المنشور

محطات ومواقف في الوحدة الوطنية

نحن اليوم بصدد مناقشة واحد من أهم المواضيع التي تشغل فئة واسعة من المثقفين والمهتمين بلشأن العام في البلاد ألا وهو موضوع ( الوحدة الوطنية ) ، كقضية تمس حاضر ومستقبل هذا الوطن، فهي ليست شعاراً  يرفع في مؤتمر أو عنوان لمقال، فالمجتمع منقسم منذ أحداث فبراير/ مارس 2011، وازداد الوضع تعقيدا وتأزيماً منذ رمضان الفائت، حيث تصاعدت وتيرة الطرح الطائفي وبرز  وبشكل واسع خطاب الكراهية المقيت في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي و المنابر الدينية.

السؤال هنا هو: من يتصدى لهذا الوباء الخبيث الذي يفتك بالمجتمع لكي يتعافى جسد الوطن منه.
أجزم بأنها مهمة ليست سهلة، ولكن هناك تجارب في محطات عدة، جرى خلالها انقاذ  الوحدة الوطنية، لهذا سوف أتوقف أمام بعض هذه  المحطات المضيئة من تاريخ حركتنا الوطنيه والديمقراطية، وهي أربع محطات بارزة .

المحطة الأولى : هيئة الاتحاد الوطني

في أعوام 1954-1956 ، أطفأت هيئة الاتحاد الوطني  النار التي كادت أن تشتعل  في البلاد بسبب الفتنة المديرة من قبل المستعمر البريطاني وأعوانه في محرم من عام 1953 ، يقول القائد الوطني الراحل عبدالرحمن الباكر في كتابه من ( من البحرين إلى سانت هيلانة ) عن فتنة محرم عام 1953، من المؤسف انه انساق وراء تلك الفتنة العمياء كثيرون من الشباب نسوا  واجبهم الوطني  وتخلوا  عن مبادئهم  انسياقا  وراء العاطفة الهوجاء وخصوصا شبابنا المثقف في المحرق، ويواصل  وقد أسفت غاية الاسف  حينما علمت بأن منهم من كان يدعي  أنه فوق  الطائفية والإقليمية  وقد انجرف وراء هذا التيار  وحمل راية التعصب الأعمى.
ويضيف الباكرقائلا : “لقد كانت مسؤوليتي كبيرة فبدأت اطفئ أوار تلك النار التي انتشرت في كل بيت في البحرين  لاسيما  وقد شاهدت بنفسي كيف كان الإنجليز  يعملون ذلك في مومباي  حينما كانوا يشعلون الفتنة  بين الطائفتين الإسلامية والهندوسية.

بذل الباكر والشملان ورفاقهما  جهوداً كبيرة لتوحيد الطرفين من خلال اللقاءات والاجتماعات التي كانوا  يقوموا بها في المنامة والمحرق. واستطاع الباكر ورفاقه تأسيس هيئة الاتحاد الوطني، التي كانت الحدث الأهم في تلك الفترة التاريخية،  في الاجتماع الذي تم في مأتم بن خميس بسنابس، ففي الثالث عشر من أكتوبر عام 1954، الذي ضم ممثلين عن السنة والشيعة من مختلف قرى ومدن البحرين ، وانبثقت منه هيئة تنفيذية عليا قوامها مائة وعشرون ولجنة تنفيذية مشكلة من ثمانية.

أنجزت الوحدة الوطنية وعلى أثرها تم رفع أهم المطالب الوطنية  للشعب وهي.
1- تأسيس مجلس تشريعي
2- وضع قانون عام للبلاد جنائي و مدني.
3- السماح بتأليف نقابة للعمال .
4- تأسيس محكمة عليا للنقض  والابرام.
لم ترق لسلطات المستعمر البريطاني وأعوانها وحدة الشعب، والتفافه حول قيادته الوطنية، فتم الإجهاز على هيئة الاتحاد الوطني واعتقال ونفي قيادتها وكوادرها، فانتهت محطة عامة من نضال وكفاح شعب البحرين.
وفي خضم نضال هيئة الاتحاد الوطني برزت جبهة التحرير الوطني البحرانية التي تأسست في 15/ 2/ 1955م، وفي أعوام 1958و 1959، تأسس حزب البعث فرع البحرين، وحركة القوميين العرب فرع البحرين.
وما يميز هذه الأحزاب السياسية انخراط المناضلين في صفوفها من كل المذاهب والأعراق  والقوميات.
والتي سوف يبرز دورها الكفاحي والنضالي في انتفاضة مارس المجيدة عام 1965.

المحطة الثانية: انتفاضة مارس 1965 المجيدة

جاءت انتفاضة مارس عام 1965، لتؤكد على تمسك شعبنا بوحدته الوطنية ضد المستعمر البريطاني وأعوانه، عندما تضامن الشعب مع مفصولي شركة بابكو الذين وصل مجموعهم إلى 1500 عامل وموظف في الانتفاضة التي قادتها الحركة الوطنية البحرينية بكل بسالة وشجاعة عندما وحدت صفوفها في المظاهرات والمسيرات بالأخص في مدينة المحرق، وكان العمل الوطني المشترك له تأثيره الواضح على الجماهير المنتفضة، ولكن المستعمر البريطاني وأعوانه قمعوا الانتفاضة بوحشية حيث سألت الدماء الزكية في شوارع  وأزقة المحرق والمنامة  ونويدرات، و زج بمناضلي الحركة الوطنية البحرينية في السجون والمعتقلات  وتشرد آخرون في المنافي، ولكن الدرس الأبلغ في الانتفاضة هو وحدة شعبنا بكل مكوناته وأعراقه و أحزابه مما شكل قلقاً لدي المستعمر البريطاني وأعوانه خوفا من تحقيق مطالب الشعب العادلة.

