المنشور

الوطن في متاهته!

يتابع بقلق كل وطني حريص على مصلحة الكويت «وهي أولاً وأخيرا». هكذا يرى ويعيش الكثيرون في الساحة السياسية البحرينية, التي يصلها «طشار الكويت تارة على الخفيف وتارة بقوة, فنحن لدينا إرث سياسي مشترك, فهناك مقولة تكاد تكون ثابتة مفادها» إن أي تقدم واستقرار في الكويت يعني تقدم واستقرار البحرين. وعلى العكس تماما فكل انتكاسات سياسية واقتصادية في الكويت الشقيق بالضرورة أنها تتحول إلى البحرين فنحن لدينا لفيف من المؤثرات الكويتية وديمقراطيتها منذ زمن حرب أفغانستان, ولله الحمد تصدر لنا الكويت كل حبها الحقيقي فيما يحاول البعض ترشيدنا فكريا وثقافيا بكل ما يقوله الملا عمر كونه «رجلا من خارج العصر «وهو بالفعل رجل خارج العصر طالما يعيش في الكهوف, ونحن دخلنا القرن الواحد والعشرين وتتملكنا ثقافة وهندسة أمكنة ومدن مختلفة, صارت ناطحات السحاب السياسية مجرد كتلة من الرمل والرماد بعد تحويلها إلى مجرد ركام متناثر . ما يصيب الكويت من تراجع في وضعها الداخلي يتحول إلى شظية في الفضاء البحريني «ولكن السياسة لدينا لها في النهاية نكهتها المحلية حتى وان كنا نتوحد بالثوب القصير والطويل والمزركش والسواد القاتل, ليس كأيامنا في حزن عاشوراء التي صارت حالة سياسية. هذه الثقافة» القادمة من ضفتي الخليج إلى البحرين الصغيرة والكويت» المأسورة» بثقافة صحراوية حاولت الحياة الدستورية تشكيل عجينتها في طينة مدنية متطورة, فلعل الجامعات والسيارات الفاخرة والأسهم المغرية تفعل فعلها الاجتماعي, ولكنها فشلت فشلا حقيقيا في تشكيل الدولة الحديثة المكتملة بكل شروطها المعاصرة, ففي فناء خلفية المعمار الكويتي تعيش هناك ثقافة خفية لم تأخذ ملامح الحياة الدستورية والسياسية ( النيابية ) كل بنيتها الفكرية, فقد تلبس النائب «الصغير» في قبة البرلمان بحقوق الحصانة فصار ماردا, وكأنه ينتقم لضآلة حجمه الإنساني والمجتمعي قبل أن يكون نائبا داخل تلك الجدران, فأصبح صوته أثخن من الطبل ولكنه في حقيقة ذاته يدرك إن صوت «الجماعة» هو الذي يحدد صوته, واعتلاء مطالبه فوق حجم رأسه يأتي من هناك, من قرارات «الحزب الخفي» القادر على تصدير مثقفيه المهووسين بالعنف والقتل والتدمير, بل ويفاخرون عندما يأتون البحرين عن أنهم أحفاد سلالة تبيض الانثراكس كبياض فخرنا العلمي وتطورنا العظيم في كل حقول المعرفة . لقد علمتنا الأزمات وانعكاساتها على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية, وكنا في خليجنا المنهك سياسيا والطافح بثروات الله, فسالت الغنائم بين أيدينا ولكننا لم نسعد بتوزيعها فبتنا نتكالب عليها . وكلما خطونا خطوة الحلم نحو الأفضل تداخلت عصي التعطيل من طرفي العجلة فلا نعرف من الذي يوقفها من الأمام ومن الذي يشدها للخلف, وحينما تسقط عربتنا من الوادي نتحول إلى قوى قادرة على توزيع اللوم دون أن نسأل أنفسنا هل قدمنا حلا للمشكلة ؟ هنا يبرز فكرة المتاهات التاريخية الكبرى حيث تموت قدرة العقل ومصالح القلة وسطوة الفرد والطائفة والقبيلة بل والإيديولوجيات الجامدة , كلها تعجز في إفراز حل لإخراجنا من متاهات اللحظة التاريخية . ليس الكويت وحدها دخلت تاريخيا عنق الزجاجة وتعاملت مع أزماتها بخياراتها الأليمة ولكنها «الممكنة والعصية» القادرة على القفز من حلقة النار , وان كانت دائرة الفساد لن تغيب في كلا الجولتين الدستورية وغير الدستورية . تراجعت بلدان عظيمة كألمانيا عندما قادها مهووس كهتلر نحو جنون حلمه وكم كان التاريخ مجحفا مع نفسه مثلما الوطن والناس كذلك . هكذا يضع الإنسان في البحرين يده على قلبه , إذ يخشى انعكاسات المرآة الكويتية على سطح جزيرتنا, والتي لم تقدم فيها ست سنوات من «الصراخ واللغو» البرلماني إلا غبارا وكحلا للعيون وثرثرة تنقلها المجالس إلى مبانٍ وديوانيات !! فمن تم انتخابهم لم يكونوا أبناء ثقافة مجتمعات مدنية متطورة, لكي يتخطوا بعقلانية حواراتهم الجادة وقدرتهم على الكلام النقدي الساخن وإدراك معنى فن المناورة والتنازل, ففي ثقافتنا يشكل النقد نوعا من الاهانة . فهل نحن قادرون على تجاوز فكرة الحوارات النقدية الجادة عن كونها مهمة , ليس في قبة البرلمان وحسب بل وفي كل منظمات المجتمع المدني ومجالات حرية التعبير , فنحن مازلنا نتبادل قبلات المجاملة أو الطعن من الخلف وقادرين على دفن مجلس الأمة والصلاة عليه دستوريا أيضا, والذين بكوا عليه هم أنفسهم الذين دفنوه بعد شل أعضائه . لكم كان الجنرال بوليفار يؤمن بقدسية الدستور الذي سطره ليس لبلده وحسب بل ولكل كولومبيا الكبيرة التي تبعثرت مع حلم الدولة الحديثة فعاش متاهته وحزنه, وزاد حزنه عندما وجد من يخرقون الدستور هم أنفسهم جنرالات الجيش الذين اقسموا باسم الوطن وباسمه, في وقت كانت الانقلابات والحروب الدموية تفتك بكل منطقة ودستور . فهل نستكثر على شافيز حفيد بوليفار أن يمطط في الدستور أو يعطله . التاريخ يتكرر دائما بتناقضاته .
 
صحيفة اخبار الخليج
29 مارس 2009