المنشور

المرأة الحديدية

درست ديلما روسيف، رئيسة البرازيل السابقة، الاقتصاد، وقاومت مرض السرطان حتى انتصرت عليه. يشبّهها البعض بالمستشارة الألمانية ميركل لما هي عليه من قوة وعزم وإصرار، وهو ما أظهرته حتى بعد قرار البرلمان البرازيلي بتنحيتها عن منصب الرئاسة، في الكلمة الأخيرة التي ألقتها قبل مغادرتها القصر الرئاسي مقرة: «وقعتُ في أخطاء، لكن لم أرتكب جريمة»، معبرة وبتصميم عن عزمها على مواصلة «القتال» لتعود إلى الرئاسة ثانية، ولا تعني بالقتال هنا أنها ستحمل السلاح، وإنما إظهار العزم على خوض معركتها مع خصومها حتى النهاية، عبر القانون، تماماً كما لجأ الخصوم إلى القانون لإزاحتها.
 
ولو كانت أمريكا اللاتينية تعيش ظروف سبعينات القرن العشرين لما تردد هؤلاء الخصوم بإزاحتها عبر انقلاب عسكري، على دأب الجنرالات في تلك المرحلة، بالإطاحة بالرؤساء الشرعيين الذين وصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع كما فعل الجنرال بينشويت مع الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور الليندي، لكن زمن الانقلابات العسكرية، كما زمن الكفاح المسلح أصبحا ماضياً في القارة التي ولجت اللعبة الديمقراطية، لتنقل المعركة من ساحة السلاح إلى ساحة السياسة.
 
توصف ديلما روسيف أيضاً بالمرأة الحديدية وهو نفسه اللقب الذي كان يطلق على مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطاني الأسبق، التي لم تكن تجد غضاضة في أن توصف بأنها «الرجل الوحيد» في حكومتها، في إشارة إلى طغيان شخصيتها على باقي فريقها الحكومي. ومثلها لم تجد روسيف غضاضة في تقريع وزرائها علناً، ولا غضاضة في القول للصحفيين، ولو على سبيل المزاح: «أنا المرأة الفظة الوحيدة في البرازيل ومحاطة برجال لبقين».
 
ولدت لأب بلغاري، وهو محامٍ يساري الميول هاجر إلى البرازيل في نهاية عشرينات القرن العشرين هرباً من الاضطهاد قبل أن تصبح بلغاريا تحت الحكم الاشتراكي. من الأب، على ما يبدو، ورثت البنت البالغة اليوم ثمانية وستين عاماً، ميوله اليسارية، ما عرضها للاعتقال والتعذيب فترة الحكم العسكري بين الستينات والثمانينات الماضية، حين حكم عليها بالسجن ست سنوات، قضت منها، سجينة، ثلاثاً على الأقل.
 
عنها قال معلمها رئيس الجمهورية السابق لولا دي سيلفا الذي عينها وزيرة: «لقد وصلت ومعها حاسوبها الصغير. وبدأنا نتناقش وشعرت بأن لديها شيئاً مختلفاً». ورغم أنها ليست من الوجوه التاريخية في حزب العمال، إلا أن دي سيلفا حين عزم على عدم ترشيح نفسه دفع بها مرشحة لرئاسة البلاد خلفاً له، ففازت في ولايتين متتاليتين بالمنصب، ما جعلها تتفاخر في وجه من أطاحوا بها: «لقد عزلتم الرئيسة التي جاءت بأصوات 54 مليون ناخب».