المنشور

كلنا سـائرون على نهـج السـنبلة الأولى (2)


1. المنبر قراءة صحيحة للواقع :

أثبتت الأحداث التي مرت بها البحرين منذ إقرار ميثاق العمل الوطني حتى اللحظة صحة وواقعية  القراءة – قراءة الواقع السياسي – التي تبناها المنبر ، إذ أكدت بياناته وأدبياته منذ التأسيس ( ويمكن الرجوع إليها من خلال موقع المنبر الالكتروني القديم والجديد ) على صلابة موقفه من المشروع الإصلاحي ومن مختلف الملفات والقضايا التي طرحت في المجتمع، كما أكد برنامجه السياسي  على انه على الرغم من أهمية ما أنجز سياسيا منذ بدء مشروع الإصلاح إلا أن الطريق نحو استيفاء شروط الملكية الدستورية مازال طويلا، واضعا ابرز المهام السياسية الشاخصة في المرحلة الراهنة من بينها الانطلاق مما تحقق من مكتسبات والعمل على تطويرها ( أنظر البرنامج السياسي للمنبر تجد فيه شرحا وافيا لرؤية المنبر الواقعية للواقع السياسي منذ إقرار الميثاق حتى تاريخ أقراره في المؤتمر العام الثاني للمنبر عام 2005 ، وهو قابل للتعديل من قبل المؤتمر حسب نص المادة من النظام الأساسي ) . وفي هذا الإطار كان للمنبر موقف متقدم متميز عن سائر القوى السياسية التي قاطعت أو شاركت في الحياة النيابية أو التعاطي  مع دستور 2002 ،  فقدم رؤية واقعية  لأحكام الدستور مؤكد على إنه مهما كان الرأي في مصدره  منحة أم عقد ، جديد أم معدل ، صدر عن إرادة شعبية أم منفردة ، مخالف لميثاق العمل الوطني أم متفق معه ، فانه يظل حدثاً هاماً في تاريخ البحرين السياسي ، جاء بعد مرحلة طويلة من الفراغ الدستوري امتدت لأكثر من ربع قرن ، وشكل صدوره خطوة هامة ، إن لم تكن هي الأهم صوب التحول الديمقراطي في البلاد ، يتعين على المخاطبين به التعاطي مع أحكامه ، تعاطيا يستثمر ما نص عليه من أحكام ومبادئ هي لصالح الناس والمجتمع ، كتلك الأحكام التي ترسي وترسخ مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون ، واستقلال القضاء ، ونصت على حق مجلس النواب وحده في مراقبة أعمال الحكومة ، وتعاطيا في جانب آخر منه يناضل من أجل تعديلات دستورية ، بوسائل سلمية ، من داخل المؤسسة التشريعية القائمة ومن خارجها ، بحيث يكون جوهرها إلغاء أو تعديل  ما نص عليه دستور 2002 من أحكام جديدة نالت وانتقصت من الدور التشريعي للمجلس المنتخب ، ومنحت السلطة التنفيذية هيمنة واسعة على عمل السلطة التشريعية . ( أنظر محاضرة كاتب المقال حول المسألة الدستورية ما بين الإشكالية والحل المنشور على موقع المنبر القديم ). وقد صاغ المنبر رؤيته بوضوح حول الإصلاح الدستوري رابطا ذلك بقراءة الواقع، واقع أعمال دور الفصل التشريعي الأول للمجلس الوطني، واصدر بهذا الخصوص ( وثيقة الإصلاح الدستوري ). وليس مصادفة أن يكون المنبر التقدمي بهذا المستوى من الرؤية الواقعية للأحداث التي مرت بها البحرين، وأهمها المشاركة في الحياة النيابية، والموقف المبدئي من المسألة الدستورية، ذلك انه يستمد رؤيته الواقعية من امتداده التاريخي (جبهة التحرير الوطني ) كأول تنظيم يساري ليس في البحرين فحسب، بل في منطقة الخليج، كان