المنشور

كلمة المنبر التقدمي في الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى

 

أيها الرفاق الأعزاء؛

يطيب لي ان انقل لكم تحيات الرفاق في المكتب السياسي وجميع اعضاء المنبر التقدمي واصدقائهم التقدميين في البحرين.

ونحن نلتقي على الأرض الروسية، وفي المدينة التي انطلقت منها الثورة، مدينة سانت بطرسبورغ، لاحياء الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، بتنظيم واستضافة الرفاق في الحزب الشيوعي الروسي، اسمحوا لنا أن نتوجه بمشاعر التقدير والامتنان والتضامن مع هذا الحزب العظيم، وريث التقاليد المجيدة للشيوعيين الروس والسوفيت، منذ عهد البلاشفة، تحت قيادة الزعيم الروسي والأممي الفذ فلاديمير ايلتيش لينين، الذي كان خير من تمثل الأفكار الماركسية، ونجح في استلهامها وتطويرها في ظروف عصره، وفي الظروف الملموسة الخاصة بروسيا وتقاليدها السياسية والثقافية.

ليس غريباً أن البشرية التقدمية والحركة الشيوعية والعمالية العالمية وجماهير واسعة من الشغيلة في مختلف أرجاء الكوكب تحتفل اليوم بالذكرى المئوية لهذه الثورة التي أقامت سلطة العمال والفلاحين والكادحين في روسيا، ومهّدت الطريق لبناء الاتحاد السوفيتي، الدولة الكبرى ذات المهابة في التاريخ المعاصر، والتي رسّخت مبادئ الأخوة بين شعوب مختلفة على أسس المساواة والحس الإنساني الأممي.

وشكَّل وجود الاتحاد السوفيتي قوة حاسمة في التصدي للنازية والفاشية، وتحمّل الجيش الأحمر السوفيتي القسط الأكبر في إلحاق الهزيمة بالنازية في عقر دارها، ونشأ في نتيجة ذلك ميزان جديد للقوى على المستوى العالمي، بقيام منظومة الدول الاشتراكية وانتصار الثورة في الصين وكوبا، والنهوض العارم لحركة التحرر الوطني والاجتماعي في العالم وتنامي مكانة ودور الأحزاب الشيوعية والتقدمية والحركة العمالية والنقابية في البلدان الرأسمالية.

وأصبح الإتحاد السوفيتي سنداً متيناً لنضال الحركة العمالية والتقدمية في العالم، ولنضال حركة التحرر الوطني في البلدان المستعمرة، وداعماً قوياَ للشعوب في بناء الدول الوطنية المستقلة ذات السيادة، وردع عدوانية الإمبريالية في مناطق مختلفة من العالم.

ورغم ظروف الصراع المرير الذي فرضته الدول الإمبريالية على الإتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية وإشعال حمى سباق التسلح ودفع العالم نحو خطر المجابهة النووية ونقل العسكرة إلى الفضاء عبر برامج حرب النجوم وسواها، استطاع النظام الاشتراكي أن يحقق منجزات باهرة على الأصعدة العلمية والتكنولوجية، وان يؤمن مستويات من المعيشة الكريمة اللائقة للشعوب التي عاشت في ظله، وربى أجيالاً على المبادئ والقيم الإنسانية بفضل التنشئة التعليمية والثقافية الراقية، حيث ازدهرت السينما والمسرح والفنون والنشر الثقافي والإبداعي التي أثرت العالم الروحي للإنسان.

لقد ألقت ظروف المجابهة الحامية أعباء كثيرة على الإتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية اقتضت توجيه إمكانيات مادية كبيرة نحو تنمية القدرات الدفاعية لمجابهة النهج العدواني للإمبريالية وحماية السلم العالمي ونصرة حركات التحرر الوطني والشعوب المناضلة من أجل الحرية، واستخدمت الدول الإمريالية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، سباق التسلح وسيلة لاستنزاف الاتحاد السوفيتي، وصرفه عن توظيف إمكانياته في المزيد من النهوض في أوضاع شعوبه، وكان لذلك أثره الكبير في نشوء الصعوبات الاقتصادية.

