المنشور

الوطن ليس مزاداً‮ ‬ولا مناقصة‮.. !‬

مهما جاءت ثمار نتائج أي‮ ‬جهود للتهدئة،‮ ‬أو أي‮ ‬صيغة توافقية لأزمة الاستجواب الراهنة التي‮ ‬مسكت بتلاليب مجلس النواب،‮ ‬والتي‮ ‬اتضح أمس الأول بأنها عادت مرة أخرى إلى المربع الأول،‮ ‬فإنه‮ ‬يجب أن لا نجيز لأنفسنا الغفلة عن تداعيات هذا الذي‮ ‬حدث،‮ ‬لأننا إن فعلنا ذلك فإننا نكون قد اخطأنا خطأ فادحاً‮.‬ أحسب أن أخطر التداعيات التي‮ ‬أفرزها هذا الذي‮ ‬جرى في‮ ‬مناخ نفترض أنه ديمقراطي‮ ‬وإصلاحي،‮ ‬هو هذا الشرخ المتمثل في‮ ‬الجو المشحون بكل بواعث القلق الذي‮ ‬يبدو أنه لن‮ ‬ينتهي،‮ ‬فقد لاحظنا أن الأمر ظهر كما لو أنه ارهاصات انقسام طائفي،‮ ‬حيث تحول المشهد إلى اولمبياد أظهرت فيه الكتل النيابية ما عندها من عضلات طائفية وسياسية وشخصية ومصلحية ونفعية في‮ ‬معارك خائبة ومفتعلة وغير منضبطة مهما تلفع أصحابها برداء الحكمة،‮ ‬وتبنوا عناوين وشعارات تدعو الى تغليب مصلحة الوطن ووحدة أبنائه،‮ ‬وإنجاح التجربة الديمقراطية التي‮ ‬باتوا‮ ‬يتلاعبون بها حسب مشيئتهم واهوائهم‮.‬ لقد بدا أن بعض النواب أصبحوا مستحقين بجدارة لميداليات ذهبية وفضية وبرونزية لأدوارهم وبطولاتهم في‮ ‬التصعيد والتأجيج والتأزيم والجنوح إلى المنزلق الطائفي،‮ ‬وربما تكفي‮ ‬المعاينة اليومية لتصريحات ومواقف هؤلاء النواب لنكتشف إلى أي‮ ‬مدى أضفي‮ ‬البعد الطائفي‮ ‬على نزاع سياسي‮ ‬بشكل‮ ‬يتعذر إنكاره،‮ ‬وهو أمر لا‮ ‬يتصل فقط بموضوع الاستجواب إياه فحسب،‮ ‬وإنما في‮ ‬مواقف أخرى سابقة ضٌخمت فيها القضايا الصغيرة لتصبح قضايا كبيرة تثير قدرا كبيرا من الالتباس،‮ ‬بل افتعلت مشاكل من لا شيء ليصبح واقعنا مخرق النسيج حينما اراد البعض أن‮ ‬ينتج شعوراً‮ ‬طائفياً‮ ‬وطموحاً‮ ‬طائفياً‮ ‬وولاءً‮ ‬طائفياً‮ ‬يتقدم ويطغى على أي‮ ‬ولاء آخر‮. ‬وامتد الشرخ القائم بفعل أيادٍ‮ ‬خفية إلى الشأن البلدي،‮ ‬حيث‮ ‬يمكن الاشارة كمثال فيما‮ ‬يمكن اختزاله تخفيـــفاً‮ “‬مشروع النويدرات الإسكاني‮” ‬حينما افتعلت اعتراضات ومنازعات وتدخلات حول أحقية أهالي‮ ‬عدد من القرى ومشروعية مطالبهم في‮ ‬توزيع الأراضي‮ ‬والمساكن،‮ ‬بعد أن تدخلت أطراف من نواب وبلديين ليشككوا في‮ ‬هذه الأحقية وطعنوا في‮ ‬مشروعية المطالب وسط كثير من الصخب والزعيق والتصعيد المبرمج لتجاذبات باتت تطرق من دون وجل،‮ ‬أثارت‮ ‬غباراً‮  ‬كثيفاً‮ ‬ذا لون طائفي‮ .