المنشور

صخب النواب — !

المتابع للضجيج الذي يثيره النواب يندهش كثيرا مما يحدث على الساحة السياسية، ومن ذلك ” الشو”  الاستعراضي السياسي، الذي لا يلعب بطولته كتلة نيابية بعينها، بل كل الكتل، أو كل النواب، ويقاسمهم البطولة أو يشاركهم في العرض بعض أعضاء المجالس البلدية وبعض اللذين يتصدرون الواجهة، وإن كنا  على قناعة بأن ثمة أبطال آخرين للعرض لا يقفون خلف كواليس المشهد السياسي وإنما يتدخلون في النص الأصلي كيفما يشاؤوون. ما يجري في الساحة الآن له وقع الصدمة على الكثيرين، وبات الرهان أو كاد على المجلس النيابي خاسرا بسبب الخلافات التي قد تبدو ثأرية أو المناكفات ذات النفس الطائفي والتي تجاوزت كل الحدود إلى درجة أن أصبحنا على قناعة بأن النواب أصبحوا يبحثون دوما عن أمر يختلفون حوله. ورغم ثبوت تهمة طأفنة العمل النيابي وليس هذا تجنيا على ” أصحاب السعادة” النواب، مهما ادعوا غير ذلك، ورغم لقاءات التصالح وتطييب الخواطر والتصافي بين الحين والآخر، مع تصريحات من هذا النائب أو ذاك على التمسك بالثوابت أو التلاحم والأسرة الواحدة، فإن النتيجة كما هي، اتهامات واتهامات مضادة، ومناكفات ومناكفات مضادة، ومواقف هزلية، وتصريحات استعراضية فارغة من المضمون والمحتوى، وأن لم تكن فارغة ونشاز فهي فاقدة لأدنى مصداقية ولا تتسق مع هذا الذي يردده النواب على أسماعنا من حرصهم على خير المواطن ومصالح المجتمع، حيث لا نرى إلا المزيد من التوتر والتشنج والشحن الذي هو بالنهاية يصب في خدمة مشاريع التأزيم الفئوي والمذهبي والطائفي، الأمر الذي يبعث على التشكيك في نوايا الجميع. الوقائع لا تنسى ولا تمحى، وغض الطرف عن قضايا جوهرية يمكن أن تشكل قواسم توافق وتلاقي مشتركة كالموقف من قضايا الفساد، وأمامنا الآن أكبر وأخطر قضية فساد في ” ألبا” والإصلاح السياسي، والإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري وقضايا التنمية، وقضايا البطالة والإسكان والفقر وكيفية التعامل مع المستقبل،  وغيرها من القضايا وما  أكثرها كلها وغيرها قضايا لنا جميعا مصلحة مشتركة ولا بد أن نتحالف بشأنها الآن قبل الغد. رغم المواقف الكثيرة لنواب، المواقف المثيرة لقدر كبير من الالتباس شكلا و مضمونا، والتي ليس من قبيل المبالغة وصفها بأنها ضد المواطنة والديمقراطية، فإننا سنفترض بأن الكل مدرك بأن ثمة ضرورة لعمل نيابي مشترك لا بد أن يظهر ويصبح جاهزا للتفعيل في شأن تلك القضايا والملفات الكثيرة التي تهم الناس والتي لا يجب أن يكون حولها أي نوع من الاختلاف والخلاف. أن السياسة فن الممكن، وقيل أن السياسة أن تقبل اللعب مع جميع الأطراف مهما كانت التناقضات، ولكن نوابنا حولوا واقعنا السياسي إلى ما يشبه السيرك وكأن هناك رغبات دفينة في عدم التلاقي، أو أنه ليس هناك جدية للوصول إلى شئ مفيد، وظهر من يبرز هذه الحالة في إطار صراع بين الموالاة والمعارضة، حتى فرصة الحوار الوطني” فركشها” النواب وبعض ممن ألفناهم أن يجعلوا من مثل هذه المناسبات فرصة لمناكفات جديدة وزرع الخلافات والفتنة، ورغم محاولة بعض الأطراف إضافة بعض ” الرتوش”، والقيام بمحاولات تجميل وإضافة مساحيق على المشهد العام، إلا أن الشق الواقعي والحياتي يثبت بأن تلك المحاولات لا تقدم ولا تؤخر، وأن ما يقال أو يرفع من شعارات تنبذ الطائفية هي مجرد شعارات فضفاضة لا قيمة لها على أرض الواقع. نعلم جيدا أنه لا يجب أن نضع رؤوسنا في الرمال، حيث ليس من المصلحة تحت أي حساب أو اعتبار تجاهل فصيل سياسي كالوفاق، كما ليس من المصلحة تجاهل الفصائل السياسية الأخرى في الساحة، الكل فرقاء في ملعب سياسي، وليس من الحكمة تجاهل هذه الحقيقة، والفرقاء يختلفون وتتباين رؤاهم وتوجهاتهم،  ولكن من المصلحة والواجب أن تنصهر رؤاهم واجتهاداتهم في بوتقة واحدة هي بوتقة حب الوطن وتقديم مصلحته على أي مصلحة أخرى، وهذا لا بد أن ينعكس إيجابيا على عملية الإنجاز وتسريع القوانين لأن الاتفاق على الخطوط العريضة والمبادئ الأساسية سيحد من المواجهات الصدامية كلما طرح موضوع أو مشروع أو استجواب مما يؤزم العلاقة  ويجعل النوايا تسوء أكثر وأكثر. أما استمرار حالة التردي السياسي الشديد الراهنة من أجل السيطرة على مقاليد ومجريات الأمور، أو لتحقيق أهداف معينة، والمضي في تأزم هذه الحالة وطأفنة كل قضية تهم المواطن،  ووقوف ” الحكومة” موقف المتفرج وهو خطأ جسيم بلا ريب، أمام هذه الحالة سيكون علينا انتظار الأسوأ في القادم من الأيام، وما نريده باختصار إعادة النظر في سياسة الصراخ والارتفاع إلى المسئولية المدركة لتبعات هذا الذي يجري الآن ومن ثم أعمال العقل فيما ليس معقولا وعبثيا، وعليكم أن تتصوروا ماذا يمكن أن يترتب على ذلك— ! 
  
خاص بالتقدمي