المنشور

سنبقى خارج الزمن طالما سنّنّا وشيّعنا قضايا الوطن – ضياء الشكرجي


كن يا أخي سنيا، وكن يا أخي شيعيا، كن أنت إن شئت شيعيا في حياتك الخاصة، وكن أنت إن شئت سنيا في حياتك الخاصة، لكن نرجوكما لا تسننا قضايا الوطن ولا تشيعاها، لا تسننا ولا تشيعا السياسة والدولة والدستور. كن ما تشاء، كن شيعيا متدينا، أو شيعيا فاسقا – بحسب مصطلح المتشرعة -، وكن سنيا متدينا، أو كن سنيا فاسقا. ولكن لا تبثا رجاءً التسنن المكفِّر للشيعة، ولا التشيع المكفِّر للسنة، لا تبثا التسنن المشحون كرها للشيعة، ولا التشيع المشحون كرها للسنة.

استبشرنا خيرا عندما انتفض الشعب التونسي، واستحال جسد البوعزيزي مشعلا للحرية في تونس، واستحال ميدان التحرير تحررا من الديكتاتورية المباركية. تضامنّا مع شعب ليبيا، وشعب اليمن، وشعب الجزائر، وشعب سوريا، وشعب إيران، وشعب البحرين.

لكني وبصراحة، ما أن انطلقت الاحتجاجات الشعبية في البحرين، توجست خيفة من أن تنقلب القضية من قضية حرية شعب، إلى قضية شيعة وسنة، لأن للبحرين خصوصيتها، فهي ذات أكثرية 70% شيعية مهمشة ومحكومة من فئة حاكمة تنتمي لأقلية الـ30%، ولا أقول محكومة من السنة.

فكرت هل سيخرج شيعة وسنة البحرين من أجل الحرية وإصلاح النظام السياسي، دون أن يعرف المتظاهرون كم شيعي وكم سني بينهم، أم ستتحول القضية إلى قضية حقوق مهدورة للأكثرية الشيعية، يقابله قمع يتخذ طابعا طائفيا؟ الذي نحبه للبحرينيين، وانطلاقا من مبدأ (لا يرقى شعب في إنسانيته ما لم يحب لغيره من الشعوب ما يحب لنفسه)، هو أن تكون حركتهم وطنية بحرينية، شعبية، ديمقراطية، علمانية، لا أن تكون شيعية أو سنية.
فهناك إيران، التي أدانت حركة الاحتجاج الشعبية في العراق، وباركت – مباركة كاذبة منافقة طائفية – حركة الاحتجاج البحرينية، ومن الجهة الثانية هناك السعودية، إذ انتفضت الطائفية التكفيرية الوهابية هناك لتحشر – لا أقول أنفها – بل آلتها العسكرية في القضية البحرينية، لتقمع (روافض) البحرين قمعا دمويا، نرجو ألا يُصعَّد كما هو الحال مع القمع الدموي للدموي المجنون القذافي. وسارع دعاة الطائفية من الشيعة في العراق وإيران ولبنان ليحشدوا جماهيرهم استنكارا لقمع إخوانهم شيعة البحرين، بينما تراق دماء الجماهير الليبية منذ أسابيع، ولم يتحرك هؤلاء القادة الشيعويون لإعلان تضامنهم مع الثوار والمدنيين الليبيين. الذي نتمناه ألا يقف أحرار سنة البحرين متفرجين وغير مكترثين بما يجري من قمع دموي طائفي سعودي وهابي تكفيري ضد إخوتهم الشيعة، وإلا فإن موقف اللامبالاة سيعمق الجرح، وسيدق الإسفين الطائفي، وهذا ما لا يخدم الشعب البحريني، ولا حركة التغيير من أجل الديمقراطية.

