المنشور

القيم في مجتمعات الخليج


عوّدنا الصديق الدكتور يوسف الحسن في كتاباته المتصلة بالشأن المحلي في دولة الإمارات، وبالشأن الخليجي عامة، على البحث المعمق في الظواهر الاجتماعية والثقافية المستجدة، في مجتمعاتنا التي تشق طريقها نحو التحديث وسط مغالبة لأنساق التنظيم والقيم التقليدية، التي عليها أن تفسح في المجال أمام ما تفرضه التحولات الموضوعية الحاسمة التي نعيشها في اتجاه أنماط تنظيم وسلوك حديثة، تحت تأثير وتائر التنمية السريعة .

هذه الوتائر تعجل من انبثاق أشكال وعي وسلوك جديدين لا ينتسبان إلى المنظومة التقليدية التي اعتادتها هذه المجتمعات مدة الجمود الطويل التي عاشتها قبل إعلان استقلال بلداننا، وقيام الأشكال الإدارية الحديثة.

في كتابه المهم «قلق القيم – مجتمعات الخليج العربية نموذجاً»، يستمر الحسن في مباحثه هذه، ويضع يده على جوهر ما تفرزه التحولات المشار إليها من آثار على منظومة القيم. مُوفقاً ودقيقاً كان الباحث في اختياره لأطروحة «قلق القيم» كي تكون عنوان الكتاب، فما يبحثه يتصل تحديداً بهذه الحال.

التحديث في المجتمعات النامية، وفق من اهتموا بدراسته من علماء الاجتماع والمفكرين، هو جملة من السيرورات التحولية التراكمية المتداخلة والمتكاملة تدخل المجتمع في حركية دائمة من الخبرات والمعلومات والمعارف وما ينجم عنها من تحول هذا المجتمع إلى مجموعة بنيات متراكبة ومتراتبة، تفرضها البنى الادارية الحديثة التي تتطلب الانضباط والتنظيم والعقلنة.
ينجم عن هذه التحولات ما يصفه بعض الباحثين العرب بالمصادمة بين منظومتين متابينتين: تقليدية وحديثة، وهي بدورها تحدث الاختلال والاختلاط في المعايير، وهو نفسه الذي أطلق عليه الدكتور يوسف الحسن «قلق القيم».

في مجتمعات الخليج يبدو الأمر أكثر تعقيداً، فالدولة الحديثة، وفق تعبيره، حلت محل اللادولة والبنى التقليدية القبائلية، حيث مارس الناس لأول مرة في تاريخهم تجربة الدولة بمعناها التاريخي والتقليدي. ومع أن الباحث يشير إلى أن القيم الحديثة تداخلت وتلاقحت مع قيم وثقافات تقليدية، يحذر من تراجع بعض منظومة القيم في السنوات الأخيرة بظهور الاستهلاك البذخي والجري وراء المظهرية وعدم احترام الوقت وضعف قيم العمل والكد والصبر وتآكل قيم احترام القانون. نحن إزاء كتاب يستحق الاهتمام.
 
21/07/2015