الرفيق المناضل أحمد الشملان الرئيس الفخري لمنبرنا التقدمي
الأخوة الأفاضل الأمناء العامون وممثلو الجمعيات السياسية
الأخوة والأخوات الأفاضل ممثلو مؤسسات المجتمع المدني
الأخوة والأخوات ضيوف المؤتمر
الرفاق والرفيقات أعضاء المؤتمر

أُسعدتم صباحاً جميعاً

نرحب بكم في افتتاح أعمال المؤتمر العام الخامس للمنبر الديمقراطي التقدمي، ونتوجه بالشكر الجزيل لضيوفنا الكرام على تشريفهم لنا بحضور هذه الجلسة الافتتاحية، وعلى ما استمعنا إليه من كلماتهم الطيبة، متطلعين للمزيد من أوجه التعاون والعمل المشترك بيننا في القضايا التي تهم هذا الوطن ومستقبله، كما اتوجه بالشكر الجزيل لأعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر على ما بذلوه من جهود كبيرة في التحضير للمؤتمر لإخراجه بالصورة اللائقة.

في مثل هذا اليوم نفتقد وجوهاً عزيزة غالية علينا، كانت معنا في مؤتمرنا السابق قبل أن يغيبها القدر، وأخص بالذكر المناضلين أحمد الفاتح وجمال عمران اللذين رحلا عنا بعد عطاء نضالي طويل، كما نحيي أيضاً ذكرى المناضل جعفر الصياد أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني البحرانية الذي ذاق مرارات السجون والمنافي، ورحل عن دنيانا منذ أسابيع قليلة.

وعلى الدوام يظل حاضراً في قلوبنا وعقولنا القائد الوطني الكبير أحمد الذوادي الأمين العام لجبهة التحرير الوطني البحرانية وأول رئيس لمنبرنا التقدمي، وأحد رجالات البحرين الأوفياء الذين تركوا أقوى البصمات في تاريخها، ومن سيرته الكفاحية ونهجه السياسي تعلمنا ونتعلم.

كما نفتقد في مثل هذا اليوم قائداً وطنياً كبيرا وشجاعاًً آخر هو المناضل عبدالرحمن النعيمي، والذي لولا وضعه الصحي  لكان الآن  معنا في مقدمة الحضور في هذه القاعة، وأن نتمنى له الشفاء العاجل ليعود لمواصلة دوره الوطني الكبير.

أيها الأخوة والأخوات
أيها الرفاق والرفيقات،

ينعقد المؤتمر العام الخامس للمنبر التقدمي تحت الشعار الرئيسي الذي تجدونه أمامكم:” الحوار الوطني الشامل طريق لوقف التراجعات السياسية وصون الحريات ونبذ الطائفية”، وهذا الشعار يحيط، في تقديرنا، بالمفاصل الرئيسية للمهام التي تجابه البحرين في المرحلة الراهنة من تطورها السياسي.

ينطلق هذا الشعار في تقديرنا من الحاجة الملحة إلى تجديد الإصلاح ، والعودة إلى المناخ المفعم بالآمال الذي أطلقه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك عند انطلاقته، حيث وجد المجتمع في ذلك انعطافة جدية تقطع مع المرحلة السابقة المثقلة بالقمع والإرهاب وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات، وقد استقبل الشعب تلك الخطوات بشعور عال من الابتهاج وبالأمل في الانتقال بالبحرين إلى وضع جديد، مختلف نوعياً عما كان سائداً.

وبالتأكيد فان مكاسب جدية قد تحققت على صعيد الحريات المكتسبة خاصة في مجال إطلاق حرية العمل الحزبي والنقابي واتساع مساحات التعبير، وتحرير المجتمع المدني من الكثير من القيود التي كانت تكبله في الماضي، فضلاً عما شهدته الصحافة ووسائل التعبير الأخرى من تطورات ايجابية.

