المنشور

وجهة نظر تتجاهل الحقائق


في مقابلة اجرتها معه صحيفة البيان الاماراتية في الشهر الحالي قال رئيس جمعية الاصالة الاسلامية: ان الاتجاه السائد على البرلمان البحريني هو الطابع الاسلامي فالشارع البحريني ادرك عدم جدوى حضور اليساريين والعلمانيين في البرلمان وما النتائج في الانتخابات الكويتية الا مؤشر على ذلك، الشعب تململ من التنظير السياسي الذي لا يفيده في شيء، الناس تريد من يمثلها في المجالس التشريعية ان يكون من نفس خطها العقدي الاجتماعي، واتوقع ان يكون البرلمان القادم اسلامياً..
في البدء لك ما تشاء يا سعادة النائب الاول لرئيس مجلس النواب ان تقول رأيك وتعتقد ما تعتقد فهذا حقك علينا أن نحترمه طالما أننا نؤمن بحرية الرأي الآخر بخلاف الإسلام السياسي الذي ينصب العداء لهذه الحرية والتعددية التي هي أهم مبادئ الديمقراطية وفي سبيل هذه الحرية كم من المفكرين والكتّاب والمبدعين على امتداد الوطن العربي والإسلامي تعرضوا بسبب آرائهم ومعتقداتهم وأفكارهم إلى التكفير والاغتيال السياسي، ناهيك عن قضايا الحسبة والاتهام بالردة!!
سعادة النائب المحترم لا يمكن الفصل بين هيمنة الإسلام السياسي على البرلمان البحريني وبين ما حدث خلال الثلاثين سنة الماضية بمعنى الجميع يعلم إن تلك العقود كانت محكومة بقانون امن الدولة ومحكمته السيئة، وما أن أُلغيت هذه المحكمة في عهد الإصلاحات حتى تنفست القوى الديمقراطية والتقدمية الصعداء.
وفي تلك الحقبة المظلمة الجميع يعلم أيضا إن حضور اليساريين والعلمانيين والشيوعيين كان حضوراً وطنياً يرفض الخضوع والتواطؤ، إذ كانت نضالات هذه القوى وفي سنوات الجمر نضالات بلغت ذروتها بمنأى عن الصراع الطائفي الذي لا يزال الإسلام السياسي يراهن عليه، أي بلغت ذروتها من اجل الاستقلال الوطني والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في حين يعرف القاصي والداني أن الجماعات الاسلاموية لا شأن لها لا من قريب ولا من بعيد بهجوم ومعاناة القوى الديمقراطية والتقدمية التي كانت ولا تزال تضحياتها واضحة للعيان.
نقول هذا الحديث ليس احتكاراً للوطنية أو إقصاء لأحد أو ادعاءً لا صحة له، وإنما نقوله لاعتباره أهم الحلقات في تاريخ البحرين السياسي وهذه حقيقة علينا أن لا نتجاهلها.
ولا شك وفي الوقت الذي استبعدت هذه القوى قسراً كان الإسلام السياسي يصول ويجول بحرية تامة وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوغل في صفوف الناس البسطاء والمحتاجين وان هذا التوغل الذي استغل حاجة هؤلاء من خلال الإعانات والتبرعات التي تقدمها الصناديق الخيرية كان الغرض منه توسيع النفوذ السياسي والحزبي!!
وأما فيما يتعلق بالقول: إن الشارع البحريني أدرك عدم جدوى حضور اليساريين والعلمانيين في البرلمان فهذا ابعد ما يكون عن الواقع لان تجربة هذا الشعب مع “كتلة الشعب” في برلمان “1973” تجربة لم تعمق الطائفية كما هو حاصل اليوم بل كانت تمثل تلاحم الشعب البحريني من اجل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأمر الآخر يبدو أن سعادة النائب قد غيبه إلى أقصى درجة هو الأداء النيابي الذي امتازت به كتلة الديمقراطيين في برلمان “٢٠٠٢” وخاصة عندما مارست هذه الكتلة دورها النيابي بأمانة وإخلاص والشواهد على ذلك التصدي للفساد والتحقيق في ملف التأمينات الاجتماعية وهيئة صندوق التقاعد، ناهيك عن موقفها الواضح وقتذاك حول إقرار الميزانية التي كانت محط خلاف بين النواب، في حين بعض الكتل وهي معروفة جيداً! دخلت في مساومات من وراء الكواليس وقبلت اللعب وبقدرة قادر أقرت الميزانية!!
أما بشأن توقعاتك في أن يكون البرلمان القادم أيضا إسلاميا نشاطرك الرأي على الأقل في هذه المرحلة لسبب واحد يبدو في غاية الأهمية وهو أن التيار الديمقراطي التقدمي المتشرذم   لا تزال بوصلته مفقودة إلى درجة البعض منه   لا يدري إلى الآن أين يضع رجله فتارة تجدها بين قوى الظلام التي لا تتردد في تكفيره، وتارة أخرى بين قوى اليسار والديمقراطية، اي لم تحسم بعد خيار وحدته الديمقراطية!!
وإذا كانت هذه التوقعات استنتاجاً لما حدث في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام “2006” فالكل يعلم وباختصار كيف لعب الحال السياسي دوراً لا يستهان به في قلب ميزان القوى، وفضلاً عن هذا كيف لعبت المراكز العامة في تغيير النتائج الانتخابية!!
على العموم مرة أخرى ومع احترامنا لوجهة النظر هذه فإن الأهمية ليس في الوصول إلى البرلمان وإنما الأهمية تكمن في مدى فعالية ممثلي الشعب في هذه المؤسسة المنتخبة التي يتطلع المواطن إلى انجازاتها حتى تحفظ له حقوقه المختلفة، وتضمن له العدالة والمساواة والعيش الكريم، وهذا ما يفتقده في ظل تركيبة المجلس الطائفية.


 الأيام 19 يوليو 2008