المنشور

بناء الكتلة الديمقراطية – 2

الحديث عن بناء الكتلة الديمقراطية ينطلق من معطيات موضوعية على درجة كافية من الصلابة، التي تجعل من هذه المهمة مهمة ممكنة، بمقدار ما هي ضرورية. ومن تلك المعطيات الأرضية التاريخية الممتدة للحركة الوطنية والديمقراطية البحرينية بأفقها الحداثي، وهي أرضية تشكلت على مدار أكثر من نصف قرن، اذا تحدثنا عن نشوء التنظيمات والاتجاهات الوطنية، اليسارية منها والقومية، وفي تاريخ العلاقة بين هذه التنظيمات هناك محطات من التعاون والتنسيق، وربما حتى التحالف أيضا، رغم ان هذه العلاقة شابتها، أيضاً، الكثير من أوجه الاحتكاك والتوتر، الراجعة إما الى اختلاف التقديرات السياسية أو الى المنافسة الحزبية حين تطغى المفاهيم الضيقة على الأفق الواسع للتعاون. لكن في الاجمال يمكن القول ان الأرضية الجامعة للتيار الوطني الديمقراطي تشكلت عبر مسار تاريخي جمع مناضلي مكونات هذا التيار في محطات النضال، وفي زنازين السجون وفي المنافي، وجميعهم كذلك في طبيعة البرنامج الحداثي الذي قدمته تنظيماتهم للمجتمع، من حيث هو برنامج بناء البحرين الحديثة، الديمقراطية، الملبية لحقوق مواطنيها والضامنة لكرامتهم، ومن حيث هو برنامج انصاف المرأة ومساواتها، ومن حيث هو برنامج الانفتاح على العصر وعلى المستقبل، ومن حيث هو برنامج الارتباط بحركة التحرر الوطني والقومي والاجتماعي العربية، وبالحركة التقدمية والديمقراطية في العالم المناضلة ضد الاستعمار وأشكال الهيمنة والاستبداد ونهب ثروات الشعوب. معطى آخر يصب في هذا السياق هو تمايز الحركة الوطنية الديمقراطية في إطار المعارضة بشمولية تمثيلها للشعب بكافة مكوناته. صحيح ان المعارضة، في ظروف اليوم خاصة، هي على درجة من الاتساع بحيث لم تعد مقتصرة على الحركة الوطنية وحدها كما كان عليه الحال في الستينات والسبعينات، وان هناك قضايا ذات طبيعة سياسية ومعيشية تجمع بين فرقاء هذه المعارضة، ولكن القوى التي دخلت صفوف المعارضة في العقدين الأخيرين، ظلت وستظل لأسباب موضوعية معلومة غير قادرة على كسر الشرنقة الطائفية والمذهبية التي تطوقها، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تقدم خطاباً جامعاً للشعب كله، وهذه طبيعة ملازمة لحركات الاسلام السياسي كلها، لا في البحرين وحدها وإنما في العالمين العربي والاسلامي عامة، فكلما ازدادت هذه التيارات»اسلاموية» أوغلت في فئويتها المذهبية. في ظروف الانقسام الطائفي التي تزداد تفاقماً اليوم، فان الأنظار تتوجه نحو القوى القادرة على تجاوز هذا الانقسام، وفي ذاكرة البحرينيين تظل تجربة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات وتجربة التنظيمات اليسارية والقومية منذ منتصف الخمسينات مثالا للبديل المرتجى، حيث تعقد الآمال عليه لإعادة اللحمة للصف الشعبي العام. لكن هذا لن يتحقق من تلقاء ذاته. صحيح أن التنظيمات اليسارية والقومية والقوى الليبرالية عامة موجودة في المجتمع، وهي معروفة لدى الناس، ولكن الناس يبحثون عن قطب كبير يتجمعون حوله، وهذا القطب الكبير ليس موجوداً في أي من تنظيمات التيار الديمقراطي القائمة، فمع التقدير للجهد الكبير الذي يقوم به كل تنظيم من تنظيماتنا الديمقراطية، ألا أننا نظل، جميعاً، قوى صغيرة، بحاجة لأن تكفل جهودها في الكتلة الديمقراطية التي نحن بصدد الحديث عنها. نكمل غداً.
 
صحيفة الايام
6 يناير 2010