لكن مع تأكيدنا على أهمية ما تحقق يمكن القول أن عملية الإصلاح السياسي تعاني، في جوانب شتى، من الجمود والمراوحة، حيث تراجعت الديناميكية التي طبعت الأمر عند انطلاقة المشروع الإصلاحي، ولم تتحول عملية الانفراج السياسي والأمني التي تحققت في البلاد إلى إصلاح سياسي وإداري مستمر، على النحو الذي توجهت نحوه الآمال، خاصة وأن المشروع الإصلاحي نفسه ساهم في رفع سقف الآمال والتوقعات  لدى الناس، تجاه الآفاق التي يتعين أن يذهب إليها الإصلاح والمجالات التي يجب أن يغطيها.

ويعود ذلك إلى عدة أسباب بينها عدم استعداد الدولة للمضي في استحقاقات الإصلاح، التي تتطلب تنازلات جوهرية، والقطع مع أساليب المرحلة الماضية، بما يحقق الشراكة الجدية بينها من جهة وببن المجتمع من جهة أخرى، ممثلاً في القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، والحزم في السعي لإزالة الأسباب التي أنشأت مناخ عدم الثقة بين الطرفين في المرحلة الماضية،، فنشأت عقدة من القضايا الموروثة في مختلف الجوانب بحاجة للحل، خاصة وأن السلطة التنفيذية استمرأت على مدار عقود، العمل دون أي شكل من أشكال الرقابة الشعبية والمساءلة البرلمانية.

ومن بين الأسباب أيضاً التغيرات التي طبعت الوضعين الدولي والإقليمي، بتراجع نهج دمقرطة أنظمة الحكم، خاصة بعد ما أفرزته التطورات من انفجار للهويات المذهبية والطائفية في العديد من بلدان المنطقة، وانعكاسات ذلك على وضع البحرين، والمأزق الذي بلغته سياسة المحافظين الجدد والاتجاهات اليمينية في العالم عامة، بسبب رعونة هذه السياسة، مما وفر غطاء مناسباً للعودة عن بعض تدابير الإصلاح التي شهدتها بعض بلدان المنطقة.

وأدى اندفاع بعض القوى إلى أشكال الاحتجاج العنيفة، وازدرائها لآليات العمل السياسي اليومي الصبور الذي يجمع التراكمات ويبني عليها، إلى مواجهات غير محسوبة، ترتبت عليها تداعيات ألحقت الضرر بمجمل العمل السياسي في البلاد، وأعطت السلطة التنفيذية الذرائع لتغليظ الإجراءات المقيدة للحريات، والإفراط في استخدام القوة في مناطق مكتظة.

في هذه الظروف أطلق المنبر الديمقراطي التقدمي مبادرته للحوار الوطني الشامل، التي دعت إلى تغليب الحلول والخيارات السياسية في مواجهة التدابير الأمنية من جانب أجهزة الأمن من جهة،  وممارسات العنف في الشارع من جهة أخرى، ودعونا الجميع إلى الاتفاق على كلمة سواء من خلال إعلان مبادئ يفرض التزامات متبادلة على الدولة وعلى القوى السياسية والمجتمعية على حد سواء.

وهي التزامات تضمن للدولة مهابتها واحترام رموزها والإقرار بالنظام السياسي في البلاد كما نصت عليه المادة رقم 1 من الدستور، ونبذ كافة الممارسات العنيفة مهما كانت درجتها، والاحتكام لآليات العمل السياسي، كما تلزم الدولة بإغلاق الملف الأمني بإطلاق سراح جميع الموقوفين والسجناء السياسيين ووقف المحاكمات ووقف كافة الممارسات الحاطة  بكرامة الإنسان، وفتح حوار بينها وبين المجتمع حول القضايا الخلافية.

وقد حظيت مبادرتنا للحوار الوطني باهتمام واسع سياسي ونيابي وإعلامي وشعبي، وجاء العفو الملكي عن الموقوفين والسجناء في ما يعرف بالقضايا  الأمنية، لتؤكد صواب النهج الذي ثابرنا عليه بالدعوة للحلول السياسية، ورداً بليغاً على الذين اعتبروا قضية المعتقلين خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه.

