المنشور

كيف نشأت الفكرة الوطنية في البحرين؟


لا أعتقد انه سبق أن طرح على الحركة الوطنية التحررية في البحرين ضد الاستعمار وأعوانه، وفي سبيل الديمقراطية، مهمة الدفاع عن تراثها النضالي وعن دورها في تشكيل الوعي الوطني في هذا المجتمع بالمقدار الذي ينطرح فيه اليوم، حيث بات مستكثراً على هذه الحركة حتى مسماها الذي عرفته به البحرين كلها، يوم كانت الناس تصف من يقادون الى زنازين السجون أو يرسلون للمنافي الطويلة بالوطنيين.

للأسف فأنه يجري السعي لتزييف وعي الجيل الجديد من خلال مسخ هذا التاريخ الحافل بالتضحيات الذي لا يمكن أن ينكره حتى أشد الجاحدين بالحقيقة، كأن النضال في البحرين ابتدأ اليوم فقط، حين وجد البعض نفسه مزهواً بما هو عليه، مغفلاً أن تاريخاً مجيداً من التضحيات بذلتها أجيال من الوطنيين ربما لم يقرأ بعض نجوم البرلمان اليوم سطراً واحداً عنها.

لا بأس! علينا أن نعود إلى البديهيات التي كنا نظن انه بات مفروغاً منها، فإذا بنا نطالع تصريحات تحملنا حملاً على ضرورة التذكير بالبداهة، لعل الذكرى تنفع المؤمنين.

الحركة الوطنية البحرينية، وإن شئتم التيار الوطني الديمقراطي في البحرين، نشأ في قلب النضال ضد الاستعمار البريطاني وعملائه، يوم كانت البحرين خاضعة له، وكانت موجة التحرر الوطني والاستقلال تجتاح كل البلدان التي أخضعها المستعمرون لسلطتهم، وكانت أفكار التقدم والتنمية المستقلة وإحراز السيادة الوطنية هي السائدة، وكالعادة فان البحرين وشعبها كانا سريعي التفاعل مع هذه المتغيرات الدولية والعربية والإقليمية.

نشأت الحركة الوطنية البحرينية من قلب هيئة الاتحاد الوطني البحريني التي نجحت فيما أخفق الإسلام السياسي البحريني بكافة تلاوينه عن إحراز النزر اليسير منه، بسبب ما يعتريه من خلل بنيوي في تركيبته ومفاهيمه، حين وحدت، أي الهيئة كل الشعب البحريني بسنته وشيعته خلف قيادتها، واستطاعت أن تقضي على الفتن الطائفية التي أراد المستعمر إشعالها. 

وحين انقض المستعمرون على حركة الهيئة واضطهدوا قادتها إما بالسجن أو النفي، واصل جيل جديد من الوطنيين البحرينيين الذين تلقوا خبراتهم النضالية الأولى في حركة الهيئة، وكانوا يومها شباناً في مقتبل العمر في حمل راية النضال الوطني من خلال جبهة التحرير الوطني البحرانية وحركة القوميين العرب وحزب البعث، وظلوا ممسكين بالجمر على مدار عقود، ما أن تُضرب خلية هنا، حتى تنشأ خلايا هناك، وظلت السجون عامرة بالمناضلين الوطنيين حتى مطالع التسعينات، فيما كان من هم خارج السجن من الوطنيين أول من بادر إلى فكرة العريضة النخبوية، وشركاء أساسين في العريضة الشعبية.

ولمن نسي أو تناسى نُريد أن نذكر، على سبيل المثال فقط، باسم رمز وطني كبير كان له دور محوري لا ينكر في عقد التسعينات، ودفع ضريبة ذلك باعتقاله ومحاكمته، وجراء ما تعرض له من عسف أصيب بالأزمة القلبية والجلطة الدماغية التي حدّت من طاقاته الجبارة، دون أن تفلح في تغييبه عن المشهد الوطني من موقعه الرفيع كرئيس فخري لمنبرنا التقدمي وكقدوة لنا جميعاً وللأجيال الشابة. 

الفكرة الوطنية ليست ماضياً وتراثاً فحسب، أنها حاجة راهنة شديدة الإلحاح، بعد التصدع الطائفي الذي بلغه مجتمعنا البحريني، والذي غذته القوى التي تصدرت المشهد خلال السنوات الماضية، في ظل تغييب الصوت الوطني ومحاصرته.