في مقدمة الصفوف في النضال ضد المستعمر البريطاني، خاض تجربة انتخابات 1973 على قصرها كانت مفيدة له في قراءة الواقع الجديد الذي نشأ في البحرين، ومثلما كان نهج هذا الامتداد صائبا في هذه التجربة، وفى البرنامج الذي رسمه هذا الامتداد منذ عام 1955 – برنامج الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلم – فأن هذا النهج قد قرأ الواقع الجديد وظل صحيحا في انتخابات 2002، وسيظل كذلك في مستقبل التحول الديمقراطي الذي ننشده  للبحرين . ومن هذا النهج القديم الجديد ، ومن المتغيرات التي مرت بها البحرين، جاء برنامج المنبر الاسترشادي للانتخابات البرلمانية 2002 الذي أصدره في تلك الفترة، وكذلك البرنامج الانتخابي لكتلة الوحدة الوطنية في انتخابات 2006 ليطرح أهداف واقعية لا تستجيب للواقع المتاح فحسب بل تسعى لتطوير هذا الواقع نحو واقع جديد متاح آخر، مؤكدا على أهمية وضرورة المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية، مشاركة واثقة بالمستقبل، دون أن يتنازل المنبريون عن ثوابتهم من اجل الحرية والتقدم وفي سبيل مجتمع خال من الاستغلال . بهذا المعني  فأنه ليس صحيحا ما أورده عبد الهادي خلف في مقاله المشار إليه بأن  ( أفراد معينون قاموا بتسويق قراءة مرتبكة للواقع السياسي في البحرين في العام 2001 ) ذلك أن إطلاعا متفحصا على وثائق المنبر وبياناته وقرارات مؤتمراته العامة بما فيها المؤتمر الأخير، وقرارات مجالس الإدارة قبل توفيق أوضاعه بعد صدور قانون الجمعيات السياسية، أو تلك القرارات التي صدرت بعد ذلك من قبل اللجنة المركزية أو المكتب السياسي، إن جميع هذه الوثائق تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن جوهر قراءة المنبريين لواقع البحرين السياسي الذي نشأ بعد إقرار الميثاق  لم تكن  قراءة مرتبكة  (اعتمدت على تفاؤل مفرط في تقييم قدراتهم الذاتية في مقابل استصغار قدرات الآخرين بمن فيهم النظام ) كما كان يتصور أو يعتقد عبد الهادي الذي لم يحدد لنا أوجه هذا الارتباك، بل جاءت هذه القراءة واعية غير ساذجة، ولم يقم أفراد معينون بتسويقها، بل ساد مناقشتها وإقرارها الروح الجماعية والديمقراطية أكدت وتؤكد الأحداث صحتها يوما بعد آخر، ولا ينال من ذلك بعض القرارات العاجلة التي صدرت من أول مجلس إدارة للمنبر مثل قرار المشاركة في الحياة النيابية، والتي صادق عليها المنبريون بعد ذلك سواء في لقاءات هذا المجلس مع الجمعية العمومية أو في مؤتمراته العامة، إذ سجلت الأغلبية موافقتها علي جوهر رؤية المنبر للواقع السياسي وعلى قرار المشاركة، بل لم نجد أحدا قد سجل اعتراضا على ذلك في مؤتمرات المنبر العامة التي مرت. إن قراءة الدكتور عبد الهادي هي القراءة المرتبكة لا للواقع السياسي في البحرين فحسب بل لقراءة المنبر لهذا الواقع،ولا عجب أن تكون حالة الارتباك هذه والتي جاءت في معظم المقالات التي كتبها حول المنبر تتصف بهذه الصفة، فهو لم يكن حاضرا ولا متواجدا في أي من الأحداث الكبرى والمواقف المفصلية التي ناقشها المنبريون بجسارة في بيتهم الداخلي ولم يبد أي