المنشور

كادت أن تفعلها “أسِيل”.. لكنها لُجِمَتْ بـ”كعبِ أخِيل” !!

يكاد يجمع الكُلّ أن مَثَل المرأة العربية عامة والخليجية خاصة، كَمَثلِ من تنشب أظافرها في الصّخر الصّلْد ، من أجل الوصول إلى حقوقها الإنسانية المشروعة على مختلف الصُُّعُد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية والأسَرية وغيرها ، بُغية التخلص من قيود القرون الغابرة والأسْر التاريخي المجحف ووضع حدّ للاستبداد الشرقي الذكوري والعَسْف المزمن تجاه الأم والأخت والبنت والزوجة ، الأمر الذي لابد  في حالة خروجها من الظّل ومشاركتها في عملية التنمية والتقدم الاجتماعيين، أنه سينعكس على التطور المأمول للمجتمعات الخليجية.
 ولاتوجد إمكانية لتقدمٍ وتنميةٍ حقيقيين إلاّ بإعادة النصف المعطّل إلى السّكة الصحيحة وساحة الإنتاج والمشاركة الكاملة  في المجتمعات الخليجية ، التي لا تستقيم إن ظلت واقفة على رِجْلٍ واحدة كالنعامة!  عدا هذا.. كل ما يقال عن “تفعيل المرأة” سراب ووهم وذرّ للغبار عن العيون ، إن ظلت الأنظمة الخليجية والعربية غير مقتنعة بنظام الكوتا النسائي المعمول به في 110 دولة ، من بينها المغرب (35 امرأة) والأردن(6 نساء) وغيرها، في هذه المرحلة المهمة من تاريخها وهي تحاول الولوج لعصر الحداثة والتنوير.
 ومن المؤكد أن الأنظمة الخليجية القوية هذه بمالها ونفوذها ، كونها اللاعب الأقوى في الساحة ، باستطاعتها – إن شاءت- أن تخترق السّدّ المنيع لقوى”الإسلام السياسي” بتلاوينها المختلفة ولكن المُجتَمِعة على إبعاد المرأة المسلمة من دخولها المجال السياسي والتشريعي ، كون هذا يشكل البند الأول للبرنامج والمنهاج “الإسلامي” المقدس لدى تلك القوى حتى هذه الساعة! 
 
لعل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الكويت التي جرت في الأسبوع الماضي  شاهد على ما نقوله ، حين “استأسد” الرجل ، بكل ما يملكه من إمكانيات هائلة – مادية ومعنوية-  ضد المرأة ، مستمرا بالضغط  والإكراه على حثّ الناخبات من النساء من مغبّة التساهل حول هذا “الأمر الخطير” ، المتمثل في وصول حتى امرأة واحدة لقبّة البرلمان ، مشابها- مع الفارق- لما حدث في بلدنا البحرين!
 إنه بالطبع لأمر يُعاب على تجربة خليجية رائدة كالكويت ( منذ بداية ستينات القرن الماضي)، بان يحصل هكذا ذُلّ للمرأة الكويتية. ومرد ذلك هو فتح الأبواب مشرعة أمام قوى التزمّت والتطرّف وإذعان السلطات الكويتية لرغبات التقليديين المتزمّتين للسيطرة على مفاصل الإعلام والمال والحياة الروحية للمواطنين. هذا في الوقت الذي تعاني فيه الكويت من أزماتٍ بنيويةٍ وهيكلية ، لاتتشافي بالطبع إلاّ ببرنامج استراتيجي تنموي حقيقي يبدأ بتحريرٍ منضبطٍ للاقتصاد ، خطة تصنيع وطني ، إعادة رساميلها الخارجية للإستثمار في الداخل.. مرورا بنمطٍ عصري للحياة الاجتماعية وتغييرا للثقافة الاستهلاكية غير الإنتاجية والبليدة السائدة لدى المواطنين !
 كان فيما مضى نوع من التبرير والقناعة حيال البرنامج الاقتصادي الريعي والطفيلي الطارد للتنمية الداخلية والسماح لخروج الرساميل “المليارية” للاستثمار الخارجي ، المتزامن مع وجود التهديد الأمني التاريخي القابع على حدودهم الشمالية. ولكن الآن قد زال ذلك الخطر الداهم والدائم، الهاجس الذي كان موجوداً لدى الكويتيين وجسّده عمليا على الأرض النظام العراقي البائد حينما زحف على الكويت في مستهل تسعينات القرن الماضي. بل من الممكن القول أن هناك وضع نفسيّ جديد قد تشكّل لدى الناس ، لم تتجسّد بعد في شكلِ  نمطٍ  اقتصادي/ اجتماعي مفيد، بسبب تخبّطٍ  في التخطيط الاقتصادي/ الاجتماعي وسيادةِ ثقافةٍ معاديةٍ للمرأة والتقدم ! 

