المنشور

دورالقوى اليسارية في انتفاضات الربيع العربي – د.عودت ناجي الحمداني

توحدت الاهداف والشعارات في الاحتجاجات المناوئة للانظمة الشمولية وتمحورت حول اسقاط النظام و المطالبة بالديمقراطية والعمل والعدالة والمساواة وغيرها من المطالب الاساسية للمواطنين. وبالرغم من سقوط انظمة الحكم في مصر وتونس وليبيا واليمن فان الاحتجاجات ما زالت متاججة بدرجات متفاوته لان القوى الاسلامية التي قبضت على السلطة السياسية في هذة البلدان تفتقر الى برامج تغيير جوهرية لاعادة هيكلة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي نحو الحداثة والتجديد وبناء المؤسسات . واخذت تمارس الاقصاء السياسي والتهميش والعداء للقوى اليسارية والعلمانية ولحقوق الانسان ولحقوق المراة بشكل خاص. فالايديولوجية التي تتبناها القوى الاسلامية تقوم على مبدأ الخلافة والتوريث و تطبيق الشريعة و اسلمة المجتمع وبذلك تتعارض تعارضا كليا مع الديمقراطية وحقوق الانسان. ولهذا نجد تراجع نفوذ القوى الاسلامية وافول نجمها بعد اشهر معدودة من اعتلائها دسة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن . واما في سوريا فان المذابح والمجازر التي تنفذها القوى الاسلامية المتطفرفة كشفت حقيقتها على الصعيدين المحلي والدولي. ولهذا لم يعد للاسلاميين حظوة بنفس الوجاهة والشعبية التي كانو يتمتعون بها قبل وصولهم للسلطة . وقد كشفت الدلائل والحقائق على الارض ازدواجية خطابهم السياسي التكتيكي لكسب الوقت والانقضاض على ما هو تقدمي وعصري. فقد أجبرهم الوضع الجديد والضغط الشعبي على تبني مواقف وإعلان آراء لا تتطابق مع خطابهم الديني والفكري الذي يتفلسفون به منذ عقود. و ادى تكالبهم واصرارهم على احتكار السلطه الى كشف زيف شعاراتهم الدينية وفقدان الثقة بهم مما اجبرهم على اتخاذ مواقف توفيقية في محاولة انتهازية للتقرب الى الناس وكسب ود الشعب .وعليه فمن الصعب الجزم بان الربيع العربي سيعطي ثماره ويزدهر في المدى المنظور . فمازال الهيجان الثوري محصورا في الدول العربية الخمسة مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا. ويبقي الرهان الحقيقي معلقا على مدى تعاضد القوى التي لها المصلحة الحقيقية في الانتقال نحو الديمقراطية وبناء دولة المواطنه. 


فمن الأسباب الرئيسية التي ادت الى اندلاع الاحتجاجات اوما يعرف بالربيع العربيّ سيادة الاستبداد والقهر والظلم وغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروات الوطنية واستشراء الفساد والبيروقراطة والمحسوبية في الإدارة والقضاء، وتعاظم معدلات البطالة في أوساط الشباب من خريجي المعاهد والجامعات ومصادرة حقوق المواطنين وحرياتهم وكرامتهم. وفي هذا الصدد لا يمكن اغفال تداعيات الأزمة الاقتصاديّة والمالية للراسمالية التي اجتاحت البلدان الراسمالية وتداعياتها على بلدان الربيع العربي. فقد أسهمت الازمة بقسط كبير في تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من بطالة وفقرٍ وارتفاع اسعار وديون خارجية الأمر الذي رشح الوضع في تلك البلدان للانفجار وحدوث الغليان االثوري.