في هذا الإطار نقيم بشكل ايجابي دعوة جلالة الملك للحوار الوطني، وقد رأينا دائماً أن للمجلس الوطني دور محوري في هذا الموضوع، وهو ما أكدنا عليه خلال لقائينا مع معالي رئيسي مجلس النواب والشورى حين تقديمنا لهما نص مبادرتنا للحوار الوطني، ولكننا من جهة أخرى نرى أن المجلسين الكريمين بتركيبتهما الراهنة، مع احترامنا الكبير لأعضائهما ولما يمثلونه، لا يعبران عن كامل ألوان الطيف السياسي والمدني في البلاد.

وانه من الضروري إذا أردنا حواراً جاداً، لا مظهرياً أو استعراضياً، أن يجري التفكير في صيغة لتمثل كافة القوى والشخصيات السياسية والمجتمعية غير الممثلة فيهما، فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني، ومجموع هذه القوى والمنظمات والشخصيات تشكل ثقلاً سياسياً ومجتمعياً لا يمكن الاستهانة بقوته وتأثيره.

إن رأي المنبر التقدمي في هذا الإطار يتلخص في التالي: نريد للحوار أن يكون أولاً: وطنياً: بمعنى ألا يكون مجرد تفاهمات أو صفقات بين الدولة ورموز هذه الطائفة أو تلك، وإنما حوار على المستوى الوطني العام، ثانياً: نريد لهذا الحوار أن يكون شاملاً فلا يستثني أحداً من القوى الفاعلة على الأرض وفي المجتمع بصرف النظر عن درجة اتفاقنا أو اختلافنا معها، وثالثاً: نريد لهذا الحوار أن يكون علنياً، تحت سمع وبصر الجميع وبآلية متفق عليها، وأخيراً: يجب أن تكون الدولة طرفاُ أصيلاً في هذا الحوار، لا مجرد مستمعة أو مراقبة.

إن هذه الأسس مستوحاة من مبادئ مبادرة المنبر التقدمي للحوار الوطني، التي ما زلنا نرى أنها المبادرة الأكثر تكاملاً وتوازناً وواقعية، فهي ترسم خريطة طريق واضحة ليس فقط  للتغلب على الاحتقان الوقتي، وإنما تُجنب البلد أية احتقانات في المستقبل إذا ما تهيأت لهذه المبادرة سبل التفعيل الذي سنظل نعمل في سبيله، ومعنا في ذلك إرادة صف واسع من الجمعيات والشخصيات ومؤسسات المجتمع المدني الحية التي آزرت المبادرة مشكورة.

ونرى أن الوقت مناسب للإقدام على خطوات فعلية في هذا الاتجاه، من شأنها أن تجدد الإصلاح عبر فتح حوار جدي حول مجموعة من القضايا التي يجب أن تناقش وتُحل، والمتصلة بأوجه الإصلاح السياسي والدستوري، وفي هذا المجال نقيم ايجابياً التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب مؤخراً ونرى فيها خطوة في الاتجاه الصحيح، اتجاه الإصلاح الدستوري الذي يوسع من الصلاحيات التشريعية للمجلس المنتخب، ويعمق من الإصلاح السياسي عامة.

ولا تقل أهمية عن ذلك ضرورة إعادة النظر في النظام الانتخابي المعمول به، الذي نراه نظاماً رجعياً وغير ديمقراطي، ولا يلبي الاحتياجات التمثيلية للقوى المختلفة تبعاً لوزنها ونفوذها، فهو يكرس المحاصصة الطائفية التي تقضي فعليا على فرص القوى الحديثة من تنظيمات ديمقراطية ومن فعاليات وشخصيات مدنية تمثل رجال الأعمال والنساء وسواهم.
وفي هذا الإطار فان المنبر التقدمي تقدم بمقترح بديل للنظام الانتخابي، بعيد عن التقسيمات المذهبية ومراع لفرص القوى الصغيرة والمتوسطة في أن تجد لها تمثيلاً في المجالس المنتخبة، ووضع حد لظاهرة الأصوات المهدرة، التي تضيع فرص فوز المرشحين الوطنيين والنساء وغيرهم.