على أن ما يثير الإعجاب الشديد هو ثبات وشجاعة المرأة الكويتية ، التي لا تلين من عزيمتها أية هزيمة ولا من إصرارها أي إحباط ، في هذه التخوم المشرقية والتقليدية من الوطن العربي. من هنا نرى استمرارها في نضالها الحقّ من أجل انتزاع مكانتها الطبيعية في المجتمع والأسرة والحياة النيابية من براثنِ وحشٍ خرافي لايمتّ لروح العصر بأية صلة.
 خاضت 27  امرأة كويتية التحدي مقابل مئات الرجال ، مدركين هؤلاء النسوة الجسورات صعوبة أهدافهن الأشبه بمن يريد تسلق جبال الهملايا !  اقترب من الفوز امرأتان ؛ المحاضرة الجامعية الدكتورة ” أسيل العوضي”  والاقتصادية الليبرالية ” رولا  دشتي ” ، التي تعثّرت نتيجة نزولها مستقلة في الدائرة الثالثة منافسة مع أخيها “علي دشتي”، جامعة أكثر من أربعة آلاف صوت بالرغم من تعرضها لهجوم شرس وتشويه متعمّد من قبل القوى المتزمتة. على عكس أسيل، التي ترشحت ضمن قائمة، ولهذا ظلت بين العشرة الأوائل المؤهلين حتى قبيل انتهاء التصويت النهائي، مما حدا بوسائل الإعلام من اعتبارها فائزة!  ولكن عقدة الرجل الشرقي الأشبه بـ “كعب أخيل” حالت دون وصول ” أسيل” إلى المُنى والمُبتغى وكسر هذا الاحتكار الذكوري الملتف كالأفعى حول رقبة المرأة ليحيل دون تأهل امرأة واحدة للبرلمان، وعدم تكرار تجربة الأردنية الجسورة ” توجان الفيصل”  في  سنة  1993، حينما استطاعت كسر قيود المجتمع  القبلي والعشائري الأردني في تلك السانحة اليتيمة ، الأمر الذي أدى في النهاية لاقتناع الحكومة الأردنية بضرورة تطبيق آلية الكوتا كونها أقرب وأسهل الطرق للدخول الرمزي للمرأة إلى ساحة التشريع ، وهو ما حدث في سنة 2003  بتخصيص 6 مقاعد للمرأة الأردنية. 
  جرت الانتخابات الكويتية بيسر وانتظام ، معتمدة على قانون مستحدث  قلّص الدوائر الانتخابية من  25  إلى خمس دوائر، يتأهل عشر مترشحين عن كل دائرة ، على أن لا يحق للناخب أن يختار أكثر من أربعة مترشحين في لائحته الانتخابية ، مما فتح المجال نسبيا لبعض الاختراقات الايجابية وإن كان البعض الأخر رأوا في هذا التغيير تكريسا للقبلية والطائفية وعضدا لهما .  لعله من المفيد أن نوجز خريطة القوى التي تشكلت الآن في البرلمان الكويتي الجديد، ضمن التشكيلات السياسية الأساس غير الرسمية، التي مازالت تعاني من عدم الاعتراف القانوني بها:

  • عزّز التجمع الإسلامي”سلف متزمت” من موقعه بحصوله على ثلاثة مقاعد للمجلس الحالي (مقعدين في المجلس السابق)
  •   انكمشت الحركة الدستورية”الإخوان المسلمين” حصتها من ستة مقاعد إلى ثلاثة مقاعد
  •   سجّل التحالف الوطني الإسلامي”شيعي” مع حليفه “الميثاق” تقدما واضحا بحصوله على خمسة مقاعد مقارنة بمقعدين في المجلس السابق
  • تراجع التحالف الوطني الديمقراطي”مظلة لعدة قوى وطنية /قومية/ليبرالية/تقدمية” بمقعد واحد فقط ( من ثمانية إلى سبعة). وكانت” الدكتورة أسيل العوضي” ضمن قائمة هذا التحالف المحتوى على أكثر من جهة سياسية من ضمنها “المنبر الديمقراطي”اليساري . حلّت أسيل في المركز الـ 11 في الدائرة الثالثة ، كادت أن تخترق كل “الممنوعات” جامعة أكثر من خمسة آلاف صوت ؛ عدد من الأصوات يوازي أكثر من بعض الفائزين في دوائر أخرى!
  • تراجعت كتلة العمل الشعبي “ليبرالي” بمقعد واحد أيضا ، حاصلة على أربعة مقاعد
  • أما المستقلون، المنتمون لمختلف المشارب وخاصة “الدينيين” والقبائل، فقد خطفوا المقاعد الباقية


  لعله من المستحسن تكرار بديهة ، انه لايمكن للأنظمة العربية وهي تنشد تغييراً مؤسساتيا حقيقيا في مجتمعاتها ، من الاستمرار للنهاية في لعبة التوازن الخطر، المقرون باستمالة ومراضاة “الإسلام السياسي” إلاّ بفتح المجال أمام المشاركة النسائية من خلال آلية الكوتا المرحلية، كونها السلاح الأمثل لسحب البساط  من تحت أقدام غريمها المتحفز القادم من اليمين المتزمّت ، لإحياء الثيوقراطية “الدينية” في عصرٍ غير عصرها!
صحيفة الوقت
25 مايو 2008