وتراكمت قصورات في مجال الحريات السياسية والممارسة الديمقراطية أدت إلى خلق صعوبات جدية، تفاقمت تحت ضغط التدخلات الخارجية والحروب الإعلامية والنفسية التي مارستها الدول الامبريالية مما أدى إلى انهيار التجربة الاشتراكية بتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط الحكم الاشتراكي في العديد من الدول، وصعود قوى المافيا والرأسمالية الوحشية البدائية التي انقضت على ممتلكات الدولة وحققت من وراء ذلك ثروات طائلة في فترات زمنية قصيرة

.
وأدى هذا التحول الخطر في مسار الحركة الثورية العالمية إلى شيوع حالة من اليأس والإحباط والروح الانهزامية لدى الكثير من المناضلين، خاصة وأن ذلك ترافق مع حملة إيديولوجية منظمة مدعومة من الغرب بشرّت بنهاية التاريخ وانتصار الليبرالية النهائي، خاصة مع اشتداد الهيمنة الأمريكية على الوضع الدولي، وتجاهل دور المنظمات الدولية خاصة هيئة الأمم المتحدة، والاندفاع نحو شن الحروب وغزو البلدان واحتلالها والعودة إلى النهج الاستعماري في صوره المباشرة.

لكن الذكرى المئوية لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى تمر وسط بوادر نهوض جديد للحركتين العمالية والثورية على المستوى العالمي، ويدرك العالم أكثر فأكثر أن الأحادية الدولية برهنت على أن مصير البشرية في خطر بسبب السياسة المدمرة للرأسمالية والعولمة المتوحشة، وها نحن نرى أفول هذه الأحادية وبزوغ عالم جديد متعدد الأقطاب، لروسيا مكانة مؤثرة فيه.

إن الملايين في العالم كله يزدادون اقتناعا إن خيار الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والمساواة هو الطريق المفضي إلى الخلاص من كل آثام الرأسمالية وأنانيتها وعدوانها ليس على الكادحين فقط وإنما على البيئة وثروات الكوكب الآيلة إلى النفاد إن لم تتم الصحوة

.
ورغم اشتداد عدوانية الامبريالية فان شعوب العالم تحقق نجاحات ملموسة متحدية الغطرسة، كما هو جار في بلدان أمريكا اللاتينية وفي استمرار نضال الحركة النقابية في البلدان الرأسمالية، واتساع قاعدة الحركات المناهضة للعولمة والدفاع عن البيئة وحركات الشبيبة والطلبة والنساء في مختلف بلدان العالم.
ورغم ما يواجهه عالمنا العربي من تردٍ وحروب أهلية دامية وتدخلات إقليمية، وسطوة للأفكار الرجعية والظلامية، إلا أن القوى الحية في بلداننا، وفي مقدمتهم الشيوعيين واليساريين، يظلون مسلحين بالأمل والثقة في تجاوز كل هذه الصعاب، وشق الطريق نحو المستقبل.

وفي بلدنا البحرين يناضل منبرنا التقدمي والقوى الوطنية الأخرى في سبيل انجاز مهام التحول الديمقراطي وانهاء سياسة القمع ومصادرة الحريات، والدفاع عن حقوق ومصالح العمال في ظروف عمل تنعدم فيها الكثير من الحقوق بما فيها حق التنظيم النقابي في العديد من القطاعات الاقتصادية، وجنباً إلى جنب مع أشقائنا الشيوعيين والتقدميين في بلدان الخليج الأخرى، نناضل ضد الفساد، وتوجيه الثروات الوطنية نحو التنمية الملبية لحقوق شعوبنا وتطلعاتها، وإنهاء التبعية للقوى الإمبريالية التي تستحوذ على الكثير من ثرواتنا عبر صفقات التسلح العبثية وسواها.

أيها الرفاق،

رغم كل تعقيدات الوضع الدولي الراهن، فإن الرأسمالية تبرهن في كل مناسبة أنها طريق الاستغلال والجشع وتدمير البيئة وشن الحروب، وهي بين فترة وأخرى تقود العالم إلى أزمات مالية واقتصادية مدمرة بسبب سياساتها تلك، ما يعيد المزيد من الاعتبار للأفكار الماركسية، ويوسع من جاذبيتها لدى الأجيال الجديدة التي تجد فيها التعبير الصحيح عن خياراتها المستقبلية، وبديلا للاتجاهات اليمينية والفاشية والأصولية المتطرفة بمختلف أوجهها.

اليوم أكثر من أي وقت مضى تدوي الكلمات الخالدات لكارل ماركس: إن لم تكن الاشتراكية فالبديل هو البربرية. ولا يمكن للبشرية أن تخطئ الخيار.