المنشور

ورقة الرفيق فلاح هاشم بندوة “اللاعنف طريقنا للتغيير”

كلمة لمناسبة اليوم العالمي للاعنف ….

أسعد الله مساؤكم بكل خير

جميل ان نحتفى، كجمعيات التيار الديمقراطي بهذه المناسبة العالمية، مناسبة اليوم العالمى للاعنف، لنؤكد فيها من جديد موقفنا  من اللاعنف، كنهج استراتيجي فى مجال عملنا السياسي، حيث آمنا ولازلنا وسنظل نؤمن بالسلمية ونلتزم بها، وفى هذا السياق لعله من المهم التذكير بوثيقة اللاعنف التى كانت جمعياتنا ضمن الموقعين عليها، وأكدت فيها على ان السلمية هي النهج الاستراتيجي في عملنا السياسي سلوكا وممارسة لتحقيق مطالب شعبنا من خلال مشاركته الحقيقية في صياغة قراره السياسي ورسم مستقبل بلادنا في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والأمن الاجتماعي والسلم الأهلي، وعلىأن مطالبة شعبنا بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية هي امتداد للحراك السياسي والمجتمعي في البحرين الممتد منذ قرابة قرن من الزمان، إنطلاقاً من الحق الأصيل والحرية الكاملة المكفولة إنسانيا ودوليا ووفق المبادئ الدستورية المتعارف عليها، في تحقيق المطالب المشروعة السياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر انتهاج الحراك السلمي الحضاري والتمسك بالوحدة الوطنية اللتين درجت عليهما نضالات شعبنا، وبواسطتهما حققت الاستقلال السياسي وأنتجت أول دستور وبرلمان للبلاد.

قد نكون اليوم فى حاجة الى التأكيد ، ربما اكثر من اي وقت مضى ، على نهج السلمية وعلى الالتزام بمبادئ ومقتضيات هذا الالتزام ، خاصة امام كل أوجه التطرف والعنف اللذين نشهدهما فى بعض بلداننا العربية وغير العربية، وفى الوقت ذاته علينا ان نؤكد فى هذه المناسبة على ضرورة توفير البيئة المناسبة التى تسمح للجميع ممارسة العمل السياسي في جو من سيادة روح التسامح والمصالحة والحوار واحترام حقوق الانسان ونبذ العنف.

أمامنا كمثال روح رجل الدولة العظيم فى الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية المهاتما غاندي، ونظيره فى جنوب إفريقيا نلسون مانديلا، وماحققاه لبلديهما من نتائج يشهد العالم بها، بل انهما أصبحا مثالاً يحتذى به في النضال من أجل السلم والعدالة فى كل أرجاء العالم. وعلينا فى هذه المناسبة وكل مناسبة التأكيد على أن نبذ العنف والسلام الدائم هما العنصران الأساسيان لضمان الاستقرار على المدى البعيد وتعزيز مستقبل مستدام، وهذه مسؤولية الجميع .

واعتقد انه من المناسب ايضاً فى هذه المناسبة الإشارة الى انه فى الوقت الذى نشهد فيه جهوداً ملموسة على صعيد دحر كافة اشكال التطرف الذى تسبب الانشطار، والدمار فى العديد من المجتمعات، بغض النظر عن المعتقدات الدينية والموقع الجغرافي، قد يوفر حلولاً قصيرة الأمد، او حلولاً آنية، إذ يظل المطلوب معالجة الأسباب الحقيقية للصراع والظلم والفساد وغياب المساواة والعدالة والديمقراطية.

الحضور الكرام

ما دمنا فى ظل العناوين المذكورة ، فلا بأس ان نمر ولو مروراً سريعاً بالمبادئ الأساسية الدولية للاعنف، والتذكير بالجذور التاريخية لهذا النهجمن النضالات، فالبرجوع إلى بدايات الكفاح الذي خاضته البشرية ، واستمرّ طوال تاريخها منذ فجر التاريخ للانعتاق من العبودية والعنصرية والتحرر من الاحتلال الخارجي وكل اشكال الاستغلال ولتحقيق العدالة،  نجد أن التاريخ يذكر انه منذ ما قبل الميلاد حدثت العديد من الاحتجاجات، وتعود أول حركة إحتجاج سلمية عرفها التاريخإلى عام 494 قبل الميلاد حين رفض العامة من الناس التعاون مع الأسياد والنبلاء الرومان وفي إحدى تلك الاحتجاجات  قام المحتجون بالانسحاب من المدينة وتركها خالية احتجاجًا على الظلم الذي طالهم، كما هدد سكان روما في إحدى المرات بالانسحاب من المدينة وتأسيس مدينة بديلة لهم.

