المنشور

بلطجــة تحــت الطلـــب..!!

“البلطجة”، قيل فيها وعنها الكثير، هي بالنهاية إفراز طبيعي لسيادة اجواء عدم احترام القانون والتعدي عليه، أو هي في توصيف معاجم اللغة تعني عدم احترام القواعد والبنى القانونية والتشريعية، وتعني نوعًا من العمل الاجرامي يقوم به من يمارسه بفرض السيطرة على فرد او مجموعة وإرهابهم وتخويفهم بغرض السرقة او قمع الرأي، وثمة مرادفات لكلمة «بلطجي» مثل مفسد، همجي، غوغائي، وذهب البعض الى وصف “البلاطجة” بأنهم أدوات عنف بلا عقل..!!.

أصل البلطجة يعود الى ايّام الدولة العثمانية، كان حينها كل من يحمل البلطة وهي آلة حادة لتقطيع الأشجار اطلق عليه بالتركية بلطجي، وكانت هناك فرقة في الجيش العثماني يطلق عليها البلطجية ايضًا نظرًا لحملهم البلاطي، ومع مرور العصور وانحلال الدولة العثمانية انتشر الفساد بين الجنود وفرق الجيش العثماني فصار البلطجي يرمز للشخص الفاسد والمنحرف واللص والحرامي والذى يستخدم القوة والعنف ضد الناس الآمنين، وانتقل مصطلح البلطجة الى ميدان العمل السياسي، وجدناه يتداول في اكثر من بلد عربي، ووجدناه أخيرًا مثارًا في لبنان على خلفية وصف وزير خارجية لبنان لرئيس مجلس النواب بانه بلطجي، وهو وصف كانت له تداعياته المعروفة.

البلطجة، يبدو انه بات لها حضور في العديد من الدول العربية، وأصبحت مهنة، لها صُنٌاعها، ولها مخططون وخبراء ونجوم، وممولون، ومستفيدون، كلهم جعلوا البلطجة تصول وتجول وتستأسد على العباد.. بل والأدهى انه أصبح بالإمكان لمن يريد بلطجية لمهام محددة ان يتصل بمواقع تواصل اجتماعي “فيسبوك”، وعلى سبيل المثال ثمة موقع يحمل “السراج لأعمال البلطجة واستخلاص الحقوق”، يمكّن ايًا كان من اختيار نوع الإيذاء الذي يريد، بعد معرفة التسعيرة والتفاصيل المختلفة لأعمال البلطجة..!! واذا كان محتوى هذا الموقع حقيقيًا فانه مؤشر على تأصيل للبلطجة، وبأن لغة التفاهم والعقل تتراجع امام لغة “الفهلوة” و”الذراع”

لماذا نتحدث عن البلطجة..؟!

أولاً، نفعل ذلك لأننا بتنا نرى ان اعمال البلطجة تتمدد، تتنوع، تحت مسميات عدة مثل البلاطجة والزعران، والشبيحة، ولم تعد تقتصر على الخارجين على النظام والقانون، او اصحاب الخبرات في السرقات والتكسير، او إشاعة الفوضى او الإزعاج والمضايقات، او تخويف الناس من المطالبة بحقوق، او لأي لسبب او لآخر، بل امتدت اعمال البلطجة، او من يقفون وراء اعمال البلطجة الى سياسيين، وإعلاميين، ونواب، وحتى دول، دول تعاملت مع شعوبها، ومطالب شعوبها بروح البلطجة بعد فشل أدوات القمع، حين استدعت بلطجية لقهر ارادة هذه الشعوب.

ثانيًا، نفعل ذلك لأن ثمة جديد في تاريخ البلطجة، هو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في التشويه والتشويش والتلفيق وزرع البلبلة وإثارة الضغائن والفتن، ونشر الاكاذيب، وهذا يعني اننا امام شكل جديد من أشكال البلطجة، هي البلطجة الإليكترونية، وهي نوعان ؛ الاول بلطجة أفراد اهم ركائزها الاغتيال المعنوي لمن هم مستهدفون ونشر الشائعات والاكاذيب حولهم، والنوع الثاني فهي البلطجة الجماعية المنظمة ضد جماعات او كيانات او دول، وعلينا ان نتنبه الى ان بلطجية الانترنت ليسوا عاديين في الغالب، هم متعلمون، اصحاب مهارات وخبرات في التعامل مع تكنلوجيا الاتصالات، كما انهم في الغالب لا يعملون من فراغ، بل يعملون وفق خطط وتعليمات وأوامر واهداف وإمكانيات، وغالبًا مظلة اسماء او مراكز او ما شابه..!!

ثالثا وأخيرًا، نتحدث عن البلطجة لأننا وللأسف بتنا نلمس لها حضورًا في ساحتنا المحلية، ارصدوا ما تزخر به كثير من مواقع التواصل الاجتماعي، ارصدوا ايضًا في هذه الأيام بالذات استعراضات بعض النواب وهم يهددون ويتوعدون خصومًا لهم، وكأنهم صحوا فجأة على انتهاك هؤلاء الخصوم للقانون، المؤسف انهم يفعلون ذلك باسم شعب البحرين، ارصدوا ما يدور في المشهد الانتخابى للغرفة، وتمعنوا في أداء بعض النواب، ودققوا في بعض من يخرجون لنا على الهواء مباشرة في هذه المحطة او تلك بكلام تافه، يفتون في كل شيء؛ في السياسة، في الاقتصاد، في التنمية، في الاجتماع، لا يتورعون في ابداء الرأي وكأنهم علماء في كل شيء، انظروا الى ممارسات بعض من هم محسوبون او مصنفون كرجال دين، والى أولئك الذين يحصرون جل اهتمامهم في المناصب والمنافع وكل وطنيتهم شعارات، مجرد شعارات يرددونها للاستهلاك العام والخاص، انظروا ايضًا في هؤلاء الطائفيين، هؤلاء الذين جعلوا الطائفية سوقًا سوداء للتداول والتنافس على المكاسب والمناصب والمصالح الخاصة.. كل أولئك نحسب انهم يمارسون بشكل او بآخر البلطجة، او نوعًا من البلطجة، وسيكون من الخطأ الفادح ان نسمح باستمرارية اعمال البلطجة في كل مجال وميدان، وهي اعمال في الغالب مقرونة بالأنا وبالذات غالبًا، تمارس بفجاجة كاملة ووقاحة كاملة..!