المحطة الثالثة: مرحلة الاستقلال الوطني وانتخابات المجلسين التأسيسي والوطني

في أواخر ستينيات  القرن الماضي كانت الإمبراطورية العجوز ( بريطانيا ) تتهيأ للانسحاب من الخليج العربي نتبجة لخسارتها السيطرة على العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا واليمن الجنوبي على يد حركات التحرر الوطني المناضلة في تلك البلدان،  ونيل استقلالها الوطني، كانت الأمور تتسارع، وكان الشاه المقبور يصر على ضم بلادنا البحرين لإيران بعد الانسحاب البريطاني، في تلك الفترة برز نضال الحركة العمالية وتحديدا في بداية سبعينات القرن الماضي، وكانت أهم مطالبها تشكيل نقابات عمالية.

ومايهمنا هنا وصول لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم  المتحدة في نهاية  مارس من عام 1970 برئاسة الإيطالي السيد رونسبير جيو  شاردي، ليتعرف على رأي الشعب البحرينى بعد مطالبة شاه إيران بضم البحرين، وفي نتيجة لقاءات المبعوث الدولي مع ممثلي الأندية والمآتم، قال كلمته وهي أن شعب البحرين يريدها دولة عربية مستقلة ويرفض المطالب الإيرانية، كما سلمت جبهة التحرير الوطني البحرانية رسالة إلى المبعوث الأممي في فندق الخليج مقر إقامته، تضمنت ثمانية مطالب أهمها حق شعب البحرين في تقرير مصيره.

ازداد نشاط الحركة النقابية و العمالية حيث توج ذلك بالانتفاضة العمالية في مارس عام 1972 بقيادة اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين وأصحاب المهن الحرة المشكلة من نقابيي  الجبهتين: التحرير والشعبية، مما سرع في تشكيل المجلس التأسيسي في عام 1973 ( نصف المعين/ نصف المنتخب ) ، وصدور الدستور في يونيو عام 1973، وبعد ذلك جرت انتخابات السابع من ديسمبر عام 1973، التي فاز فيها ممثلو ثلاث كتل رئيسية هي: (كتل الشعب/ الوسط / الدينية ) وخلال الفترة من ديسمبر 1973 إلى أغسطس 1975، جرت العديد من الأحداث أهمها الإضرابات العمالية وتشكيل أربع نقابات وتصاعد النضال المطلبي، وقد ردت الدولة على ذلك  بطرح قانون أمن الدولة، وبفضل الوحدة الوطنية والدور البارز لكتلة الشعب تم إسقاط مشروع قانون أمن الدولة من قبل أعضاء المجلس الوطني. وبعدها تم حل مجلس الوطني في 26 أغسطس عام 1975 واعتقل العشرات من مناضلي التحرير والشعبية وبعض أعضاء المجلس الوطني، وسادت  في البلاد لأكثر من ربع قرن أجواء حقبة قانون أمن الدولة.

المحطة الرابعة : العريضتان النخبوية والشعبية

في عامي 1992 و 1994، أطلقت العريضتان النخبوية والشعبية، المطالب بعودة الحياة النيابية وإشاعة  الديمقراطية والحريات العامة وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين للبلاد، ولأول مرة في تاريخ البحرين تلتقي قوى وشخصيات وطنية ديمقراطية مع ممثلين عن تيار الإسلام السياسي في البحرين على المطالب المذكورة سلفا ، في خطوة إيجابية من أجل الخروج من نفق قانون أمن الدولة وتداعياته .

تلك هي أهم  ملامح المحطات الأربع التي ذكرنا على عجالة بعض المواقف التي وحدت شعبنا، في العقود الستة الماضية، وهي دورس وعبر يجب الاتعاظ بها في الوقت الحاضر حيث الانقسام المجتمعي الواضح والملموس في بلادنا .

نعلم جيدا بأن المهمة ليست سهلة أمام أي قوة سياسية أو مجتمعية تريد إعادة اللحمة الوطنية لشعبنا و توحده من أجل حاضر ومستقبل أجيال هذا الوطن، والتجربة الماضية تعلمنا بأن القوى الوطنية الديمقراطية هي وحدها التي تستطيع الإطلاع بهذه المهمة الوطنية باعتبارها قوى سياسية عابرة للطوائف والقبائل، حيث تتوجه نحوها الأنظار لتمتلك جاهزية النهوض بهذا الدور التاريخي، الذي هي الوحيدة المؤهلة لأن تقود الشعب نحوه، إذا ما وحدت إرادتها وخياراتها في برامج مشتركة تخاطب كافة مكونات الشعب، وتتغلب على الصعوبات والمعوقات الكثيرة  التي تعيق ذلك.