ومع بداية العصر الحديث يسجل التاريخ العديد من الاحتجاجات الكبري التي اعتمدت  او طغى عليها الطابع السلمي،فمن التظاهرة السلمية ضد الحرب الأمريكية في المكسيك في بداية عام 1800، إلى ذكرى هايماركت ايقونة يوم العمال العالمي ومسيرة حقوق المرأة  الأميركية في القرن قبل الماضي بما تضمنته من تظاهرة الخبز والورود، وإذا كانت الوردة ترمز إلى الحب والتعاطف والمساواة فإن الخبز يرمز إلى حق العمل والمساواة، وما حفل به التاريخ البشري مع مطلع القرن العشرين من ثورات وحركات احتجاجية كالثورة الهندية والثورة الروسية عام 1905 والحركة المدنية لحقوق السود الأمريكين بقيادة المناضل مارتن لوثر كينج.  ولنا في المنطقة العربية العدديد من الامثلة الساطعة كنجاح الجماهير السودانية في اسقاط الحكم العسكري في السودان عام 1964 (حكم الجنرال ابراهيم عبود) وعام 1985 (حكم الطاغية جعفر النميري) وكذلك الانتفاضات في فلسطين المحتلة وبالأخص انتفاضة يوم الارض والانتفاضة الفلسطينة الكبرى ما بين  عام 1987 الى عام 1994 وتأثيرها الكبير على مجرى الصراع مع الدولة الصهيونية

ان تراكم الخبرة النضالية في هذا النوع من النضالات يعتبر خير معين للشعوب في تطوير أساليب نضالاتها  ويزيد من معرفتها للطرق والتكتيكات السلمية من اجل نيل حقوقها رغم ما يتعرض له هؤلاء المناضلين من جميع صنوف التنكيل والاضطهاد وما يقدمونه من تضحيات وكذلك ما تتعرض له هذه الحركات والاحتجاجات من مؤمرات لجرها لمنهج العنف المضاد الذي في النهاية وبما تملكه القوى المسيطرة من الخبرة والامكانيات تستطيع حرف هذه التحركات وجرهاإلى مواقع مضرة بالأهداف التي انطلقت من اجلها

إن ما تشهده منطقتنا العربية التي تمور في نار الحروب والفتن والانقسامات  بجميع انواعها منذ فترة ليست بالقليلة ومع اشتددها في السنوات الاخيرة، تحتم علينا التمعن في ذلك، والتمسك والاصرار على النهج السلمي في مطالباتنا بتحقيق مطالب شعوبنا بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والعمل على بناء توافق مجتمعي يقود الى الخروج من مأزق الحروب التي تتضاعف تكلفتها على الجميع ومن جميع النواحي، ما يجعل القوى والدول المستفيدة من استمرارها تواصل في تسعيرها من أجل تحقيق مطامعها في استمرار نهب خيرات هذه المنطقة واستغلال شعوبها، عبر تفتيتها واشعال التناقضات المختلفة بين مكوناتها الاثنية والسياسية.

فى الختام نؤكد  أن إيماننا بنهج السلمية ونبذنا العنف كان ولايزال حاضراً في أفكارنا وعملنا النضالي اليومي في جمعيات التيار الديمقراطي، كما نؤكد رفضنا لكافة الممارسات التي تتوخى العنف أو تحبذه، ونثق في قدرة شعبنا وحركته الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني فيه على الوفاء لتراثنا النضالي السلمي ولتقاليد وخبرات شعبنا في هذا المجال، ولما أظهرته من قدرة في تحقيق ما نصبو إليه من أهداف نبيلة، تجسد تطلعات شعبنا في حياة حرة كريمة.