ولا يمكن المضي قدماً في طريق الإصلاح دون حل عادل لآلام وجراح ضحايا مرحلة قانون أمن الدولة، عبر الإصغاء لمطالب التحالف الوطني للعدالة والإنصاف، وإقرار الدولة بما ألحقته أجهزتها من أذى جسدي ومعنوي بضحايا تلك المرحلة، ونكرر هنا موقفنا بهذا الصدد، بأننا لا نرمي من ذلك إلى التشفي من أحد أو إيقاع العقوبة عليه، وإنما نريد جبر الضرر، وتعويض الضحايا واستخلاص الدروس الضرورية من تلك الحقبة السوداء، لتكون عظة لنا جميعا في المستقبل، ولكي لا تنشأ مجددا الظروف التي أدت إليها.

كما ندعو إلى فتح مصارحة حقيقية حول سياسة التجنيس المتبعة من قبل الدولة، ويهمني أن أشرح موقفنا من هذه المسألة بدقة: نحن لا نحمل أية مشاعر بغضاء أو كراهية أو ضغينة لإخوتنا المجنسين من أية جنسية كانوا، فهم أخوة لنا في الإنسانية، ونتفهم الظروف التي تحملهم على الهجرة من بلدانهم جريا وراء ظروف معيشة أفضل، في عالم بات مفتوحاً للهجرة، كما اننا لسنا ضد التجنيس بصورة مطلقة، فنحن مع منح الجنسية البحرينية لمن يستحقها بالشكل الذي ينظمه القانون لمن استوفى شروط اكتسابها، خاصة من ذوي الكفاءات من معلمين وأطباء ومهندسين وسواهم ممن أسدوا خدمات جليلة لهذا الوطن.

ونحن ضد أي معالجة ذات طابع مذهبي أو طائفي لمسألة التجنيس، فالمسألة بالنسبة لنا لا تكمن في أي طائفة تكون لها الغَلبة العددية في المجتمع، لكننا نرفض التجنيس السياسي الذي ننظر إليه على انه قضية اجتماعية – اقتصادية خطيرة، فالبحرين بلد صغير المساحة مكتظ بالسكان ويعاني من نقص كبير في العديد من أوجه الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية، ومن ضعف في الكثير من أوجه البنية التحتية، فضلاً عن أشكال من الاحتقانات الاجتماعية والسياسية.

وبالتالي فانه لا يتسع لهذا العدد الكبير ممن يمنحون الجنسية البحرينية بصورة غير قانونية، فهذا ينم عن تفكير غير سديد لا يتبصر جيداً في المستقبل، وفيه هروب من الحلول الناجعة للمشاكل التي تعاني منها البلاد، عبر خلق مشكلة جديدة لا تقل خطورة، هي مشكلة المجنسين التي ستفاقم من الأوضاع وتزيدها سوءاً، وستخلق مشاكل لن تكون الدولة ذاتها بمنجاة من آثارها.

ومن العبث أن يجري الحديث عن الإصلاح دون سياسة واضحة للإصلاح الاقتصادي، موجهة لحماية مصالح الشعب الحيوية، خاصة الطبقة العاملة والفئات الكادحة، لأن أي خطط أو رؤى لا تتوجه نحو النهوض بالأوضاع المعيشية للمواطنين، وتلبية تطلعاتهم نحو حياة حرة كريمة توفر لهم العمل والسكن اللائق والخدمات الضرورية، لا تعني سوى الاستمرار في سياسة الإفقار للفئات الكادحة وتعظيم أرباح المتنفذين الغارقين في الفساد المالي والإداري حتى النخاع، والذين يرتكبون أبشع الجرائم بحق البيئة عبر الاستمرار في تدميرها بالردم المستمر للبحر وإزالة ما تبقى من أحزمة خضراء، والاستحواذ على الأراضي والجزر والسواحل، وتحويلها إلى ملكيات خاصة.

