كان متوقعاً كل هذا الجدل الذي أثارته، وستثيره، الرسالة التي بعثها سمو ولي العهد، رئيس مجلس التنمية الاقتصادية إلى جلالة الملك حول العلاقة بين المجلس وبين بعض الاجهزة في الحكومة. ولي العهد تحدث في رسالته عن أن عمل المجلس لم يجد له صدى لدى بعض المسؤولين الحكوميين، الأمر الذي أدى إلى تحقيق صعوبات جمة في تنفيذ مشروعات وخطط وبرامج المجلس. وهو أمر بات متداولاً منذ سنوات في الأوساط السياسية والاقتصادية في البلد، التي تتحدث عن ازدواجية في القرار الرسمي حيال عدد من الملفات، من أبرزها الملف الاقتصادي. وكشفت الورش وحلقات الحوار التي دعا إليها ديوان ولي العهد ومجلس التنمية الاقتصادية لمناقشة خطط المجلس في الإصلاح الاقتصادي والتعليمي وسوق العمل عن وجود رؤى مختلفة، بين ما يراه مجلس التنمية وبين ما تراه بعض أجهزتها المؤثرة وصاحبة القرار. وهو اختلاف تبلغ درجته حد التعارض والتناقض في أغلب الحالات بالطريقة التي تجعل الحديث عن وجود رؤية موحدة للدولة حول الإصلاح الاقتصادي حديثا متعذرا. وهو أمر لا يصح الاستمرار فيه والسكوت عنه، لأن وجود أجندات متعارضةٍ ومتناقضةٍ في الدولة تجاه واحد من أهم ملفات الإصلاح، أي الإصلاح الاقتصادي، لا يعني استمرار حال المراوحة فقط، وإنما تكوّن الظروف التي تدفع بهذا الحال إلى الوراء أيضاً. وهذا يدفعنا إلى تكرار ما قيل مرارا عن أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مسؤولين وأجهزة وعناصر وكفاءات مؤمنة به، وقادرة على التعاطي مع آلياته، وتفعيلها للمضي بأهداف هذا الإصلاح نحو المرامي المتوخاة منه. لا يمكن توقع من أجهزة إدارية تشكلت وعملت في الظروف السابقة، واعتادت على أساليب معينة في الأداء، خاصة في ظل الغياب المطلق للرقابة الشعبية والبرلمانية، أن تصبح هي ذاتها من سيعمل على تنفيذ مشاريع الإصلاح. والأمور هنا لا تقاس بالكلمات أو بالخطاب الإعلامي، وإنما بالممارسة الفعلية التي تتجسد على شكل خطوات وتدابير، هي التي حملت ولي العهد على الحديث عن عدم تعاون بعض الأجهزة الحكومية مع مشروعات وبرامج مجلس التنمية. في كلمات، لا يمكن أن نقوم بالشيء أو نقيضه في الآن ذاته، ومن هنا مسؤولية الدولة، ممثلة بأجهزتها المختلفة ومواقع اتخاذ القرار فيها، أن تحسم أمرها حول ما تريده بالضبط، وأن تقدم رؤيتها الموحدة التي على المجتمع أن يعرفها ويتعاطى معها، سواء بالنقد البناء أو التفاعل الايجابي. إن كلمات ولي العهد تشير إلى جوهر مشكلة أوسع، لا سبيل إلى التغاضي عنها، فطالما كانت أجهزة رسمية، من وزن مجلس التنمية الاقتصادية، تتوفر على مقدار من النفوذ والصلاحيات والإمكانيات المادية تشكو من عرقلة الحكومة لخطواتها، فما الذي يمكن أن يقوله البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة عن طريقة تعامل بعض الاجهزة في الحكومة معها؟!
صحيفة الايام
16 يناير 2008