المنشور

الأعباء إذا تراكمت..!!

ماذا يحتمل المواطن بعد..؟!

تلك هي المسألة، والحديث هنا ليس فقط عن تداعيات رفع سعر البنزين على المواطن وبالأخص المواطن «مهدود الدخل»، علاوة على تداعيات ما قبل ذلك من قرارات وتلك الجاري التحضير لها والتي في مجموعها تستهدف جيبه عبر عناوين مثل استراداد كلفة الخدمات الحكومية، ومراجعة الرسوم، وتطبيق سياسة ضريبية، وقرارات جبائية قادمة تحّمل المواطن المزيد من الأعباء والهموم والضغوطات، وتجعل واقعه يضج بالخوف والقلق لما سيكون عليه حاله في المستقبل المنظور، خاصة في ظل ثبات الرواتب والأجور، وموجات غلاء وتضخم وتسطيح قضايا التجاوزات وتمييع ملفات الفساد، وفلتان للمديونية وكلفتها الباهظة، والافتقار الى رؤية استراتيجية واضحة وشاملة يلتف حولها الجميع في منظومة متكاملة ومتناغمة من أجل تحسين أوضاع الوطن والمواطنين..

كل تلك القضايا والملفات التي طرحت او فرضت نفسها، وجدنا من يفترض أنهم مسؤولون معنيون بأمرها، إما انهم تخلفوا عنها همّة واهتمامًا، وكأن الرؤية وإرادة الفعل عندهم غائبة، ألفناهم ينتظرون التعليمات والتوجيهات تارة، او يمتطون الشعارات الكبيرة تارة اخرى، الشعارات التي سرعان ما تتلاشى؛ لأنها لم تكن إلا للتمويه او المراوغة او تمييع المسؤولية ولم تنطلق عن قناعة ودراسة، وهو اُسلوب يتجاهل مكامن الخلل والأسباب، ويستهين بنهج الشفافية اللازمة خاصة ازاء أمور تربك الناس وتقض مضاجعهم وتحاصرهم يوماً بعد يوم، تمس أوضاعهم ومعيشتهم وتزيد من معاناتهم، ويتطلب اتخاذها وتنفيذها قدراً كبيراً من التأني والدراسة والمصارحة بكل الحقائق والمصاعب والاجراءات لعل الناس يتفهمون دواعيها ويقتنعون بها ويتجاوبون معها، ولن يتحقق ذلك إلا اذا اقتنع الناس بصوابية الأولويات وبأن التصرفات التبذيرية، وسوء أداء وتخطيط بعض المسؤولين والجهات، وتعيينات «المراضاة»، محسوبية وقرابة وولاء، هذا ولدنا، وهذا من جماعتنا، وهذا من قبيلتنا، وهذا من طائفتنا، وكل الاعتبارات الذاتية، قد توقفت تماماً وحلت محلها قواعد الجدارة والاستحقاق، وبأن قدراً اكبر من الجهد والإدارة الرشيدة او الرشيقة قد بدأ ينطلق، وبأن آليات المساءلة والمحاسبة قد فُعّلت على ارض الواقع الملموس، وبأن كل أشكال الهدر والتجاوزات ومظاهر الفساد، على الأقل من النوعية التي يكشف عنها ديوان الرقابة في تقاريره السنوية قد انتهت.

القضية برمتها تحتاج الى ثورة فكرية على الصعيد الاداري، تقلب الموازين القائمة، وتحول الادارة من إدارة تخضع لمواقع النفوذ، والاعتبارات المذكورة الى إدارة تخضع للقانون وتحرص على مصالح الناس وحركة الاقتصاد، وتكرس سيادة القانون سيادة فعلية مقرونة بالعناد والنفس الطويل، كي تتمكن من استيعاب أساليب البيروقراطية المتخلفة والتغلب على شبكة المصالح العنكبوتية التي تمكنت من التحصن فيها ومقاومة كل اتجاه للتحديات والإصلاح والتطوير..!

(2)

في شأن المديونية ثمة تساؤلات تفرض نفسها..

هل يستطيع مسؤول ما، او هل تستطيع الأرقام ان نطقت، ان تطمئن المواطن البحريني بأن خيار رفع سقف الدّين العام من 10 الى 13 مليار دينار، وارتفاع أعباء فوائد هذا الدين الى 550 مليون دينار هذا العام، هي سياسة حصيفة..؟ السؤال بعبارة اخرى، كيف يدار الدّين العام، ومن يضمن أننا نسير على الطريق الصحيح في المعالجة..؟ ما هي توجهات الحكومة وسياساتها في تطوير أساليب مواجهة الدّين العام كهدف استراتيجي للخروج من كابوس المديونية..؟ وبأي اتجاه تصرف أموال المديونية، هل للتنمية، وإقامة مصانع ومشاريع، أم من أجل الإنفاق على المصاريف المتكررة كالرواتب وغيرها من أوجه الإنفاق المعروفة..؟ ثم أليس من إدراك بأننا اذا لم نتغلب على المديونية ماذا سيكون عليه الوضع العام في البلد، وضع المواطن، ومستقبل الاقتصاد، وكل شيء..؟ أخيراً لماذا لا يظهر لنا مسؤول، مسؤول واحد يجيب على التساؤلات المعبرة عن الكثير من الهواجس المقلقة التي لا تقابل إلا بحالة من الضبابية وفذلكات البعض..!!

(3)

دعونا نتوقف عند القرار الأخير برفع أسعار البنزين التي تمت مضاعفتها بنحو ‎%‎100 على مرحلتين، ربما لدواعي تخفيف الصدمة على المواطن، وهي دواعٍ نبيلة كما ترون، المرحلة الاولى حين رفع سعر ليتر البنزين الممتاز من 100 فلس الى 160 فلساً، وليتر البنزين الجيد من 80 فلساً الى 125 فلساً، ثم في المرحلة الثانية جرى رفع سعر ليتر الممتاز الى 200 فلس وليتر الجيد رفع الى 140 فلساً، في شأن هذا القرار اكثر من أمر، الأول مفاجأة الناس به، وهو اُسلوب يفترض اننا تجاوزناه، خاصة في المسائل التي تصيب وتربك المواطن في الصميم، وأحسب ان المواطن لازال يتذكر التصريحات التي تدفقت وأطلقت على عواهنها والتي كانت إجمالاً تصب باتجاه التأكيد بأن المواطن لن يمس، هل تذكرونها..!

أسوأ ما في هذا المشهد، هو الطريقة والأسلوب اللذان صدر بهما قرار رفع سعر البترول، اذ جاء القرار كما قلنا بشكل مفاجئ ومتسرع، دون تحضير او تمهيد او تهيئة الناس له، بل حتى دون إعلان رسمي مسبق، مجرد قرار جرى تعميمه الى محطات البترول برفع سعر البترول، الأمر الذي أثار الكثير من الأسئلة التي لا تنتهى التي يبحث المواطن عن اجابات لها بلا طائل وقد أعيته الحيرة، حول مدى الاستهانة بسلطة تشريعية هي آخر من يعلم، وحول حقيقة ما يتردد بأن هذه لن تكون الزيادة الأخيرة في سعر البنزين، ومن جديد حول ما اذا كانت هذه السياسات تمضي حقاً في الاتجاه الصحيح..!

المعضلة ان الشفافية غائبة، والغموض سيد المواقف في كل شيء، والمواطن ليس أمامه إلا أن يثير التساؤلات، عليه ان يستخلص ما يشاء لنفسه، او يعفي نفسه من التفكير او يتذمر كما يشاء..!!