وقد برزت القوى المحركة للانتفاضة من مختلف الشرائح الاجتماعية كالعمال والكسبة والفقراء والمثقفين والطلبة والشباب وبعض الفئات البرجوازية المتضررة من الاستبداد . وقد لعب الشباب دورا متميزا في تفجير وقيادة الاحتجاجات والاعتصامات. وفي هذا الحراك فرضت المراة نفسها في واقع الاحداث وتجاوزت دعاوى وفتاوى المشعوذين بالدين وجعلت وضع المراة بالمجتمع والموقف من حقوقها ومساواتها بالرجل معيارا لهذا النظام او ذاك الحزب. و بالنسبة للقوى اليسارية والعلمانية فلم يبرز دورها كقوة طليعية حاسمة ومؤثرة في الغليان الشعبي. فالارهاب والملاحقات المستمرة التي تتعرض لها من قبل الانظمة الدكتاتورية اضافة الى اساليب عملها التقليدية وبطأ مبادرتها الثورية ادت الى اضعافها وفقدانها قدرتها التعبوية . وقد ادى ذلك الى انحسار الافكار الليبرالية والشيوعية وانتشار الافكار المثالية والخرافية التي تغذيها القوى السلفية وهذا ما يفسر السبب في نضج الظروف الموضوعية للانفجار الثوري وضعف العوامل الذاتية. 


وقد افرزت الاحتجاجات تفاوتا واضحا في دور القوى اليسارية والعلمانية من بلد الى اخر . فالنقابات العمالية في تونس لعبت دور حاسما في حسم الصراع لصاح الشعب على عكس ما كان عليه في مصر وليبيا واليمن وسوريه. ففي ليبيا لم نشهد أي تحرك للقوى اليسارية والديمقراطية لانها غير موجودة بالاصل بسبب ارهاب النظام القذافي الذي اقتلع جذورها بالقتل والشنق والسجون والتعذيب. ومنذ تولي القذافي السلطة في عام1969 فان ليبيا لم تشهد أي هامش لحياة سياسية أو برلمانية او معارضة مرخص لها ولهذا صبغت الاحتجاجات بالعشوائية والكيدية والثأرية والقبلية في الصراع من اجل تغيير النظام و سن دستور جديد وتحسين الظروف المعيشية . وباختلاف ليبيا كان لليسار اليمني حضورا بارزا في الاحتجاجات اليمنية وإنفردت بعض التضاهرات برفع صور الثائر جيفارا والماركسي الصلب عبد الفتاح إسماعيل . اذ رمى الحزب الإشتراكي اليمني بثقله في المعركة وخاصة في مدن الجنوب على الرغم من الطابع العشائري والقبلي للمنطقة. وفي سوريا لم تشترك الأحزاب الشيوعية في الاحتجاجات وهما حزبان منخرطان في الجبهة الوطنية. ويبرر الشيوعيون ذلك بسبب المؤامرة الخارجية التي تتعرض لها بلادهم 
أما في مصر فقد تماها إشتراك الشيوعيين مع بقية بنات وأبناء الشعب المصري ولم يتميزو ككتلة مستقلة بسبب تنظيماتهم المتواضعة مقارنة بالأحزاب الأخرى سواء اليسارية أو الإسلامية . وفي تونس كان للحزب الشيوعي العمالي دورا متميزا في الأحتجاجات . وفي البحرين إشترك اليسار البحريني بفعالية مع القوى الاخرى في الاحتجاجات الجماهيرية من اجل الحرية وتحويل النظام السلطوي الى ملكية دستورية.


ونستنتج من ذلك ان نجاح القوى اليسارية في هذة المعركة الشرسه سيكون مرهونا بقدرتها على جر القوى الدينية الى معركة البناء بدلا من ان يجرها الاسلاميون الى معركة تطبيق الشريعة. وتجارب التاريخ تؤكد بما لا يقبل الشك ان حالات المد السلفي الديني او الايديولوجي كانت دائما مرهونة بتراجع قوى اليسار والشيوعية.


ونعتقد ان ضعف الحركة االشعبية وأزمتها وعدم قدرتها على التاثير الفعال في الساحة السياسية يكمن في غياب الحزب الثوري القادر على قيادة الحركة العمالية و تحويل الوضع الثوري إلى ثورة ظافرة لحسم السلطة السياسية. ان الحزب الثوري من الطراز الجديد الذي يختلف بنظريته واهدافه عن الاحزاب البرجوازية التقليدية سيكون ضمانه اكيد لانتصار الثورة وتحقيق اهدافها في بناء الدولة المدنية .