المنشور

نحو مخرج للأزمة البرلمانية

بات من الواضح ان الأزمة البرلمانية الراهنة وهي اخطر الازمات التي مر بها البرلمان الحالي، والناجمة عن اصرار جمعية الوفاق على طلب استجواب وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ احمد عطية الله آل خليفة، في مقابل اصرار الكتل النيابية الاخرى على رفض هذا الاستجواب، هي ازمة جدية تهدد السلطة التشريعية بالشلل اذا ما استمرت جميع الاطراف المعنية بالأزمة على مواقفها الثابتة دونما حلحلة للوصول الى مخرج حل وسط مشرف يحفظ ماء وجه الجميع كبديل عن التنازل المجاني المهين والذي يشكل احراجاً امام قواعدها الانتخابية. ويزيد من تعقيد الموقف ودقته مرور ثلاثة اسابيع، أي ثلاث جلسات والازمة تراوح مكانها، حيث يتكرر ذات السيناريو من الاصرار المتبادل على المواقف نفسها، فانسحاب الرئاسة، فاندلاع المجابهات الصاخبة بين النواب من دون البت في القضايا الآنية المهمة المطروح على جدول الأعمال، اللهم النزر اليسير منها هذا اذا تيسر الأمر بمناقشتها. وحتى كتابة سطور هذا المقال فإنه لا يبدو في الأفق أي مخرج لحل وسط، الأمر الذي يذكرنا بتشابه هذا السيناريو المتكرر الممل مع سيناريو شلل المجلس النيابي منذ عدة شهور لغياب الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية حيث فشل الاجتماع المطلوب لتحقيق النصاب 17 مرة على التوالي. وذلك بسبب عدم تفاهم الكتلتين النيابيتين الرئيسيتين، الموالاة (14 آذار) من جهة، والمعارضة التي يشكل حزب الله الطرف الاساسي فيها من جهة اخرى. ومع ذلك فثمة عدة اسباب تدفعنا للتفاؤل بأن الازمة البرلمانية البحرينية لن تكون بأي حال من الاحوال صورة طبق الاصل للأزمة اللبنانية، وان ثمة حلا وسطا مشرفا يرجح ان يتم التوصل إليه إن لم يكن في يوم او عشية يوم جلسة الثلاثاء الوشيكة (غداً) فجلسة ثلاثاء الاسبوع المقبل على الأبعد، وان سيناريو حل البرلمان الذي يلوح به تلميحاً بعض الجهات النيابية العليا ليس صحيحاً، فلا السلطة في وارد اتخاذ مثل هذه الخطوة، وبخاصة بعد ما اتعظت من التجربة البرلمانية السابقة وأمنت للتجربة الجديدة كل ما يجنبها اتخاذ مثل هذا القرار، ولا “الوفاق” التي قاطعت الدورة البرلمانية السابقة في وارد الاكتراث او التخوف من لجوء السلطة إلى خطوة كهذه مستبعدة أصلاً كما هو واضح جيداً من قراءة مواقفها واتجاهاتها من قبل اي مراقب او محلل سياسي، فضلاً عن مواقف وخطب مرجعيتها ممثلة في الشيخ عيسى قاسم، لا بل لربما وجدت الوفاق في هذا الموقف، اي حل البرلمان افتراضا، وهو افتراض مستبعد كما ذكرنا، أو الانسحاب منه مخرجاً “مشرفاً” لأزمتها السياسية الخارجية في الشارع الضاغط عليها بقوة لنيل استحقاقات مطلبية هي عاجزة عن تحقيقها لأسباب ذاتية وموضوعية معلومة. لكل هذه العوامل والاسباب نبني تفاؤلنا بأن الرموز العقلانية والحكماء من النواب سيبذلون قصارى جهودهم – رغم قلتهم – بالتضافر مع الجهود الحثيثة التي تبذلها رئاسة الحكومة والقيادة السياسية ورئاسة الغرفة الثانية المعينة (مجلس الشورى) لفتح الطريق المسدود الذي وصلت إليه الازمة لإنقاذ السلطة التشريعية من الشلل وتفادي الوصول الى أي سيناريو غير محمود العواقب من السيناريوهات المتوقعة المشار إليها آنفاً بما فيها انسحاب الوفاق من البرلمان ومن ثم الحفاظ على سمعة التجربة النيابية الوليدة، فضلاً عن سمعة المشروع الاصلاحي. وفي هذا الصدد وتأكيداً لذلك تبرز أهمية ودلالات المبادرات والمساعي الاخيرة التي بادرت لها الاطراف والجهات العقلانية المذكورة، وعلى وجه الخصوص هذان المسعيان الحميدان: الأول: موقف ومسعى صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الذي تميز بالحنكة والحيادية كرئيس للسلطة التنفيذية تجاه ازمة داخلية في السلطة التشريعية، وذلك بأن اجتمع مع رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، أكد فيها الأول خلال المقابلة للثاني ان انجاح التجربة الديمقراطية يتطلب عملاً مشتركاً بين جميع مكونات المجتمع ومؤسساته الرسمية والشعبية، بمعنى انه لا يجوز تجاهل أي مكون من هذه المكونات اوقات الازمات المستعصية. كما التقى سموه بعدئذ وزير الشئون البرلمانية عبدالعزيز الفاضل للتباحث حول ذات القضايا المستجدة. على ان ابرز موقف لافت لسمو رئيس الوزراء هو اجتماعه بكتلة الوفاق بناء على طلبها برئاسة الشيخ علي سلمان وحرصه على التأكيد خلال هذه المقابلة تقديره للدور الذي تقوم به الكتل البرلمانية وبضمنها “الوفاق” على الساحة الوطنية والبرلمانية، وان مجلس النواب، بكتله واعضائه، شركاء مع الحكومة في تحمل المسؤولية الوطنية، وكل له دوره الذي كفله الدستور، كما اكد سموه أن الحق الرقابي للنائب مكفول دستورياً على أعمال الحكومة بجميع وزرائها من دون استثناء. كما اكد سموه ايضاً ضرورة عدم اعاقة الادوات البرلمانية. الثاني: مبادرة رئيس الغرفة المعينة (مجلس الشورى) ورئيس البرلمان (المجلس الوطني) علي الصالح الى الاجتماع بقيادة “الوفاق” في مقرها للبحث عن سبل او مخارج للطريق المسدود الذي وصلت إليه الازمة البرلمانية، ولا شك في أن مبادرة الصالح هذه باجتماعه مع كتلة نيابية في مقرها لهي مبادرة محمودة تتصف بالحنكة والشجاعة والتواضع، كما تتحلى بقدر عال من المسؤولية الوطنية متجردة من أي حساسيات او متطلبات شكلية بروتوكولية. * * * } مع مثول هذا المقال للطبع علمنا من الصحافة المحلية بأن عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أصدر توجيهاته السامية بإحالة الرسالة التي تلقاها جلالته من رئيس كتلة الوفاق، والمتضمنة مرئيات وملاحظات الكتلة حول قضايا الشأن العام المعروضة على المجلس، الى الجهات المعنية في السلطة التنفيذية لإبداء ردودها على تلك الملاحظات. وبطبيعة الحال فمن المؤمل ان تسهم كل هذه التحركات والمساعي الحميدة التي تبذلها كل الجهات المتقدم ذكرها في ايجاد مخرج للأزمة.. ولعل الآمال معقودة بقوة الآن على تدخل جلالة الملك لما يتمتع به طبقاً للدستور من صلاحيات تشريعية وتنفيذية. وحفظ الله البحرين من كل مكروه. 

 صحيفة اخبار الخليج
17 مارس 2008