رأي حول أي من مواقفهم سوى عبر المواقع الالكترونية أوفي الصحافة، ويتحامل ضد بعض الرفاق وبحساسية شخصية لا تخدم المنبر ولا تطور من مواقفه، بل أوجدت استياء كبيرا عند أعضاءه. ولعل من المهم بهذا الصدد أن نشير إلى ما أورده الرفيق الخالد أبو قيس وهو يطرح رؤية المنبر للواقع السياسي بعد صدور دستور 2002 حيث قال ( علينا التعاطي مع الواقع لكن ليس هو الواقع الساكن الذي لا مفر منه بل هو الواقع المتحرك الذي نصنع منه واقعاً أفضل منه )، وهو الرجل الذي لم تنل من عزيمته أن يكون علاجه على نفقة الملك أو تكون تلك الرعاية التي أحيط بها وهو يتلقي العلاج، فذلك حق يستحقه وهو تأكيد واعتراف من رأس الدولة بالمكانة الرفيعة التي يمتاز بها، وليس أبو قيس من أولئك اللذين كانت يغريهم رنين ذهب المعز مهما علا هدا الرنين، وليس أبو قيس من أولئك اللذين يحددون مواقفهم من دستور 2002، أو رأيهم في المشاركة في الانتخابات التشريعية بناء على إنه قد تلقى العلاج على نفقة الدولة، فقد ظل وسيظل أبو قيس مناضلا صلبا ومثالا يحتذى به ليس عند أعضاء المنبر فحسب بل عند كافة القوى السياسية، والشخصيات الوطنية والصديقة .



2. المنبر عمل مشترك فاعل لم يكن حليفا للسلطة:


يتهم الدكتور عبد الهادي في مقاله المشار إليه المنبر بأنه حليف للسلطة وأقتبس مما أورده بهذا الصدد ( ولا شك أيضاً أن لذهب المُعِزّ رنينا يغوي البعض. ولهذا أضحى التحالف مع السلطة أهم بكثير من تنظيم العمل المشترك مع الشركاء في مظلة التيار الوطني الديمقراطي وأهم بكثير من تمتين التضامن مع القوى الوطنية الأخرى. بل وأهم من المحافظة على التماسك في صفوف المنبر نفسه (فهل جاء هذا القول صحيحا أم جاء متدنيا ومفتقدا للدقة ؟ إن القراءة المنصفة لوثائق المنبر وعلى وجه خاص برنامجه السياسي في النص وفي التطبيق ، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن المنبر كان أكثر القوى السياسية حرصا على وحدة التيار الديمقراطي، وهو أول من سعى ويسعى لتمتين التضامن والعمل المشترك مع القوى الوطنية الأخرى، وقد نال هذا الموقف وما يزال التقدير من هذه القوى، و لم يتخل المنبر عن أية فعالية تعزز من هذا التضامن، دون أن يتنازل عن ثوابته ومبادئه محتفظا بعلاقة طيبة تضامنية معها، أبرزها مشاركته مع القوى السياسية في جميع الفعاليات المتعلقة بملف الشهداء وضحايا التعذيب، وملف التجنيس،  وغيرها من الفعاليات التي نددت بتعسف السلطة وهي كثيرة، ندعو الدكتور عبد الهادي الرجوع إليها ليتيقن إلى أي مدى كان المنبر واحدا من القوى السياسية الفعالة التي لا يمكن تجاهلها في تمتين التضامن مع القوى السياسية الوطنية ومن اجل عمل مشترك فاعل ضد كل ما هو تعسف صادر من السلطة التنفيذية، وعليه فإنه من العيب توجيه تهمة التحالف مع السلطة لتنظيم عريق كان وما يزال في مقدمة الصفوف في النضال من أجل العدالة الاجتماعية . وقد وجد المنبر الديمقراطي التقدمي في نضال  القوى السياسية من اجل تعديل النظام الانتخابي وإعادة النظر في الدوائر الانتخابية خطوة أولى وعاجلة، والمشاركة في