المنشور

إصلاح المجلس بإصلاح الحكومة!


الملاحظ أن هناك دعوات مطروحة تركز فقط على ضرورة ترشيد الممارسات النيابية السلبية وتتجاهل الحاجة الملحة إلى إصلاح الحال السيئة للإدارة السياسية للدولة… فهناك دعوات لتفعيل بعض بنود اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أو تعديلها لضبط الممارسات النيابية، وهناك اقتراحات أخرى لاستحداث لجنة للقيم في مجلس الأمة، فيما يتوسع البعض الآخر في اقتراحاته فيدعو إلى تنقيح الدستور بحيث يرتفع النصاب العددي المطلوب دستورياً لتوجيه الاستجوابات إلى رئيس الحكومة والوزراء، بحيث يقيّد حقّ النائب الفرد في توجيه الاستجواب باشتراط مشاركة خمسة نواب في التوقيع على صحيفة الاستجواب وأن تتم مناقشة الاستجوابات أمام لجان المجلس وليس في الجلسات العامة… وغير ذلك من دعوات واقتراحات تتركّز فقط حول الممارسة النيابية!

وفي هذا السياق نجد من يختصر الأمر ويختزله ويرفع شعاراً مباشراً يدعو إلى عدم انتخاب من يسميهم «نواب التأزيم»، قاصداً بذلك نواب المعارضة وغيرهم من النواب الذين يصرون على ممارسة دورهم الرقابي، وكأن الرقابة البرلمانية تأزيم وليست دوراً دستورياً مقرراً لنواب الأمة، وكأن الشرط الأساسي لوجود حياة برلمانية سليمة أن يكون البرلمان ذا لون واحد و«صورة طبق الأصل» عن الحكومة!

ومع أني لا أنكر هنا وجود العديد من الممارسات النيابية السلبية على مستوى لغة الخطاب النيابي، والاستهداف الشخصاني والنزعة الفردية الطاغية التي تتطلب ترشيداً ولكن ليس عبر مثل ذلك التشخيص الأحادي القاصر ولا من خلال مثل تلك الدعوات الارتدادية المطروحة، إذ إن المدخل الأهم إلى تطوير الحياة البرلمانية وترشيد ممارساتها لا يمكن الوصول إليه ما لم يتحقق ذلك في إطار أوسع يستهدف ترشيد الممارسة السياسية في البلاد ككل…

وهنا لا بد أولا من معالجة الخلل الأخطر في الممارسة السياسية المتمثل في النهج الفاشل المتبع في الإدارة السياسية للدولة والمعايير القاصرة في التكليف بتشكيل الحكومة واختيارات الوزراء بحيث يتم تغيير هذا النهج وتصحيح هذه المعايير ليتحقق الترشيد المطلوب على مستوى الممارسة الحكومية، التي هي مدخل تصحيح وترشيد الممارسة النيابية، إذ يفترض أن يتشكل مجلس الوزراء رئيساً وأعضاء من رجالات دولة من ذوي الكفاءة السياسية والشخصية وممن يتصفون بالنزاهة، ويمتلكون تصورات إصلاحية واضحة يكونون قادرين على بلورتها على شكل برنامج حكومي إصلاحي واقعي قابل للتطبيق… فالأساس أن الحكومة هي التي تمتلك زمام المبادرة في العمل التشريعي، والأصل أن تتقدم الحكومة وليس النواب ببرنامج العمل وبالأولويات وبمشروعات القوانين المدروسة بناء على ما يتوافر لديها من معلومات وبيانات ودراسات حول المشكلات والقضايا العامة وسبل معالجتها وكيفية التعامل معها والحكومة هي التي يفترض أن تعمل على إقناع الرأي العام قبل النواب بأهمية هذه البرامج والسياسات والمشروعات بقوانين وسلامة مقاصدها وجدوى تشريعها، وأن تكون قادرة على تبريرها والدفاع عنها والتفاهم مع النواب على تعديلها وإقرارها، ناهيك عن أنّ الحكومة وحدها هي التي تشكّل داخل مجلس الأمة الكتلة التصويتية العددية الأكبر التي يمكنها أن ترجح كفة أي تشريع، كما أنها غير ذلك هي التي تمتلك حقّ اقتراح ردّ القوانين التي يقرّها المجلس في حال وجود اعتراضات جدّيّة عليها…

 وهذا كله ما افتقدته تماماً التشكيلات الحكومية المتعاقبة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، فأدى الضعف الحكومي الفاضح إلى بروز خلل صارخ في موازين القوى بين المؤسسات الدستورية، وبالتالي فقدان الحكومة زمام المبادرة السياسية، وهذا ما فتح الباب أمام بروز بعض الممارسات النيابية السلبية وانتشارها.

ومن هنا فإن ترشيد الإدارة السياسية للدولة، بمعنى ترشيد الممارسة الحكومية هو مدخل أساسي لترشيد الممارسة السياسية في البلاد وبالتالي ترشيد الممارسة النيابية… أما السبيل الآخر لتطوير الحياة السياسية في البلاد وترشيد ممارساتها فيتمثل في استكمال أسس النظام الديمقراطي ومتطلباته ووجود حياة حزبية سليمة وهذا ما سأتناوله في مقال الغد. 



 
جريدة عالم اليوم 6 ابريل 2009