أيها الأخوة والأخوات

تحتل المسألة الطائفية حيزأ كبيرا من اهتمام المجتمع والقوى السياسية والاجتماعية فيه، حيث باتت الوحدة الوطنية والنسيج الوطني الذي تشكل عبر مخاض زمني طويل عرضة للمخاطر الجدية، خاصة بعد تفاقم ظاهرة الطائفية السياسية، التي باتت معلماً من معالم الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد في الوقت الراهن، والتي تحظى بتشجيع من قوى نافذة في المجتمع وفي الدولة على حد سواء.

وتشير التجربة الحية إلى أن التيارات الطائفية تدفع البلاد نحو أفق مسدود، لأنها بحكم بنيتها الاجتماعية والفكرية عاجزة عن الخروج من الشرنقة المذهبية، وهو امر يلقي بظلاله الثقيلة على مجمل أدائها وخطابها السياسي، الذي لا يمكن أن يتحول، في ظروف الثنائية الطائفية في المجتمع البحريني، إلى خطاب جامع موحد للشعب.

وليس أدل على ذلك من المصير البائس الذي آل إليه مشروع قانون أحكام الأسرة، الذي رغم انه يشكل في محتواه العام تراجعاً عن فكرة قانون الأحوال الشخصية الشامل الذي طالبت به الحركة النسائية والمجتمع المدني البحريني، إلا أننا بلغنا حالا جرى فيه استبعاد الشق الجعفري من القانون، ومرر الشق السني منه، في تكريس جديد آخر للقسمة المذهبية، دون مراعاة لمعاناة النساء وحقوقهن.

أن المسؤولية التاريخية الكبرى في تقديم البديل عن هذه الخيارات تقع على عاتق القوى العلمانية والديمقراطية في المجتمع، التي عليها أن تتحلى بالشجاعة في الدفاع عن أطروحاتها، وصد الهجوم الإيديولوجي الذي يستهدف الفكرة العلمانية، كما لو كانت أمراَ دخيلاً على المجتمع، أو أنها مناهضة للدين.

العلمانية فكرة متأصلة في البنية الثقافية والفكرية للمجتمع البحريني منذ بدايات مشروع التنوير والنهضة والانفتاح منذ مطالع القرن العشرين على أيدي رواد الفكر والثقافة والعمل التطوعي في الأندية والمؤسسات الثقافية، ونحن اليوم، من مختلف مواقعنا، ورثة لهذا الإرث العظيم الذي رفع اسم البحرين عالياً وميزها عن محيطها، بما عرفت به من انفتاح وتسامح، وهذا المنجز التنويري لبلادنا يجب الحفاظ عليه وتطويره وحمايته من الهجوم الذي يستهدفه، والتأكيد على القيمة الإنسانية الكبرى للعلمانية التي لا تناقض الدين، وتكن أعظم تقدير واحترام لمعتقدات الشعب وعاداته وتقاليده.

وفي هذا الإطار علينا، كوطنيين وديمقراطيين، أن نواصل عملنا للتغلب على تشتت مكونات التيار الديمقراطي،  وقد خطونا خطوات أولى في هذا الطريق علينا المضي فيها بوتيرة أسرع، فإضافة إلى بعض الفعاليات المشتركة التي أقمناها مع رفاقنا في جمعية العمل الوطني الديمقراطي”وعد”، انتظمت خلال الشهر القليلة الماضية لقاءات دورية بين “التقدمي” و”وعد” والتجمع القومي، وأقرت لجنتنا المركزية في اجتماعها الأخير اقتراحاً سنتشاور حوله مع أخوتنا في “وعد” و” القومي” ومع القوى والشخصيات الوطنية الأخرى للإعداد لمؤتمر لمكونات التيار الديمقراطي في البحرين، تحضر له، بعناية، لجنة تحضيرية مشتركة، تحدد موعده ومحاور البحث فيه واليات النقاش حولها.

