المنشور

السلطة تفتت المجتمع

بقلم: د.فواز فرحان*


كل
مجتمع مقسم أفقياً إلى طبقات اجتماعية بحسب موقع هذه الطبقات من وسائل
الإنتاج؛ تملك أو لا تملك. ولتقريب الصورة أكثر لنتخيل المجتمع كساندويش
الهمبرغر المكون من عدة طبقات؛ الطبقات العليا هي المسيطرة على المجتمع
وتستغل الطبقات التي تحتها بهدف تمكين سلطتها وزيادة أرباحها. والصراع
الرئيسي في أي مجتمع تاريخياً وحالياً هو صراع طبقي يتمثل بسعي الطبقات
المستغَلة لتغيير الواقع المفروض عليها من قبل الطبقات المستغِلة، ولا
يحتدم هذا الصراع إلا عندما يصبح هذا الواقع الممثل بالنظام السياسي
والدستور والقوانين والأعراف عائقاً أمام نمو هذه الطبقات المستغَلة
وتطورها وطموحاتها وأهدافها. 


والكويت ليست استثناءً من هذه القاعدة،
فالحلف الطبقي المسيطر الذي تمثل السلطة أحد أطرافه يهيمن على المجتمع
ويستغل الطبقات الأخرى لتستمر سيطرته ولتزيد أرباحه ومكاسبه المادية، وهذا
الحلف الطبقي وعلى رأسه السلطة يسعى بكل الوسائل والأساليب لكي لا يحتدم
الصراع معه بسبب نضوج الطبقات التي تحته. لذلك لجأت السلطة في الكويت إلى
قانون الانتخابات ذي الصوت الواحد المجزوء الذي لا يعطي مجالاً إلا لاختيار
مرشح واحد وبالتالي اختيار ١٠٪ فقط من النواب الممثلين للدائرة الانتخابية
وذلك لقطع الطريق أمام تكوين كتلة برلمانية معارضة تتصدى للممارسات
السلطوية العابثة بدستور الحد الأدنى وبالهامش الديمقراطي الذي تتحرك فيه
القوى الحية في المجتمع، ويبدو أنها كسبت هذه المعركة من خلال إضفاء الصفة
الدستورية على هذا القانون من خلال حكم المحكمة الدستورية الشهير، ولكن
السلطة اكتشفت كذلك أن هذا القانون لا يلبي هذا الهدف فحسب؛ بل يؤدي إلى
إنهاء العمل السياسي المنظم ذي الطبيعة الجماعية وبالتالي تأجيل نضوج
الحركات السياسية وتأجيل احتدام الصراع معها في سبيل استكمال النظام
الديمقراطي البرلماني. والسلطة لم تتوقف عند هذا الحد، بل هي مستمرة في
عملها المنظم الحثيث لهدم كل ما قد يؤدي إلى نضوج الحركات السياسية من خلال
تعميمها لنظام التصويت لمرشح واحد في النقابات المهنية وجمعيات النفع
العام والجمعيات التعاونية!


الحراك الشعبي السابق لم يعد قادراً على
التصدي لما تقوم به السلطة من ممارسات لعرقلة تطور البلد ديمقراطياً
لأسباب كثيرة من أهمها: الطبيعة الاحتجاجية لهذا الحراك والتي تتسم بالمد
والجزر بحسب القضايا الآنية التي تظهر على الساحة، وجود الكثير من الأمراض
الاجتماعية في صفوف الناشطين في هذا الحراك مثل الفئوية والطائفية
والقبلية، سيطرة السلطة على كل مفاصل الدولة وبالتالي تسخيرها لخدمة
مشروعها ولضرب هذا الحراك، وجود العناصر الانتهازية في الحراك والتي تستغله
لأهدافها الخاصة الضيقة، عدم وجود مشروع واضح ومحدد تتوافق عليه الأطراف
الناشطة في الحراك وبالتالي انتشار روح اليأس بين صفوفها. يجب أن تستوعب
الأطراف المعارضة الناشطة (الصادقة) في الحراك الشعبي أن الإصلاح والتغيير
من خلال ما تعتمده السلطة من أعراف وقوانين لم يعد ممكناً وأن عليها
المطالبة بتغيير هذا الوضع من خلال تبنيها لمشروع واضح ومحدد  يطالب بحل
المشكلة الرئيسية في البلد عن طريق تطوير نظامنا السياسي والدستوري نحو
نظام ديمقراطي برلماني كامل من خلال: وجود أحزاب سياسية، تداول ديمقراطي
للسلطة، ضرورة نيل الحكومة ثقة البرلمان، اختيار رئيس مجلس الوزراء
والوزراء من بين أعضاء كتلة أو حزب الغالبية في البرلمان، أن يكون رئيس
الدولة حَكَماً بين السلطات لا طرفاً في المنازعات السياسية. من غير هذا
المشروع الواضح والمحدد ستظل الأطراف السياسية المعارضة الناشطة في الحراك
تدور في نفس الحلقة المفرغة التي رسمتها لها السلطة.


نحن اليوم لسنا أمام خلاف على قانون
انتخابات أو مشاكل تفصيلية في الوزارات والإدارات فقط بل نحن نواجه مشروعاً
سلطوياً مشيخياً يسعى بكل أدواته ووسائله وأساليبه ليس لعرقلة التطور
الديمقراطي فحسب ولكن لإرجاع نظام الدولة إلى نظام على نسق أنظمة القرون
الوسطى، ونحن اليوم لسنا أمام عرقلة تكوين كتلة معارضة حقيقية في البرلمان
من خلال قانون الصوت الواحد المجزوء فقط بل نحن أمام حملة سلطوية لتفتيت كل
عمل جماعي منظم في البلد من خلال تعميم نظام الصوت الواحد المجزوء هذا على
النقابات والجمعيات والتي تشكل النواة المجتمعية الحقيقية لنضوج العمل
السياسي. فماذا ستفعل قوى المعارضة أمام هذا الواقع؟
———————————-
*عضو التيار التقدمي الكويتي.