المنشور

مبادرة الحوار الوطني… كيف نبدأ فيها؟


في الأوساط الساسية والشعبية يدور الحديث في الوقت الحالي عن المبادرة التي طرحتها جمعية المنبر الوطني التقدمي لقيام حوار وطني شامل للخروج من الحالة الراكدة التي تهيمن على المجتمع حاليا، ونزع فتيل الاحتقان الذي نعيشه، بعد ذلك تبعتها الكتلة البرلمانية لجمعية الوفاق الوطني بطرح مبادرة مماثلة من خلال المجلس النيابي، وطلبت مناقشة تلك المبادرة وتبنيها من قبل البرلمان، وطلبت كذلك دعم الكتل البرلمانية الأخرى لها، وساندتها في ذلك كتلة المنبر الوطني الإسلامي.
لن نتطرق إلى محتوى مبادرة جمعية المنبر، فذلك حق تمتلكه الجمعية، ولا نرغب في تجاوز ذلك الحق، سواء كان المحتوى كما هو مطلوب، أو أن هناك أمورًا بحاجة إلى التطوير أو الإضافة أو الإلغاء، ولكن أي مبادرة تهدف إلى الوصول إلى حالة مجتمعية مرضية ومطلوبة بحاجة إلى الدعم من قبل الآخرين. من هنا، نأمل في ألا نرى تسابقا في طرح المبادرات المختلفة، ومن قبل أطراف متعددة لنفس الهدف خوفا من تضارب المصالح في تلك المبادرات، وليس في المبادرات نفسها، فلا نظن بأن محتوى المبادرات المختلفة يمكن أن يتضارب أو يختلف بصورة كبيرة. ولكي تلقى مبادرة الإخوة في المنبر التقدمي أو الوفاق الإسلامي بعض النجاح، لا بد من تزامنها مع بعض الأمور التي يمكن إيجازها بصورة شديدة نظرا لصغر المساحة المتوافرة لهذا المقال، التي منها:
أولا: من الضروري أن تكون لدينا مبادرة واحدة تقود عملية الحوار الوطني المطلوب، وتكون الأفكار أو المبادرات الأخرى روافد للمبادرة الرئيسية أو جزءا منها، أما أن نجد مبادرات متعددة وحوارات مختلفة بشأن مبادرات متعددة، فإن ذلك سيكون تشتيتًا للجهد والوقت، ويخلق نوعا من التضارب وزرع بذرة للخلاف، لسنا بحاجة لها في الوقت الراهن.
ثانيا: من المهم أن يسعى أصحاب المبادرة إلى خلق نوع مطلوب من الهدوء والأمن الاجتماعي يعطي الأرضية الصالحة والمناسبة للحوار الوطني المطلوب، ويعطي المجال المفتوح لأصحاب المبادرة لإجراء الاتصالات المطلوبة.
ثالثا: على أصحاب المبادرة إبعادها عن التكتلات التي خلقت نوعا من التفتت أو الشروخ في الحالة السياسية والاجتماعية، والقيام بالاتصالات اللازمة بصورة شاملة مع الأطراف المختلفة، ثم الدعوة إلى لقاء عام يضم الجميع.
رابعا: في الحوار الوطني، سيكون الهدف والغاية هو الوصول إلى توافق بشأن جميع أو على الأقل جل القضايا الخلافية والملفات الوطنية التي بسببها وصلنا إلى الحالة التي نحن فيها اليوم، وطرح الملفات دفعة واحدة وبصورة شاملة قد يدق المسمار في نعش المبادرة بمجرد طرحها أو بدء الحوار فيها، بالتالي فإن هناك بعض الملفات يمكن الالتقاء أو الحوار بشأنها، وبالتالي التوافق على حلول معينة بخصوصها، ثم تطرح الملفات الأخرى بعدها، وبعد أن وضعت تلك الملفات الأرضية المناسبة للحوار الشامل، أما أن نصر على مناقشة القضايا الخلافية الشديدة منذ البداية، فلا أعتقد بأن ذلك يمثل البداية الصحيحة لأي حوار.
الحوار في أي قضية من المهم أن يبدأ وهو لن يبدأ بما يعيقه أو ينهيه من بدايته، بل بما يقويه ويعين المبادرين على مواصلة التحاور.
خامسا: الطرف المهم في الحوار هو النظام السياسي أو “الحكومة”، فالخلاف ليس بين الأطراف السياسية المتمثلة في الجهة الشعبية، بل هو بين النظام وبعض الأطراف في الحالة السياسية المجتمعية، لذلك لا بد من قناعة تتواجد لدى النظام السياسي تدفع به للدخول في الحوار المطلوب، ولكي توجد تلك القناعة لا بد من توافر الثقة المتبادلة، وتلك الثقة لن تأتي باستمرار العنف في المجتمع، فهي سلسلة متعاقبة من المطالب من الضروري توافرها لكي نبدأ الحوار.
تلك أمور أرجو أن يعذرني الإخوة أصحاب المبادرة في طرحها منذ البداية، ولكنها نقط أرى – من وجهة نظري على الأقل – ضرورة توافرها لكي نصل إلى أرضية صالحة ومناسبة للحوار، والأهم من ذلك للوصول إلى توافق من خلال ذلك الحوار. والله من وراء القصد.
 
البلاد 21 فبراير 2009