المنشور

مكابدات قاسم حداد


يُهدي قاسم حداد إصداره الجديد: «مكابدات الأمل» الصادر عن وزارة الثقافة في البحرين والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، إلى كل من ليلى فخرو وهشام الشهابي وعبدالرحمن النعيمي.
 
أسماء ثلاثة رحلت من دنيانا، بعد أن تركت توقيعها الذي لا يُمحى في سجل الوطن، لكن ليست هذه الأسماء الثلاثة وحدها من يحضر في نصوص الكتاب، فمعهم يحضر أيضاً أحمد الشملان وأمين صالح وعبدالقادر عقيل وغازي القصيبي ومحمد الماغوط وغيرهم.
 
أسماء هؤلاء لا ترد في سياق تحيات يقدمها الشاعر لرفاقه وأصدقائه الراحلين والباقين، وإنما في سياق نصوص يجمعها العنوان اللافت الذي اختاره لكتابه: «مكابدات الأمل»، لذلك فإن الكتاب لا يتوقف عند حدود الأسماء وحدها وإنما يذهب بعيداً إلى الأفكار والأماكن وإلى الشهادات الآتية من سياق تجربته الشعرية والإبداعية، وعلينا أن نقول أيضاً من سياق تجربته الإنسانية الغنية التي يعرفها من يعرفونه.
 
سبق لقاسم أن أصدر مؤلفاً في عام 1995 حمل عنوان: «نقد الأمل»، وحتى في ذاك المؤلف لم يفلت من الهاجس المستحوذ على نصوص ومقالات كتابه الجديد، هاجس مكابدات نقد الأمل، فلعل الشاعر هو نفسه الذي قال يوماً، إن لم تخنِ الذاكرة، وهو يهجو حياتنا الراهنة، على ما فيها من قسر وعبث، بأنها تمنعك حتى من اليأس، وهو حق مشروع للفرد، حين يكون هذا اليأس باعثاً لتوليد الأمل أو حتى لمزيد من اليأس، في لحظة تكاد فيها الأشياء تتساوى، ولعلنا نجد في خاتمة تحيته لمحمد الماغوط ما يُوجز هذه الفكرة حين يخاطبه بالقول: «لستَ محسوداً على الموت، ولسنا على الحياة».
 
لكن قاسم في الإصدار الجديد اختار المكابدات فضاء لتجواله، كأن هذه المكابدات ضريبة النفوس المرهفة الموغلة في الأمل، الموغلة في الحب، وهي تداري حلمها المكسور، تماماً كما يداري طفل خائف شمعته عن الريح كي لا تنطفئ، وهذا ما يجعل من مكابدات قاسم تربية للأمل، إن نحن استعرنا التعبير الجميل لمحمود درويش، وهو يفعل ذلك في أكثر من موضع من مواضع الكتاب، مثلاً حين يقترح على الجيل الشعري الجديد أن يعيد النظر في الأسئلة التي اقترحتها عليها تجربة أسلافه، و»لكي يُحسن هذا الجيل الشغل فعليه أن يتحصن بالمعرفة»، أو حين يحذر بقسوة مشروعة، في موضع آخر، من «مسخ تاريخ نضالي بذل ذبالة روحه من أجل المستقبل، لتجري جرجرته خلف عربة تسعى حثيثاً نحو الماضي».
 
وفي الكتاب كله تطوف روح المفتتح الذي به يلج قاسم عوالم الكتاب، روح «البلاد التي كانت دمعة وصديقة لعيوننا تبكي علينا أو لنا، لكننا في آخر الأسفار نستهدي بيقظتها، ونعلن أنها فينا.. بعيداً، وأن باقي وردنا في صدرها الماسي، في تنهيدة المأخوذ نحو جمالها».
 
هل أقول أنه كتاب يأتي في وقته؟ سنظلم المؤلف بهذا القول، فكل كتب قاسم السابقة، وهو المنصرف كلية إلى مشروعه الإبداعي لا يشغلهُ عنه شاغل، تأتي في وقتها، وللإبداع ليس من وقت، لكن الأفق الرحب لتأملات الكتاب ونصوصه وأفكاره التي لا يمكن تقييدها بزمن معين، لا تنفي راهنية الكثير مما يطرحه المؤلف في هذه اللحظة من تاريخ وطن يبحث عن نفسه المضيعة.