المنشور

من يعوق انضمام روسيا لأوبك؟

قبل عشر سنوات، ضربت العالم أزمة مالية وانخفض سعر برميل النفط إلى مستوى 10 د/ب. حينها حاولت أوبك جاهدة لقاء القيادة الروسية. أما في أكتوبر/تشرين الاول هذا العام فلم تحتج أوبك إلى كبير جهد كي يستقبل الرئيس الروسي دمتري مدفيديف الأمين العام لأوبك عبد الله سالم البدري.
أصبح الطرفان مقتنعين بأنهما في سفينة واحدة وأن برامجهما الاقتصادية والاجتماعية تعتمدان إلى درجة كبيرة على مستويات أسعار النفط في السوق العالمية. ولسخرية القدر تقع أسعار هذه السلعة الحيوية خارج نطاق سيطرتهما. وبذلك فقد ظل ليس النفط فقط، بل ومسألة التطور الاقتصادي الاجتماعي في هذه البلدان رهن الدول المستهلكة وتلاعب المضاربين. فالفقاعة التي في سوق المال كررت نفسها في أسوق النفط أيضا. حجم سوق النفط فاق عشرين مرة حجم مبيعات النفط الفعلية. وحين كان المضاربون يتاجرون ‘في الهواء’ كانوا يعمدون إلى رفع الأسعار أو الهبوط بها إلى الحضيض متلاعبين بمصائر البلدان المصدرة والاقتصاد العالمي. أما الآن فإذا كانت الأزمة المالية الاقتصادية تتسبب في انخفاض أسعار النفط لأن العالم يريد حل مشكلاته على حساب الدول المصدرة له، فإن هذا الانخفاض سيتسبب بدوره في كارثة مستقبلية هي الأخرى أكثر خطرا. إن إنتاج حقول بحري الشمال والكاريبي وفي ألاسكا وغرب سيبيريا يتناقص طبيعيا بمعدل 6.5 إلى 9% سنويا. والتعويض عن ذلك ممكن فقط في مناطق النفط الصعبة في كندا، فنزويلا وروسيا. هناك الاحتياطات هائلة لكن العمل عليها يحتاج إلى توظيف أموال هائلة أيضا[1]. في نشرتها لشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أشارت (جمعية كمبريدج لأبحاث الطاقة – (Cambridge Energy Research Association إلى أن التنقيب في الأماكن الصعبة مجد فقط عند سعر برميل WTI 71 دولارا بالنسبة للخامات الثقيلة في أنجولا و 114 د/ب في فنزويلا. وأنه إذا بقي سعر 75 د/ب فسينخفض عرض النفط بعد خمس سنوات بمقدار 250 مليون طن سنويا، أي بنحو 9% من الإنتاج العالمي. أي أنه لن يلبي الطلب العالمي حتما، وسيهيئ لفقاعة كارثية جديدة في الاقتصاد العالمي. وهكذا فإن ما يدور بين روسيا و’أوبك’ حول مسائل التنسيق وصولا إلى عضويتها في الكارتل لا يعد من صلب المصالح الحيوية للطرفين، بل وموقفا مسؤولا من جانبهما تجاه الاقتصاد العالمي. غير أن روسيا لا تزال غير موحدة بشأن علاقاتها بأوبك. فمصالح ممثلي القطاع العام والخاص في الصناعة النفطية الروسية متعارضة بشأن هذه الخطوة. ومع كل منها تتقاطع أو تتباعد مصالح ومواقف ممثلي المؤسسات المالية وكذلك أعضاء البرلمان.
في لقائه التشاوري بشأن قضايا التطور الاقتصادي الاجتماعي في الأورال قال الرئيس الروسي دمتري مدفيديف في 12 ديسمبر/كانون الأول إن ‘روسيا يمكن أن تصبح عضوا في أوبك وتخفض إنتاج النفط بهدف وقف تدهور أسعاره في الأسواق العالمية..’ مضيفا ‘بلادنا يمكن أن تقدم على خفض الإنتاج، وكذلك على الانضمام إلى منظمات المنتجين الموجودة أو الجديدة – فهذه مصالحنا الوطنية، وسنعمل وفق ما هو مناسب[2]’.