ليس أمامنا من خيار صحيح سوى المضي في هذا الطريق، فغياب صيغة تنسيق دائمة بين تنظيماتنا، وفق برنامج مستقل في رؤاه وتصوراته وتكتيكاته عن برامج القوى السياسية الأخرى ذات الطبيعة الفكرية المختلفة، أضاع الفرصة في تقديم البرنامج الديمقراطي البديل للموقف الرسمي المتردد في المضي بالإصلاح قدماً، ولموقف القوى السياسية والاجتماعية الأخرى الأسيرة لبنيتها الطائفية والمذهبية، التي تجعلها غير قادرة على أن تقدم طرحاً ديمقراطياً ووطنياً جامعاً، مما افقد الساحة السياسة من الدور المنتظر لهذا التيار، بما يؤهله له تاريخه الحافل بالتضحيات والتجارب وقوة التأثير، وكذلك برنامجه التقدمي العصري.

الحضور الكريم..

في مؤتمرنا هذا نتوجه بتحية التضامن الأخوي الكفاحي مع أشقائنا في فلسطين والعراق ولبنان وفي كل البلدان العربية في نضالهم من اجل الحرية والسيادة الوطنية والبناء الديمقراطي، كما نعبر عن مؤازرتنا لكل القوى الديمقراطية في مختلف بلدان العالم في نضالها ضد النهج العدواني للامبريالية وغطرسة القوة ونهج شن الحروب والفتن، ومن أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وفي سبيل السلم العالمي.

الرفاق والرفيقات أعضاء المؤتمر،

يتأكد حضور منبركم الديمقراطي التقدمي في الحياة السياسية في البلاد، بصفته قوة مسموعة الكلمة، وتحظى أطروحاته ومبادراته بتأييد ودعم قطاعات شعبية وسياسية متزايدة، وأنظار الكثيرين تتوجه نحونا كقوة مُطالبة بدور أكبر في الحراك السياسي، وهذا يفرض علينا أن نصون وحدة المنبر مثلما نصون حدقات الأعين، ويسرني أن أؤكد للجميع أن الوحدة الداخلية للمنبر التقدمي هي اليوم أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى، وأن “التقدمي” سيمضي إلى الأمام موحد الصفوف، قوي العزيمة في التصدي للمهام التي تجابهه.

إن هذا التحدي يفرض علينا شحذ الهمم الكفاحية في الدفاع عن الحقوق المعيشية للناس، وأن نكون لصيقين بمعاناتهم ومعبرين عن طموحاتهم، والتمسك بالتقاليد النضالية لأجيال من رفاقنا الذين ناضلوا وضحوا من أجل وطن حر وشعب سعيد، في إظهار شجاعة الموقف، وفي التفاني في العمل، واستقطاب أعضاء جدد للتنظيم.

وفي سبيل هذا من الضروري ايلاء عناية كبرى لتطوير الوعي الفكري والنظري للأعضاء، فلا تنظيم تقدمي بدون أفكار تقدمية، وهو ما تؤكده التطورات الراهنة في العالم، حيث جاءت الأزمة المالية العالمية الأخيرة لتؤكد مجدداً الطابع الأناني الاستغلالي للرأسمالية، في صورتها المعولمة، ولتؤكد أن مستقبل البشرية وسعادتها هو في الخيار الذي يناضل من أجله اليسار في العالم كله: خيارالعدالة الاجتماعية والاشتراكية  وبالمثل، أيضاً، لا حركة تقدمية بدون تنظيم، مما يفرض علينا في المستقبل العمل على تطوير البناء التنظيمي للمنبر التقدمي ومنظماته الجماهيرية في التوجه للجماهير خاصة العمال والشباب والنساء.

في كلمات قليلة، أيها الرفاق والرفيقات، نحن في حاجة إلى أقوال أقل وأفعال أكثر.

في هذا المجال نحن مدعوون للعمل وفق مقولة المفكر والمناضل العظيم في تاريخ الحركة العمالية والديمقراطية العالمية  انطونيو غرامشي عن تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، والمقصود هنا أن ندرك التعقيدات والمصاعب الكثيرة التي تحيط بنضالنا، وأن نتسلح بالإرادة المتفائلة وبالثقة في قدراتنا وطاقاتنا في التغلب على تلك المصاعب.

ونحن نستطيع ذلك: ببرنامجنا السياسي، برؤيتنا الفكرية، وبخبراتنا النضالية، وأخيراً بعزمنا القوي.