المنشور

قوة البرنامج لا كثرة العـدد

فكرة هذا المقال اوحتها لي الحلقة الأخيرة من برنامج “كلمة أخيرة” الذي تقدمه الأخت الإعلامية سوسن الشاعر ,حول مستقبل التيار الديمقراطي في البحرين, وهي الحلقة التي جمعت ثلاثة ضيوف هم الأستاذان عقيل سوار ورضي الموسوي وكاتب هذه السطور. دار حديث في الحلقة عن العدد المتواضع نسبيا لأعضاء الجمعيات السياسية للتيار الديمقراطي, قياساً لما يفترض أن يكون عليه الحال, ولن أجادل في هذه الفكرة, لأني موافق تماماً على صحتها, والأسباب في ذلك كثيرة, ربما أتينا عليها أو على بعضها في أحاديث لاحقة. لكني أسارع إلى القول أن عدد أعضاء جمعيات الإسلام السياسي التي تحتكر البرلمان الحالي ليس أكبر كثيراً من أعضاء جمعياتنا الديمقراطية, وأزعم أن عدد أعضاء جمعية مثل المنبر التقدمي ربما يزيد عن عدد أعضاء بعض هذه الجمعيات لو اعتمدنا العضوية وحدها معياراً. لكن الجمعيات الإسلامية تتوفر على وسائل قوة وتأثير أخرى غير عدد أعضائها. “الوفاق” مثلا التي تعد الجمعية الأكبر من حيث عدد الأعضاء, تعتمد على آلية حشد وتعبئة مختلفة كلياً وجذرياً عن آليات العمل الحزبي المعروفة, وتتمثل هذه الآلية بالغطاء الذي توفره المرجعية الدينية الشيعية, وهو غطاء من الاتساع والقوة, بحيث يحجب حتى إخفاقات أو أخطاء الوفاق, ككتلة برلمانية وكجمعية سياسية. على ضفة التيارات الإسلامية السنية تتوفر هذه الأخرى على أدوات تعبئة تتيحها إمكانياتها المادية الناجمة مما تلقاه من دعم متعدد المصادر والجهات ومن صناديق خيرية فعالة ومن تسهيلات لا تعد ولا تحصى. رغم ذلك ليس على جمعيات التيار الديمقراطي أن تندب حظها العاثر الذي لم يوفر لها أدوات وآليات التعبئة التي تتوفر عليها جمعيات الإسلام السياسي, السنية منها والشيعية, وأن تقر بالتعقيدات الكثيرة التي تحيط بعملها في ظروف اليوم التي تشهد صعوداً للتيارات الإسلامية لا في البحرين وحدها وإنما في العالمين العربي والإسلامي عامة. ما يحتاجه التيار الديمقراطي هو التوقف أمام عوامل القوة المتاحة لديه, وليست موجودة لدى التيارات الإسلامية. لن نقلب الأرض عاليها سافلها بين يوم وليلة, فمن أجل استنهاض التيار الديمقراطي وتفعيل دوره, نحتاج لعمل تراكمي دؤوب, ينطلق من التبصر في عوامل القوة هذه, وفي مقدمتها البرنامج السياسي الوطني الشامل الذي يطرحه هذا التيار, وهو البرنامج الذي لن تبلغه التيارات الإسلامية أبداً مهما سعت, لأنها محكومة بخلل بنيوي ناجم عن تركيبتها المذهبية في مجتمع قائم على ثنائية طائفية عميقة تكاد تقسمه إلى قسمين. من شروط ذلك أن يظهر هذا التيار استقلاليته بالتعويل على إمكانياته هو في المقام الأول لا على إمكانات القوى الأخرى, لأن غواية إمكانيات هذه القوى تحجب أبصارنا عن قوانا الكامنة التي هي في حاجة لاستنهاض وحشد, ومع الوقت فان إغفالنا لقوانا الكامنة سيؤدي إلى تآكلها التدريجي, حين لا تجد من يعيد بناءها وتجميعها. قلت في حلقة البرنامج التلفزيوني المشار إليه إلى أن التيار الديمقراطي في البحرين هو أوسع بكثير من منتسبي الجمعيات السياسية ذات التوجه الديمقراطي, ولكني أضيف أن على عاتق جمعياتنا, بصفتها الإطار المنظم لهذا التيار, تقع مسؤولية كبرى في استنهاضه, وهو استنهاض لن يبدأ إلا حين يشعر جميع الديمقراطيين أن لهم كلمتهم المستقلة.
 
صحيفة الايام
2 مارس 2009