الأسري الفلسطينيين،  ولكن المخزي مواقف الدول العربية التي لم تفعل شيئاً لقضية الأسرى الفلسطينيين المضربين في سجون الاحتلال الصهيوني وهذا ليس بجديد بدول تهرول نحو التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع كيان محتل لا يقرّ حتى هذا اللحظة بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، و الأمم المتحدة لا تفعّل قراراتها الصادرة منذ قيام دولة الكيان الصهيوني في عام 1948، ولا تستطيع إرغام الكيان على الانصياع  للقرارات الأممية في ظل هيمنة الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها على هيئة  الأمم المتحدة ، وأنظمة عربية لا تستطيع الدفاع عن  بلدانها وشعوبها، فهي غير قادرة على التصدي لدولة الإحتلال الصهيوني ووفق ممارساتها الوحشية والفاشية بحق الشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل دحر الاحتلال الصهيوني وإقامة دولته الوطنية المستقلة.

الوقفة الثانية: السلام العالمي

 منذ الحرب العراقية الإيرانية في شهر سبتمبر  من عام 1980، حتى  هذه  الأيام لم تنعم منطقتنا بالأمن والسلام، حرب  تلي حرباً  والأكثر من هذا تزايد الإرهاب في المنطقة العربية بشكل لا مثيل له، في بداية الحرب طرح الرئيس السوفييتي الراحل ليونيد بريجنيف  عقد مؤتمر دولي للسلام  وأن تتحول بحيرة  الخليج  والمحيط الهندي إلى بحيرة سلام،  لكن لم تلقَ هذه المبادرة  الترحيب  من قبل الإمبريالية الأمريكية ودول الخليج العربي، وهذا يعود إلى الانقسامات في العالم بسبب الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والراسمالي في حينه، وانحياز بعض الدول لهذا المعسكر أو ذاك، لهذا  رفضت مبادرة أو  فكرة انعقاد المؤتمر الدولي للسلام في منطقتنا، لأن ليس من مصلحة الإمبريالية الأمريكية بأن يعم السلام والاستقرار فيها، طالما مصالحها لم تتضرر، و براميل النفط المحملة في البواخر الكبيرة تصل إلى موانئ  الولايات المتحدة الأمريكية بسلام، والأهم أن تستمر  بؤر التوتر والحرب في المنطقة وفي بلدان عديدة في العالم لكي تشتغل  مصانع الأسلحة الأمريكية والتي يعمل بها آلاف الأمريكان ويسيطر عليها ملاك الكارتلات المالية والصناعية الكبيرة.

تغير العديد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ولكن الإستراتيجيات  والسياسيات لم تتغير.  فمبدأها الثابت هو المصالح الدائمة، حيث  لا يهم  من هم الأصدقاء أو الحلفاء، طالما المصالح لم تمس ، وحتى لو تغيرت الأنظمة فالمهم هو المحافظة على المصالح، والرئيس الأمريكي الحالي  ترامب   مدافع أمين عن مصالح أمريكا، ويزايد على سلفه أوباما  في الدفاع عنها ، ولا يتورع في الإعلان عن موافقه الشعبوية واليمينية المعبرة عن جوهر وحقيقة الإمبريالية المتوحشة التي تريد أن تحافظ على وجودها الدائم في أكثر من بلد من بلدان العالم حتى لو اضطرّت أن تستخدم القوة العسكرية ضد هذا البلد أو ذاك لتفرض هيمنتها عليه.

 هاهي اليوم تثير القلق والتوتر في فنزويلا لإسقاط الرئيس والحكومة هناك لأنها لا تسير في فلكها، مثلما أسقطت من قبل مخابراتها “سي. آي. إي” حكومة السلفادور الليندي اليسارية  في عام 1973 في تشيلي، ودعمت العسكريين  الفاشيين، والعديد من الحكومات الوطنية في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، كما أسست ودعمت العديد من المنظمات الإرهابية والمتطرفة في العالم هذه طبيعة الإمبريالية الأمريكية، الهيمنة على الشعوب والبلدان بالقوة العسكرية الغاشمة التي لديها لتصبح القطب الأوحد في العالم تفرض إرادتها وشروطها، و تناهض وتعادي  أي دولة أو شعب يرفض نهجها وتحيك المؤامرات ضده لتعزز نفوذها وتحافظ على مصالحها بالضد من إرادة الشعوب في الحرية والاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي والسلم.