المنشور

تاريخ الحركة الوطنية‮ – ٢


الإنصاف يقتضي الإشارة إلى جهود بعض النشطاء السياسيين والنقابيين في المراحل السابقة لجهة توثيق ذكرياتهم أو ما بقي عالقاً في أذهانهم من يوميات عاشوها، ومن ذلك ما كتبه المحامي محمد السيد يوسف عن انتفاضة مارس 1965، وما كتبه عبدالله مطيويع وعبدالمنعم الشيراوي عن الحركة العمالية في السبعينات، وما كتبه علي ربيعة عن مرحلة التسعينات، وكذلك مذكرات عبدالرحمن النعيمي، منّ الله عليه بالشفاء، التي نُشرت مسلسلة في مجلة ” الديمقراطي “.  وتعكف الأستاذة فوزية مطر على وضع سيرةٍ مُفصلة عن حياة وكفاح زوجها المناضل أحمد الشملان الرئيس الفخري لمنبرنا التقدمي، ستكون، في صورة من الصور، تسجيلاً لجوانب من تاريخ التنظيمات الوطنية بالنظر للدور المحوري الذي اطلع به الشملان في قيادة هذه التنظيمات وفي النضالات الجماهيرية التي خاضتها، بدءاً من عضويته ونشاطه في حركة القوميين العرب وانتهاءً بدوره البارز في جبهة التحرير الوطني.
لكن يظل أن المجهول من تاريخنا الوطني أكبر بكثير من المعروف، وما زلنا في حاجة ماسة لقراءة شهادات رجال مثل يوسف العجاجي وعبدالله البنعلي وعلي دويغر ومحمد حسين نصرالله، الذين يمكن أن يقولوا الكثير عن تاريخ جبهة التحرير الوطني، وهذا القول يصحُ على الكثيرين من قادة وكوادر الجبهة. وما يقال عن جبهة التحرير ينطبق على حركة القوميين العرب ووريثتها الجبهة الشعبية، وكذلك على تنظيم حزب البعث في البحرين، وعلى بقية التشكيلات الوطنية والقومية التي تشكلت في فترات مختلفة من تاريخنا، لكنها لم تستمر. 
ولا يقف الأمر عند حدود كتابة تاريخ التنظيمات، وإنما أيضاً توثيق مراحل فاصلة في تاريخنا الوطني وفي التاريخ السياسي في البلد عامة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فان تاريخ التجربة النيابية القصيرة في السبعينات لم يُروَ بعد من وجهة نظر الحركة الوطنية، وكم سيكون مُفيداً تسليط الضوء على تجربة كتلة الشعب، باعتبارها كتلة المعارضة البرلمانية الرئيسية.  وهذا يتطلب تتبع تفاصيل تشكيل هذه الكتلة، وحملتها الانتخابية، والبرنامج الذي قدمته، ومن ثم الملفات التي طرحتها في المجلس، وعلاقتها مع الكتلتين النيابيتين الأُخريين، أي كتلة الوسط والكتلة الدينية الشيعية، وكذلك علاقتها مع الحكومة.
وفي هذا السياق ننتظر من محسن مرهون ومحمد جابر الصباح وعلي ربيعة وغيرهم من أعضاء الكتلة الأحياء أن يعطوا هذه المهمة اهتماماً خاصاً، فيدونوا مذكراتهم وتقييماتهم لتلك المرحلة. وأشير هنا إلى أن المنبر التقدمي نظّم، منذ نحو عامين، حلقة نقاش حول تاريخ الحياة النيابية شارك فيها من نواب مجلس 1973 الأساتذة جاسم مراد وعلي ربيعة ومحسن مرهون، وكان هدفنا تحفيز النقاش حول فكرة تدوين التاريخ، من خلال شهادات من شاركوا في أحداثه. والهدف أن تندرج مثل هذه الشهادات أو المذكرات في عمل منهجي مدروس، يُقدم لأجيال اليوم معرفةً بتاريخ صعب حافل بالمشقات والتضحيات، ويترك للتاريخ شهادات لا تمحى من ذاكرة الوطن
.