المنشور

الحرس “الثوري” يتقدم أكثر نحو السلطة

تداخلات وتناقضات غريبة تجري في الحياة السياسية الإيرانية العامة، لكن ما هو واضح هو أن كتلة الدينيين، أي قوى المراجع الكبيرة، قد أخذت تفقد السلطة بصورة واضحة، وأخذت مؤسسة الرئاسة كتعبير متوار حتى الآن للحرس تفرضُ نفسها بقوة.
إن اتخاذها إجراءات علمانية كترفيع النساء، يؤكد رفضها التبعية للمحافظين الدينيين الذين ساندوها، فارتفعت فوق أكتافهم ورفضت توجيهاتهم، ثم خضعت لهم بعد توحدهم ضدها.
قريب الرئيس نجاد لايزال مستمرا وهو لم يتراجع عن تصريحاته المؤيدة لإسرائيل.
توجه الرئيس – قبل فترة – لتعيين نائبة له.
انفضاضُ كثيرٍ من المحافظين عن تأييد الرئيس، فالرجل يتوجه لتجاوزهم.
تبدو السياسة الدينية المحافظة (المستقيمة) قد حُجمت، وظهرت سياسة دينية براجماتية يمينية، ترفض الديمقراطية وتعلي حكم العسكر.
أصبح الدينيون منقسمين ومضطربين متصارعين وهو ما كان يعملُ الحرسُ الثوري على خلقه بينهم، كما وُسع هذا التغييب عبر تصفية الكوادر السياسية القيادية المؤيدة لنهج التغيير، وفصل الموظفين الكبار في وزارات مهمة كالداخلية والخارجية.
إن الدولة – عبر هذا النهج المتسرب في عظام النظام السياسي – تريد نهجا عمليا محددا، ومن الضروري أن تقاربَ الدولَ العسكرية في الشرق بتوجهها التقني وبتطويرها للاقتصاد العسكري، وهذا ما لا يستطيع الدينيون قيادته وحسمه.
كان الصراع مع القوى الحكومية المدنية الدينية قد بين أن العسكريين هم القابضون على تروس الدولة، وهم الذين يستطيعون تحريكها تجاه أي رقاب وأي قوى، ولكن القوى الدينية المسيطرة ايديولوجيا على النظام راحت تتصارع، وتتفتت، فصعدَ العسكريون وغدت لهجة الرئيس أكثر قسوة ضدهم، وأقل احتراماً.
وربما حسنت عملية خفض مواقع الدينيين من صورة الرئيس، وقد قام هو بذلك للتنفيس عن الناس، وبالادعاء أن الرئيس وجماعته أصحاب نظام مدني حديث، وهي عملية خداع وجذب لبعض القوى المدنية، لكي تنفذ الحربة العسكرية في جسم الشعب أعمق مما نفذت.
إن القوة هي التي تحسم، خاصة أنها قوة ووراءها مؤسسات شعبية كبيرة، ويتحول حتى المرشد الأعلى إلى مجرد رمز، وغدت حتى اعتراضاته لا يؤبه لها من قبل الرئيس الذي غدا متغطرسا بسبب القوة الحقيقية التي تقف وراءه، وبسبب انتقادات المرشد له.
لقد أعطى الدينيون أنفسهم الحرسَ إمكانية قمع الجمهور الثوري وسحقه، فقاموا بخطأ المجلس النيابي نفسه في زمن نابليون الذي أمره بقمع الجمهور الثوري، فتحول نابليون بعد أن حقق المهمة القذرة إلى أن يكون هو الطاغية ضد هذا المجلس نفسه.
يتوجه النظام الإيراني لأن يكون على الطراز الروسي، نظاما عمليا، تحركهُ القوى العسكرية والاستخباراتية العليا، وقد تراجع موقع الحزب فيه، وهنا في إيران يتراجع موقع الدينيين والحزب الجمهوري الإسلامي، وفي هذا جوانب متناقضة سلبية وإيجابية.
ولكن الخطورة الكبيرة تكمن في مدى مشروعاتهم العسكرية والتوسعية، فقد نشهد مخاطر جسيمة على السلام من قبلهم ومن قبل مغامراتهم.
إنها تجربة مماثلة لروسيا وتتجسد على صعيد آخر من خلال مناوئة الغرب واتخاذ طريق مستقل غير ديمقراطي عنه، رغم أن روسيا مرنة أكثر من إيران بهذا الصدد، فإن الأمر يتعلق بطبيعة النظام العسكري – الصناعي الإيراني الوليد والمتنامي في دوريه الوطني والإقليمي، الذي تغدو له المؤسسة الديمقراطية ملحقا سياسيا، وقد قام بدوسها في الشهور الأخيرة.
هذا جزءٌ من خلل نظام الدكتاتورية الجماعية الدينية الذي طـُبق، والذي وضع السلطة في يد العسكر والمخابرات.
لا يستطيع الحرس أن يقبض على السلطة بشكل كلي ومباشر حاليا، بسبب بقاء المعارضة المدنية رغم فشلها في التحول لمعارضة شعبية كاسحة، وحين يتم القضاء على هذه المعارضة سوف يلتفتُ الحرسُ للقوى الدينية المحافظة (المعارضة) له ويقمعها، فمن جمع الموارد الاقتصادية والعسكرية لابد له من قطف ثمار السياسة.
إن القوى المدنية المعارضة هي الآن الخصم اللدود له، وهي كلما استماتت في التحدث بلغة دينية فقدتْ الجمهور الذي أرهق من هذه السياسة الدينية وبرامج فقرها، متصورة أن هذه اللغة هي المنقذ لها من القمع، وأنها هي الجسر مع الجماهير، وبهذا سوف تذبل من الذاكرة السياسية ومن ترك أي شيء سياسي مهم.
فكان يُفترض أن تهاجم بقوة مفردات النظام الدكتاتوري الديني وتكشف الفئات الاستغلالية فيه وتدعو إلى تغييره وإلى نشر الحريات بقوة، لكن تشبثها بالدكتاتورية الدينية كسلطة أفقدها تميزها المنتظر.
ستكون الضحية التالية للحرس هي شيوخ الدين المحافظين وستكون الأزمة الكبرى هي موقع المرشد الأعلى في حالة غيابه المنتظر المتعدد الأسباب، حيث سيحدد المرشد القادم الحرسُ، لتتوجه إيران إلى سيطرة العسكر بصورة مباشرة.

صحيفة اخبار الخليج
13 سبتمبر 2009