ناقش مجلس النواب في جلسته التي عقدت بتاريخ 20 ابريل المنصرم مرسوما ملكيا ساميا يتعلق بقضية مهمة تتعلق بتعديلات أدخلها هذا المرسوم على اللائحة الداخلية لمجلس النواب، مضمونها الأساس وضع ضوابط وقيود على آلية المناقشة العامة التي حددتها اللائحة ذاتها وتمت على أساسها اكثر من 18 مناقشة عامة على مدار عمر التجربة النيابية الوليدة منذ العام 2002 حتي تاريخه.
بطبيعة الحال فإن تغيير وتعديل لوائح المجلس أمر طبيعي يخضع في العادة لعدة أمور جلها تتعلق بتقادم عمر التجربة وما تستدعيه الممارسة البرلمانية ذاتها، وما يترافق معها من طموحات وتوجهات نيابية وسياسية تستوجب ضرورة اجراء تعديلات محددة، من شأنها ان تساعد على تحسين الأداء العام للمجلس والنواب علي حد سواء.
الا ان الملاحظ من خلال ما تابعه الشارع البحريني اثناء مناقشة المرسوم المذكور ان مواقف الكتل والنواب جاءت متباينة الى حد كبير حيال تلك التعديلات، واللافت فيها أن الرأي الموافق علي تلك التعديلات المقيدة لآلية المناقشة العامة كان ربما هو الأكثر غموضاً، وبدى وكأنه وافق على تمرير تلك التعديلات من دون أسباب مقنعة سواء للنواب الرافضين لتلك التعديلات او حتى للشارع في البحرين..وتلك مسألة ربما تحتاج من الشارع والمعنيين بحثها بشكل اكثر وضوحا ومكاشفة، فالنائب بغض النظر عن كتلته او حتى انتماءه السياسي وشريحته الاجتماعية، هو في الأساس ممثل الشعب، منه وإليه يعود ومن حق الناس أن تفهم مغزى كل هذا الغموض أولاً وقبل كل شيء حتى تقتنع بأسبابه.
ما يهمنا في هذا الشأن هو اسباب ومبررات الموقف الرافض لتلك التعديلات التي أدخلت على اللائحة والتي مررها المجلس في نهاية المطاف بموافقة 13 نائبا ورفض 12 نائبا وامتناع 9 وغياب 6 نواب عن الجلسة لأسباب بعضها غير مبرر، في الوقت الذي كان رفض تلك التعديلات يحتاج الى تصويت 21 نائبا رافضا، بحسب ما تشترطه المادتان ( 78) و(124) من لائحة المجلس.
الموقف الرافض الذي قادته كتلة “تقدّم” النيابية كان واضحاً إلى أبعد الحدود، حيث قابل حجج الحكومة بحجج ومبررات لم تجد لها إجابات مقنعة، وهذا ما عبر عنه أعضاء الكتلة ومعهم عدد مهم من أعضاء المجلس والذي تلخص في ان تطور التجربة الديمقراطية الذي وعد به ميثاق العمل الوطني وتعزيز الدور الرقابي لمجلس النواب، يفترض بطبيعة الحال ان يكون هناك تقدم ومراجعة تقود العمل البرلماني عبر مسار تدريجي نحو الأمام وليس الى الخلف وباتجاه النكوص، وملخص ماجاء في مداخلاتنا الواضحة مع بقية زملائنا الرافضين لتلك التعديلات، أن مجلس النواب في دورته السابقة صوّت على اعاقات واضحة تسببت فيها التعديلات التي أدخلت من قبل اربع سنوات تقريبا على أداة الاستجواب، ليصبح معها الاستجواب كأداة رقابية شبه مستحيل في ظل المعطيات القائمة، وبالمثل أعاقت فتوى المحكمة الدستورية منذ أشهر دور لجان التحقيق بتقليص فترة التمديد التي كانت مسموحة لأربعة اشهر إضافية، كما حصل في فصول تشريعية متتالية، مع اعتبار توصيات تلك اللجان غير ملزمة للحكومة!
في اعتقادي أنه لا توجد مبررات مقنعة لدى الجانب الرسمي للمطالبة بإدخال تلك التعديلات، والتي أرى من موقعي وكما ذكرت في مداخلاتي اثناء النقاش أن ذلك حصل على خلفية المناقشات العامة التي قام به المجلس الحالي في ملفين مهمين هما الملف التعليمي وملف إصلاحات سوق العمل وقضية البحرنة، التي اولاها المجلس الحالي جهداً استثنائياً بشهادة الجميع، حيث اتسمت تلك النقاشات حينها بالجدية والواقعية، كما شخصت أوضاع التعليم وسوق العمل بشكل واضح وشفاف ووضعت لها الحلول المناسبة، لكن كل ذلك لا يبدو بكل اسف انه مقبول من الطرف الرسمي، رغم أنه يؤسس لتفاعل خلاق ومثمر بين السلطتين،، ويخلق تكاملا في الأدوار طالما تمنيناه لتجربتنا الديمقراطية الوليدة التي علينا أن نحرص باستمرار على دعمها وإسنادها بكل السبل لترتقي، ولو بالتدرج البطيء، وعدم السماح بعودتها تحت أي مبررات الى الوراء، فالديمقراطيات الحديثة والناشئة منها تحديداً لم ترتق إلا بالصبر والتحمل والمكابدة من قبل جميع الأطراف.
تلك امنيات سنظل مدافعين عنها ونحن نمارس دورنا في رفد التجربة البرلمانية بخبراتنا المتواضعة مع بقية المخلصين للتجربة رغم كل التحديات، وتلك مهمات يجب ان لا تنتقص أو أن يسمح لها بأن تصيبنا باليأس والقنوط مهما عظمت تلك التحديات فتلك هي طبيعة العمل السياسي على أية حال.