المنشور

رحيل مناضل شجاع من وطني الرفيق محمد جابر صباح سيادي



واحداً تلو الآخر يرحلون عنا مناضلونا الشجعان الذين سطروا أروع الصفحات وبحروف
من ذهب في النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني والرجعية، دون أن يكتب العديد منهم
مذكراتهم أو جزء يسيراً من سيرتهم النضالية الممتدة في معترك الحراك السياسي والمطلبي،
لكي يستفيد منها هذا الجيل والأجيال القادمة في قراءة تاريخنا الوطني في سيرة هؤلاء
المناضلين البحرينيين الذين لم يتلوثوا بلوثة الطائفية البغيضة أو العنصرية، وإنما
أسسوا لتقاليد عريقة في تاريخ الحركة الوطنية البحرينية، وبفضل أفكارهم ومبادئهم الإنسانية
والتقدمية، نشروا الوعي الوطني والثقافة التقدمية في ربوع البحرين الغالية، في ظروف
العمل السري والصعوبات التي واجهتهم خلالها. 


رفيقنا المناضل النائب السابق في المجلس الوطني في أعوام 73 – 1975محمد جابر
صباح سيادي واحد من هؤلاء المناضلين الشجعان الذين كان لهم مواقف مبدئية في ساحة النضال
الوطني في البحرين، ، هذا المناضل البارز الذي بقي حتى الرمق الأخير من عمره البالغ
أثنين وثمانين عاماً، وفياً ومخلصاً لأفكاره ومبادئه التقدمية، لم يتزحزح قيد أنملة
عن النضال من أجل الحقوق المشروعة لشعبه بأن يتمتع بالديمقراطية والمساواة والعدالة
الاجتماعية، وعلى الرغم من اشتداد المرض عليه خلال السنوات الأخيرة الذي أخذ منه صحته
وقوته، كان ينشط من خلال المجلس الأسبوعي في بيته في المحرق أو في حضوره الدائم في
الندوات والمسيرات، ومنها مسيرة الأول من مايو في كل عام، منذ أن تم إقرار الأول من
مايو عطلة رسمية في الدولة في سبتمبر 2002م، حيث جرت العادة بأن تخرج مسيرة عمالية،
يشارك فيها المنبر الديمقراطي التقدمي بكثافة ويحشد لها، فيها ترفع المطالب العمالية
والنقابية والمعيشية وترفرف الرايات الحمراء، راية الطبقة العاملة والكادحين في بلادنا
وسائر بلدان العالم، حيث كان يحرص على المشاركة فيها وهو على كرسيه المتحرك. 


وظل محمد جابر الصباح قابضا على الجمر حتى في أشد وأحلك الظروف التي عاشتها
البحرين، وتحديداً بعد تفجر أحداث 14 فبراير 2011، وما تلا ذلك من إعلان لحالة السلامة
الوطنية، والأجواء السيئة التي سادت في البلاد بصعود النزاعات والعصبيات العرقية والطائفية،
عندما تفكك الوطن وتمزق النسيج الوطني والاجتماعي، استمر مخلصاً وفياً لمبادئه التي
عرف بها منذ شبابه. 


يقول عنه، رفاقه: منذ عرفناه كان مناضلاً صلباً وصاحب رأي وموقف لا يتراجع عنه
ويدافع عنه بكل وضوح وشجاعة، عن ذلك، ومشاركاً في كافة المحطات النضالية  التي عرفها شعب البحرين ومناضلوه منذ انتفاضة مارس
1965 المجيدة، منظماً وقائداً وفي المجلس الوطني في اعوام 73- 1975، ثم بعد حل المجلس
الوطني في 26 أغسطس 1975، حيث إعتقل أبو جابر، في عام 1976 مع العديد من مناضلي الحركة
الوطنية البحرينية وبقي صامداً متمسكاً بمواقفه في السجن، وبعد إطلاق سراحه في نهاية
السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، واصل نضاله في صفوف جبهة التحرير الوطني
البحرانية، الذي أصبح عضواً فيها بعد رحلة طويلة في التنظيمات القومية واليسارية الصغيرة. 


وقد فتح مجلسه في المحرق، ليؤسس لمرحلة جديدة من النضال الوطني المطلبي، بمعية
كوكبة من المناضلين والمطالبين بعودة الحياة النيابية وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء
السياسيين وعودة المنفيين ومشاركة المرأة في العمل السياسي، وبإشاعة الديمقراطية والحريات
العامة في البحرين، حيث تمَّ إصدار العريضة النخبوية في عام 1992، وفي مرحلة لاحقة
جرى إصدار العريضة الشعبية في عام 1994، وكان دور الفقيد بارزاً في إصدار العريضتين،
وفي تجميع التواقيع عليهما، والاحتفاظ بتلك العرائض الموقعة من قبل أكثر 25 ألف مواطن،
مما يدل على شجاعته وتفانيه وإخلاصه. 


  
بعد الانفراج السياسي في فبراير 2001، شارك رفيقنا ابو جابر مع العديد من رفاقنا
ورفيقاتنا في تأسيس المنبر الديمقراطي التقدمي، في 13 يوليو 2001، وكان حريصاً على
المشاركة في فعاليات وأنشطة “التقدمي” بالرغم من الظروف الصحية التي يعاني
منها، وشارك تقريباً في كل مؤتمرات “التقدمي” التي انعقدت، وكانت له ملاحظاته
وتوجيهاته لتحسين أداء التقدمي وللارتقاء بنشاطه الحزبي والجماهيري نحو الأفضل. 


 وقد تأثر كثيراً لما نتج عن المؤتمر
العام السادس الذي انعقد في 27 ابريل 2012، من تباين واختلاف بين الرفاق ، تأثر كثيراً
لذلك الوضع المؤسف، وهو طريح الفراش في المستشفى، عند زيارات الرفاق والأصدقاء والأهل
له، كان دائم السؤال والحديث عن التقدمي، كان يردد علينا يجب الإسراع في توحيد وجهات
النظر المختلفة، وقد تحدث معي عن الموضوع أكثر من مرة فكنت أطمأنه وأواسيه بالقول أن
الأهم  الآن يا أبا جابر هو صحتك، ولكنه ظل
قلقاً على وحدة تنظيمه، وأخبرني الأستاذ علي ربيعة، عضو المجلس الوطني “السابق”
ورفيق دربه منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، بأن لديه رسالة يريد توصيلها للرفاق
المختلفين، تؤكد على أهمية وحدة “التقدمي” وتعزيز دوره في المجتمع، وانه
قال بأنه عندما يخرج من المستشفى سوف يقوم بتلك المبادرة، فهل نحقق له أمنيته وهو الذي
يرقد بسلام في قبره في المحرق، مدينته التي عشقها، ونوحد الصفوف ونقوي تنظيمنا لكي
تقوى وتتعزز الحركة الديمقراطية التقدمية في البحرين.