المنشور

العدالة الاجتماعية هي الحل.. !

اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية يصادف هذا اليوم الثلاثاء، «20 فبراير من كل عام»، وهو اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2007 بهدف تسليط الضوء على أهمية العدالة الاجتماعية باعتبارها حتمية أخلاقية لابد ان تهتدي بها جميع الدول، وفي هذه المناسبة عادة ما يتم استحضار القيم والمعاني والمبادئ التي ترتكز عليها هذه العدالة التي من المفجع انها ما زالت بالنسبة لأعداد مهولة من البشر حلماً بعيد المنال، فالفقر والجوع والتمييز والمساس بالحريات وانتهاكات حقوق الانسان وحتى إنكارها، والفساد الضارب بأطنابه في مفاصل الكثير من الدول، كلها وغيرها آفات مازالت عالقة في هذه الدول، والأسوأ حين تكون مجريات الأمور فيها تنذر بتفاقم هذه الآفات..!

هذه المناسبة مهما يكون الشعار الذي تحمله في كل عام قد لا تعني شيئاً بالنسبة لبعض الدول، تتجاهلها مع سبق الإصرار، او تكتفي بطرح شعارات عن العدالة الاجتماعية ربما من فرط الحاجة اليها، او ربما من باب الممالقة والمسايرة في الوقت الذي لا تحسن فيه هذه الدول سوى انتهاك ما تدعو اليه والإتيان بمن يصفق لها ويقف منها موقف الإشادة والثناء والتبجيل، ووجدنا بعض من تولوا مسؤوليات، او من استظلوا بمسميات من نوع نشطاء او كتاب سياسيين او محللين استراتيجيين والذين اختصوا او تخصصوا في طمس المشاكل والواقع والوقائع، وهم يجعلون العدالة الاجتماعية بجوهرها العميق مفرغة من الروح والمضمون، تماماً كما الحال بالنسبة للديمقراطية، جعلوها شكلاً او هبة او منحة فيما الواقع يثبت بالوقائع بأن ثمة حالة تباعد يصل الى حدود القطيعة بين القول والفعل، ان العدالة الاجتماعية والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، فالممارسة الديمقراطية هي أولاً وأخيراً شكلٌ من أشكال العدالة الاجتماعية، او لنقل ان هذه العدالة، او العدل الاجتماعي هي الركيزة في منظومة الدولة المدنية الديمقراطية، وهذه لا تتحقق كما يجب ما لم يكن هناك نظام ديمقراطي مدني قائم على أساس ان الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، ويعطي المواطن دوره الرئيسي والطبيعي في القرار والمشاركة والفعل، وهذا كان ولازال وسيظل مطلباً أساسياً للشعوب المنهكة التي عانت ولا تزال من تداعيات من يريد ان يعلو الانتماء للطائفة والمذهب والمرجعية والزعيم قبل ان يكون الانتماء للوطن..!

شعار هذا العام «تنقل العمال طلباً للعدالة الاجتماعية»، وهو عنوان بالغ الأهمية والحساسية في آنٍ واحد، أهميته ان معظم حركات الهجرة في العصر الراهن وفقاً لتوضيح من الأمم المتحدة ترتبط ارتباطاً مباشراً بقضية الباحثين عن فرص العمل اللائق، وحساسيته تكمن في ان توليد المزيد من فرص العمل اللائق للعمالة المواطنة في العديد من البلدان، لم يعد ميّسراً بل اصبح محفوفاً بصعوبات وأصبحنا نشهد فصولاً جديدة من البطالة السافرة والمقنعة في أوساط المواطنين، وفي تخصصات مثل الطب والهندسة والمحاسبة وغيرها من التخصصات، وأجور زهيدة، كما بتنا نشهد ظواهر في أسواق العمل من أجور غير مدفوعة، واتجار بعرق وجهد عمال وافدين، واعتداءات واستغلال وظروف سكن لا تحترم آدمية الانسان، أ لم تعد هذه أمور مألوفة رغم كل التدابير التي تعلن عنها هذه الدولة او تلك لوقف كل أشكال الاساءات والاستغلال للعمالة المهاجرة والمواطنة على حد سواء..؟!

نعود الى العدالة الاجتماعية، غيابها يعني غياب تكافؤ الفرص في كل نواحي الحياة، في حق الانتخاب والتمثيل، في فرص العمل والمناصب والتعليم والصحة، يعني عدم التوازن الاقتصادي والسياسي في المجتمع. يكفي ان نمعن في الأرقام التي أظهرتها القمة العالمية للحكومات التي انعقدت بدبي مؤخراً بمشاركة 4000 شخصية إقليمية وعالمية من 138 دولة، ومن ضمن هذه الأرقام فيما يخص المنطقة العربية تحديداً ما يكشف ان 57 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة، و13.5 مليون طفل عربي لم يلتحقوا بالمدرسة هذا العام، وان 30 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وان الزيادة في معدلات الفقر آخر عامين بلغت ‎%‎8، وكلفة الفساد في المنطقة العربية بلغت تريليون دولار، وان 5 دول عربية في قائمة العشر دول الأكثر فساداً في العالم، وان ‎%‎75 من اللاجئين في العالم من العرب، ‎%68  من وفيات الحروب عالمياً من العرب، ومن عام 2011 الى 2017 تم تشريد 14 مليون عربي، وبلغت الخسائر البشرية في الفترة ذاتها 1.4 مليون قتيل وجريح، 460 مليار دولار قيمة البنى التحتية التي دمرت، و300 مليار دولار خسائر في الناتج المحلي الإجمالي..!!!

أرقام مذهلة جرى تداولها على نطاق واسع، هي وغيرها، مقرونة بوقائع لا تتوقف يومياً، وكلها تثبت ان من ضمن اهم مسببات هذا الحال العربي هو اضمحلال العدالة الاجتماعية، وغياب الديمقراطية وتقييد طموحات الشعوب وجعلها سجينة مخاوف، وبذلك تزداد المخاطر على الأوطان وتصبح عاجزة عن بلوغ أهدافها.