دينيس بوريسوف، محلل مؤسسة ‘سوليد’ الروسية رد بأن التزامات روسيا عبر عضويتها لأوبك يمكن أن تتناقض مع مصالحها السياسية والجيوسياسية. ولهذا فإن التكامل والتعاون اللاحق بين الطرفين يمكن أن يتطورا تدريجيا، لكن ليس إلى العضوية الكاملة[3]’. نائب رئيس شركة النفط ‘ت.ن.ك – بي بي’ الروسية البريطانية جوناتان كولليك عبر للصحافيين عن عدم قناعته بجدوى انضمام روسيا لأوبك. ‘إنها فكرة غير منطقية وغير مجدية من وجهة النظر الاقتصادية[4]’. نائب رئيس لجنة السياسة الاقتصادية ومجال الأعمال والملكية لدى المجلس الفيدرالي الروسي فلاديمير غوسيف يعتقد بعدم جدوى الانضمام، مؤكدا على أن روسيا ذات 10% من الإنتاج العالمي تحتاج إلى سياستها المستقلة كدولة كبرى[5]. أما سيرغي إيفانوف، رئيس لجنة التفاعل مع ديوان المحاسبة في المجلس الفيدرالي يرى بأن ‘ننشئ أوبكنا الخاص’. وهو يرى شركاء روسيا في جيرانها في الشرق بمن فيهم الصين واليابان[6]. وكثيرون آخرون في غرفتي البرلمان يتخذون ذات الموقف المعارض. بعكس ذلك وقف آخرون كأناتولي أكساكوف، عضو لجنة السوق في الدوما ورئيس كتلة ‘روسيا العدالة الذي قال بأهمية الانضمام لأوبك. كما رأى ضرورة خفض الإنتاج حاليا. كذلك تقابلت مواقف ممثلي المؤسسات المالية. فرئيس قسم تحاليل السوق في مصرف سوبمين بنك ألكسندر رازوفايف يرى احتمال انضمام روسيا لأوبك كبيرا جدا. ويرى أن من الإمكانات التي سيفتحها هذا الانضمام إمكان اعتماد عملة أخرى في حسابات النفط العالمية، خصوصا مع بقاء مصير الدولار معلقا على شعرة. وعند هذا فإن الوزن العسكري السياسي لروسيا سيمكنها من لعب دور العازف الأول في كارتلات المواد الخام. وبعكسه يرى آدم سيمينسكي، المحلل الأول في شؤون الطاقة لمصرف (دويتشه بنك – Deutsche Bank) الألماني بأنه حتى مجرد خفض جديد في إنتاج النفط لن ينقذ أسعاره من الاستمرار في الهبوط[7].
نلاحظ من نماذج المواقف تلك أن الجهات الأشد ميلا لمعارضة انضمام روسيا لأوبك هي الممثلة لمصالح شركات النفط والمال الأجنبية أو الشخصيات المحلية المرتبطة بها في الغالب، بينما التي تدعم ذلك بقوة هي المرتبطة بالدولة أو تلك الحريصة على الحفاظ على قدرات الدولة وتحمل هم القضايا الاجتماعية لغالبية الناس.
البلدان الأعضاء في أوبك أقل تعرضا لتنازع المصالح داخليا. فبخلاف روسيا التي خصخصت معظم شركات النفط مع بقاء عملاقين قويين تابعين للدولة هما ‘غازبروم’ و’روسنيفت’، فإن قطاع النفط في بلدان أوبك يخضع لملكية الدولة في الغالب.
معرفة المواقف الروسية المتعارضة مفيد ليس من أجل التحرك الدبلوماسي من قبل أوبك تجاه مراكز القوى في روسيا فحسب، بل وللعض بالنواجذ على قطاع النفط كي لا يحل قانون شبيه بقانون النفط الجديد في العراق.

[1] انظر: صحيفة ‘فيديموستي’ الروسية، 17 نوفمبر/تشرين الثاني .2008
[2] راجع الوصلة: http://evrazia.org/news/6544 في 12 ديسمبر/كانون الأول .2008
[3] راجع الوصلة: http://www.oilcapital.ru/news/2008/12/121355_133546.shtml
[4] انظر: http://www.rian.ru/economy/20081208/156776590.html
[5]، [6]: http://www.regions.ru/news/2183480/print/
[7] لمزيد من الاطلاع راجع: http://www.quote.ru/stocks/news/2008/12/12/32241142.shtml
 
صحيفة الوقت
15 ديسمبر 2008