أما كان خيرا لهذه الشعوب ألا تكون سنية، وألا تكون شيعية؟ إني أكتب هذه الأسطر من موقع التخلي الكلي عن التمذهب الذي تحوّل إلى مرض عضال، فإني عندما أتكلم عن الفريقين، فليس من موقع الانتماء إلى أي منهما. فإنه ليزعجني كلما اضطررت في المعاملات الرسمية إلى كتابة اسمي الثلاثي، لأن اسم جدي ذو صبغة مذهبية. وأقول شكرا لأبي وأمي ورحمهما الله، لأنهم اختاروا لي اسما، لا هو شيعي ولا هو سني، فالحمد لله الذي لم يصادف أن صحابيا أو خليفة أو تابعيا أو إماما معصوما أو غير معصوم اسمه (ضياء)، فإني سعيد باسمي، لأن التاريخ السني والتاريخ الشيعي على حد سواء يخلوان من شخصية مذهبية أو متمذهبة اسمها (ضياء). وإني أعتبر تسمية الأبوين لابنهما أو ابنتهما اسما صارخا في شيعيته أو في سنيته انتهاكا مسبقا لحقوق أبنائهما وبناتهما، بختمهما بختم التسنن أو ختم التشيع، دون أن يسألانهم عما إذا كانا يوافقان على أن يُطمغا بطمغة شيعية أو سنية. وإني عندما أتضامن مع شيعة البحرين، فمن موقع أني لست شيعيا، كما تضامنت مع مسيحيي العراق وصابئتهم، ومع أقباط مصر، ومع شعب جنوب السودان.

وليس الإسلام السياسي بأفضل من التمذهب السياسي أو تسييس المذهب سنيا أو شيعيا، بل هو الأشد خطورة، وهو الرحم الذي يفرّخ طائفية سنية، وأخرى شيعية. فعندما أرى احتجاجات الشعب الأردني على سبيل المثال أتضامن مع شعب الأردن، ولكني في نفس الوقت أعيش القلق والهلع، عندما أرى اللحا الإخوانية هي التي تتصدى للاحتجاجات والتظاهرات. وكما استبشرت خيرا عندما رأيت المتظاهرين غير المتأسلمين في غزة يهتفون (الشعب يريد إنهاء الانقسام)، مما جعل السلطة الديكتاتورية لحماس تعمل على تفريق التظاهرة بالقوة والعنف، لأن الشعار يتضمن رفض السلطة الإسلاموية الحماسوية برفضه لسلطة التقسيم.

الديمقراطية في المنطقة قادمة لا محال، لكنها محفوفة بمخاطر الإسلام السياسي، ومخاطر التسنن والتشيع، عندما يتركان حيزهما الشخصيين، ليقحما نفسيهما في شؤون السياسة والدولة والوطن. فالوطن يكون جميلا عندما يكون بحرينيا، عراقيا، لبنانيا، مصريا، تونسيا، أردنيا، فلسطينيا، يمنيا، ولا يكون متأسلما أو متسننا أو متشيعا، لتعيش الشعوب متآخية في إطار أخوة المواطنة وأخوة الإنسانية، غير متوزعة في خنادق طائفية، بل يعيش سنيّوها وشيعيّوها، مسلموها ومسيحيّوها وصابئتها وإيزيديّوها وزردشتيّوها وبهائيّوها ودرزيّوها ويهوديّوها، إلاهيّوها وملحدوها، دينيّوها ولادينيّوها أو لاأدريّوها، عندما يعيش الجميع في إطاري الهوية الوطنية والهوية الإنسانية.

إن الطائفية الموسعة منها والمضيقة، الدينية والمذهبية، لطالما فرقت بين أطياف شعب، وأوقعت بينها العداوة والبغضاء، ولطالما فرقت بين حبيبين، بينما الإنسانية والعقلانية، بينما الديمقراطية والعلمانية، هي عوامل تقارب وتلاقي وتحابب على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعات والشعوب والأمم، ومن هنا فإن قيم الإنسانية والعقلانية، وقيم الديمقراطية والعلمانية والليبرالية، هي الأقرب إلى التقوى، بمعنى إنها الأقرب إلى القيم الإلهية، فرُبّ كافر إنساني وعقلاني أحب إلى الله من مؤمن متعصب أو متطرف أو تكفيري أو عنفي، أو ناءٍ على أي نحو عن إنسانيته أو عقلانيته، وبالتالي مُعرِضٍ عن قيم الله، بوعي أو بغير وعي.

فهل سنشهد في شعوبنا العربية والشعوب ذات الأكثرية المسلمة تمذهبا إنسانيا، وآخر حداثويا، وثالثا ديمقراطيا، ورابعا عقلانيا، وخامسا ليبراليا، بدلا من التمذهب الشيعي والسني، والتأسلم السياسي؟
 
عندها سنقول: ها نحن قد طوينا ملف الماضي، وفتحنا ملف المستقبل، وإن غدا لآت.
 
الكاتب : ضياء الشكرجي
كاتب عراقي
الحوار المتمدن
16/03/2011