‬ ووسط هذه الأجواء بدأنا نقتنع بأن بلادنا كان‮ ‬يمكن أن تكون في‮ ‬أوفر عافية لو لجم أصحاب السعادة النواب،‮ ‬ومعهم كثير من أعضاء المجالس البلدية أنفسهم حتى لا ننساق إلى المزيد مما أصبح واقعنا‮ ‬يعج به من مجهولات تدفع إلى اسوأ الاحتمالات والتي‮ ‬ربما باكورتها واطلالتها الدعوة التي‮ ‬طرحت لحل مجلس النواب‮.‬ ‮ ‬وإن كان البعض قد استنكر هذه الدعوة واعتبرها دعوة‮ ‬غير مدروسة ولا تصب في‮ ‬صالح المشروع الإصلاحي،‮ ‬وسط تأكيدات بأن الخلاف على الاستجواب سيبقى سياسياً‮ ‬ولن‮ ‬ينفلت من عقاله لينتقل إلى المنزلق الطائفي‮ ‬الذي‮ ‬برأي‮ ‬رئيس كتلة الوفاق سيبقى خطاً‮ ‬أحمر لا تتقدم عليه مصلحة أو استجواب‮ .‬ ما‮ ‬يهمنا أن هذا الذي‮ ‬يقال همساً‮ ‬وتردداً‮ ‬يضع اليد على القلب،‮ ‬والذي‮ ‬يقال أن ثمة أصابع تلعب وتحرك وتوجه وتؤجج وتؤزم،‮ ‬أو هكذا‮ ‬يبدو الأمر في‮ ‬أفضل الأحوال،‮ ‬ودعونا نعتبر هذا في‮ ‬اطار الظن‮ – ‬رغم أن بعض الظن إثم‮ – ‬وننطلق من قناعة بأن الوطن ليس مزاداً‮ ‬ولا مناقصة ولن‮ ‬يكون،‮ ‬ولهذا فمعيار الحكم على الممارسات الرديئة للنواب ولأطراف وقوى اللعبة السياسية‮ ‬يجب أن تتوقف فوراً‮.‬ ‮ ‬ولا‮ ‬يجب على الحكومة أن تبقى في‮ ‬دور المتفرج وكأن الأمر لا‮ ‬يعنيها،‮ ‬ولا‮ ‬يجب أن تجعل من الاختلاف على استجواب وزير أياً‮ ‬كان هذا الوزير عرضة لتجاذبات كتلك التي‮ ‬نشهدها اليوم في‮ ‬موقف‮ ‬يثير كثيراً‮ ‬من علامات التعجب حيال هذا الصمت المطبق مما‮ ‬يجري‮ ‬ويجري‮ ‬وأيضاً‮ ‬حيال حقيقة نوايا التعامل مع الاستجواب الذي‮ ‬هو أرقى أداة رقابية في‮ ‬يد البرلمان لا‮ ‬يجب تعطيلها أو تمييعها تحت أي‮ ‬ذريعة كانت‮ .‬ ما نريد أن نشدد عليه أن مسؤولية النواب،‮ ‬كل النواب،‮ ‬وكل الكتل،‮ ‬والقوى السياسية،‮ ‬والحكومة ستكون على المحك تجاه التجربة الديمقراطية الوليدة‮ ‬،‮ ‬فإذا انتهى الحال الى‮ “‬لا مسؤول ولا مسؤولية‮”..‬ ‬سيبقى الهم والهاجس والسؤال هل ارادة التوجه نحو الديمقراطية متوفرة أم لا؟؟؟

صحيفة الايام
21 مارس 2008