انتخابات 2006  واقتراح التعديلات الدستورية من خلال المؤسسة التشريعية القائمة رغم ما يعتريها من عوار وعيوب أوجدها دستور 2002  كخطوة ثانية، هما  المدخل الواقعي  للحوار مع الحكم. كما أكد المنبر بهذا الشأن قبل غيره من القوى السياسية على  ضرورة تفعيل قرار المؤتمر الدستوري  بعقد مؤتمر حوار وطني شامل يكون شعاره ( من اجل تعديلات دستورية تحقق الفصل بين السلطات)  يهدف إلى بحث المسألة الدستورية في حوار جاد يجيب على الأسئلة : ما هي مآخذنا على الدستور الجديد ؟ وما هي الأحكام التي نالت من الاختصاص التشريعي والرقابي للسلطة التشريعية ؟  كيف السبيل إلى حل الإشكالية الدستورية التي أوجدها دستور 2002 خلافاً لمبادئ ميثاق العمل الوطني. وإذا كانت الجمعيات السياسية الأربع التي قاطعت انتخابات 2002 النيابية كانت ترى الطريق لإجراء هذه التعديلات الدستورية هو الحوار والتوافق مع الحكم مباشرة دون التعاطي مع المؤسسة التشريعية القائمة، فأن المنبر الديمقراطي التقدمي كان وما يزال يرى أهمية  إجراء هذه التعديلات من داخل البرلمان  ومن خارجه . فهو في الوقت الذي أكد على أهمية الحوار والتوافق مع الحكم لحل الإشكالية الدستورية، وجد وما يزال  في المؤسسة التشريعية القائمة والمشاركة فيها رغم ما يعتريها من عيوب ونواقص شكل من أشكال النضال الصعبة للدفاع عن مكتسبات الشعب ومراقبة أعمال الحكومة، وخطوة هامة نحو الإصلاح، وإجراء لابد منه لعملية التحول الديمقراطي، ويفتح باباً واسعاً في (الجدار العازل) حسب وصف المناضل عبد الرحمن النعيمي للحوار مع الحكم حول المسألة الدستورية . وإذا كانت هذه القوى ترى منفردة بأنها وحدها هي المعنية بالمسألة الدستورية وعبر قرارات المؤتمر الدستوري، فأن المنبر كان وما يزال يراها شأنا وطنيا يشمل المجتمع البحريني برمته، وان حلها يستلزم قبل الدعوة إلى الحوار والتوافق مع الحكم حوارا وتوافقا وطنيا من قبل جميع الفعاليات والقوى الوطنية في المجتمع ، عبر حوار وطني شامل. إن هذه الدعوة كانت وما تزال تشكل حلا وسطا واقعيا ، قد يكون  مقبولا لدى كل من يهمه الشأن الدستوري، ومدخلا واسعا للحوار مع الحكم، فالتاريخ يعلمنا، بل يعلم كل أطراف المسيرة الإصلاحية، انه كلما توحدت المعارضة زادت هيبتها، وقلت حيلة الحكم وضعفَ شعاره ( فرق تسد )، وانه كلما استعدت المعارضة للوصول لحلول وسط، وتحالفت مع غيرها بروح الحد الأدنى من القواسم المشتركة، كلما كانت قادرة على إدارة الصراع مع السلطة بنجاح، وهى قيم ضرورية ولازمة لعملية أي تحول ديمقراطي في أي مكان من العالم. ولعل عدم إدراك الجمعيات الأربع هذه الحقيقة هو السبب الرئيسي لفشلها في إدارة الملف الدستوري والملفات الأخرى، بل وفشل كل القوى السياسية في إدارة الصراع مع السلطة. هكذا كان المنبر وسيظل في المفهوم والممارسة متمسكا قبل غيره بضرورة تنظيم العمل المشترك مع الشركاء في مظلة التيار الوطني الديمقراطي وتمتين التضامن مع القوى الوطنية الأخرى، في مواجهة تعسف السلطة لا التحالف معها كما توهم الدكتور عبد الهادي خلف.

خاص بالتقدمي